الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

أيّ اللفظين أفصح (الإشاعة) أم (الشائعة)؟

في الأفصح
كُتب في 2/ 12/ 1437هـ في نجوى خاصّة ولم يُنشر من قبل.
س: أيّ اللفظين أفصح: (الإشاعة) أم (الشائعة)؟ وهل (الأراجيف) تؤدي معنى الشائعات اليوم ؟
ج: (الأراجيف) جمع المصدرِ (إرجاف). وقد يجوز قياسًا أن تكون جمع (أرجوفة). وهي مستعملة في كلام الجاحظ وغيرِه بمعنى الشائعاتِ.
أما استعمال الناس للفظ (الإشاعة) بمعنى الخبر الكاذب أو الظَّنين أو غير المستوثَق من صحّته فقد تأتَّى لهم ذلك من خلال أمرين:
الأول: أنهم أخرجوه عن حاقِّ معناه، وهو الدلالة على الحدَث إذْ هو مصدر (أشاعَ)، فجعلوه دالًّا على لازم الحدَث، وهو المفعول به، فأمسى بمعنى (المُشاع). وإطلاق المصدر بمعنى المفعول به كثير في كلامِ العرب كقولهم: (درهم ضربُ الأمير) أي مضروبه. و(هذا الثوب نَسج اليمن) أي منسوجه و((هذا خلق الله)) أي مخلوقُه. وهو من باب المجاز المرسل ذي العلاقة التلازمية. ويجوز أن يكون إيجازًا بالحذف فيكون التقدير (الخبر ذو الإشاعة). وأَضيف إلى المصدرِ الإشاعةِ لأنه وقعَ عليه. ويجوز أيضًا أن يكون استعارةً، كأنك جعلت الخبر نفسَه، وهو الخبر الرائج في الناس، هو معنى الإشاعة نفسَه مبالغةً وتهويلًا كقولهم: (رجل عدْل) مبالغةً في نعتِه بهذا المعنى. وهذا كلُّه قياس متى وُجِدت القرينة.
الثاني: أنهم خصّصوا عموم الإشاعة بإشاعةِ الخبر الكاذب أو الظّنين دون الخبر الموثوق به واصطلحوا عرفًا على ذلك. وهذا من ما يجوز للمولَّد لأنه ليس فيه أكثرُ من تغليب استعمالِ اللفظ على بعض أفرادِه الثابتة سماعًا عن العرب، وليس فيه تغيير لدلالته أو إخراج له عن أصلِ وضعِه اللّغوي. ونظير هذا غلبة لفظ (الحاجب) على حاجب العين لأنه يحجب شعاع الشمس أو غيرَه، أو على البوّاب مع أنه ينطلق لغةً على كلّ ما يحجب غيره.
وأما لفظ (الشائعة) ففيه عملان:
الأول: تخصيص العموم كالذي عمِلوه في (الإشاعة).
الثاني: إلحاق التاء. وهذه التاء للنقل من الوصفيّة إلى الاسمية بسبب التخصيص كما في قولهم: (الطبيعة) و(السجية) و(المصيبة) وكقول الناس: (القائمة) و(المعلومة) ونحوها. وهو جائز كثير.
فقد رأيت صحة استعمال هذه الألفاظ الثلاثة، غير أن لفظ (الأراجيف) أجودُ وأحلَى لعتقِه واستعمالِه قديمًا في كلام البلغاء كالجاحظ، ولخلوِّه أيضًا من كُلفة الخروج عن الأصل.
أما الموازنة بين (الإشاعة) و(الشائعة) فهما متقاربان. وقد يقال: إن الشائعة أحسنُ لأنه اسم فاعل، فلم يخرج عن أصلِ دلالة بنيته حين دلَّ على هذا المعنى.

الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

نقد دعوى الفوائت الظنية

هاتان مقالتان نقدت فيهما دعوى الفوائت الظنّية التي يسعى عليها الدكتور عبد الرزاق الصاعدي وبيّنت زيفها وبطلانها بالبراهين الكثيرة.
* المقالة الأولى:
نُشرت في تويتر وفسبك في 28/ 6/ 1440هـ.
نُشرت في تويتر وفسبك في 4/ 1/ 1441هـ.

تفصيل القول في ياء (ثماني)

في باب العدد
نُشر في تويتر وفسبك في 27/ 2/ 1441هـ.
تُشكِل ياء (ثماني) على كثير من الناس من جهة إثباتها وتحريكها. وهذا بيانها:
الحالة الأولى: أن تكون (ثماني) غير مركّبة مع (عشرة). وفيها لغتان:
اللغة الأولى: أن تُعامل معاملة (قاض). وهي الفُصحى. فتقول: (جاء ثمانٍ من النسوة وثمانيْ نسوةٍ) و(رأيت ثمانيَ نسوةٍ). فإن وقعت منصوبة غير مضافة جاز فيها وجهان:
أ- الصرف. وهو الأجود. ومنهم من يوجبه. فتقول: (رأيت ثمانيًا من النسوة).
ب- المنع من الصرف. أجازه بعضهم. فتقول: (رأيت ثمانيَ من النسوة). وجاء في بيت من الشعر.
اللغة الثانية: أن تُعامل معاملة (صباح)، حكاها الكوفيون وأنشدوا لها بيتًا من الشعر. فتقول: (جاءت ثمانُ نسوةٍ وثمانٌ من النسوة) و(رأيت ثمانًا من النسوة وثمانَ نسوةٍ).
الحالة الثانية: أن تكون (ثماني) مركبة مع (عشرة). وفيها أربع لغات: إثبات الياء مع فتحها أو إسكانها، وحذف الياء مع كسر النون أو فتحها، فتقول في جميع أنواع الإعراب من رفع أو نصب أو جر: (جاءت ثمانيَ عشْرةَ امرأة) و(ثمانيْ عشرةَ امرأة) و(ثمانِ عشرةَ امرأة) و(ثمانَ عشرةَ امرأة).

قصيدة (وسفيهٍ)

نُظمت في 6/ 8/ 1440هـ ونُشرت في تويتر وفسبك.
وسفيهٍ مثمَّل الحقدِ نذلٍ ** كلما زاد جهلُه زدتُّ حِلما
صرتُ من طول غفلتي ومن الإعـراض عنه أصمّ أبكمَ أعمى
ولوَ اني أشاءُ أثخنتُ فيه ** بذليق الكلام نثرًا ونظما
غير أن الكريم يُغضي حياءًا ** أن يقولوا: قد شاتمَ اليوم فَدْما
وإذا أبصر امرؤ في طريقٍ ** جيفة سدّ أنفَه وتكمّى
ولقد يُطرق الهزبرُ ليسطو ** ولقد يُصهر الحديدُ ليَحمى
فاسألِ المعتدين قبلك عنّي ** يُعطِك المعتدون عنيَ علما

نقد إحدى نشرات (شرح اللمحة البدرية) لابن هشام

نُشر في فسبك وتويتر في 17/ 7/ 1440هـ و 24/ 7/ 1440هـ.

هذه النشرة لـ«شرح اللمحة البدرية» مخيبة للآمال، فهي مشحونة بالتصحيف والتحريف، وقلما يخلو بيت فيها من ذلك! ولم يعتمد محققها إلا على مخطوطة واحدة ليس لها كبير قيمة وعلى الطبعتين السابقتين من غير أن يرجع إلى مخطوطاتهما الثلاث، ولم يخرج أبياتها ولا نصوصها، وخللًا غيرَ ذلك كثيرًا.


وهذا تفصيل القول فيها:

سألني بعض أصحابي أن أفصِّل ما أجملته من القول في ذمّ النشرة الجديدة لـ«شرح اللمحة البدرية» لابن هشام التي أخرجها (صالح سهيل حمودة) وأن أدلّ طلاب العلم على أخطائها، فقلت: إن هذه النشرة قد بلغت من الفساد مبلغًا لا ينفع معه التقويم. وقد حكوا أن رجلًا قرأ على الأصمعي فجعل يغلَط والأصمعي ساكت لا يردّ عليه. فقيل له: لم لا تردّ عليه؟ فقال: لو علِمت أنه يفلح لرددت عليه.
ولكني سأقتصر على بيان بعض الأصول الفاسدة التي أقيمت عليها هذه النشرة تحذيرًا للناس أن ينخدعوا ببعض المحققين الذين يتخذون من كتب التراث مرتعًا لعبثهم وجهلهم واستخفافهم ثم يحتالون لترويج ذلك بنمنمة الغلاف وتزويقه وبالأوراق الصقيلة وببعض الألفاظ الموهِمة ككَتْب بعضهم على الغلاف: (يُحقَّق على عشر نسخ خطية) أو (يُطبع كاملًا لأول مرة) أو (يُحقَّق على نسخة مقروءة على المؤلف) أو يَكتب على الغلاف أنه ألحق بالكتاب حاشية سمّاها كذا ليقع في رُوع القارئ أنه من أهل العلم وأنه جار على نهجهم، وهي لا تساوي شيئًا.
فمن هذه الأصول الفاسدة في هذه النشرة لـ«شرح اللمحة» أن المحقق (!) لم يستوف تتبّع نسخها، فلم يكلّف نفسه تحصيل النسخ الثلاث التي اعتمد عليها محقِّقا النشرتين السابقتين لكي يسبرها فيعرف منازلها وأيّها أدنى إلى الصحة وأحقّ بالتقديم فضلًا عن غيرها مع ضرورة ذلك في صناعة التحقيق ومع سهولته أيضًا عليه إذ إن اثنتين منهما محفوظتان في دار الكتب المصرية. وقد وجدت بتفتيش سريع في الشبكة نسخة رابعة مصحَّحة مقابَلة لم تُعتمَد من قبل لا في هذه الطبعة ولا في اللتين سبقتاها.
وإنما اعتمد المحقق (!) على نسخة مخطوطة واحدة وصفها بأنها كُتبت سنة 883هـ وأنها نسخة عتيقة متقنة كاملة. وقد جانب الصدق في هذه الصفات الأربع كلها، فالنسخة إنما كُتبت سنة 983هـ كما رُسِم في آخر المخطوط. وقد نصّ الناسخ على ذلك أيضًا بالحروف في آخر نسْخه للكتاب السابق له في المجموع. ولا وجه لوصفها بالعِتق وهي منسوخة في القرن العاشر! ووصفُه لها بالإتقان عجيبة أيضًا. وهيهات منها الإتقان! وأنّى يكون متقِنًا من يصحّف (المؤلّف) إلى (المواز)، و(الرماني والكسائي) إلى (الزماني والمكاني)، و(ساهيًا) إلى (شاهدًا)، و(باعد أم عمرو) إلى (عدام عمرو)، و(يُشرب) إلى (يسري)، و(النفي) إلى (البقا)، ويلحن فيكتب (وجهان) (وجهين). وأمثال هذا كثير! ووصفُه لها بالكمال ليس بحقّ أيضًا، فإن في مصوّرة النسخة التي عوّل عليها كثيرًا من الأسقاط، بعضها يصل إلى صفحتين كما في ص120 وص23، بل إلى أربع صفحات كما في ص165. على أنه لو تقصّى في البحث لوجد هذه الصفحات الساقطة ثابتةً في مصوّرة أخرى لهذه النسخة كما وجدتُّ أنا، ولكنه الكسل والاستخفاف!
وسرّ اعتماده على هذه النسخة دون غيرها هو أنها منشورة على الشبكة، فلا يحتاج تحصيلها إلى أدنى جهد.
وليته مع ذلك اكتفى بنسخها وإخراجها، إذن لكانت أخطاؤه أقلّ، ولكنه جعلَ النشرتين المطبوعتين المملوءتين بالتصحيف والتحريف نسختين معتمَدتين في نشرته، وقابل نسخته الوحيدة عليهما فتفاحش خطؤه وعظُمت جنايته على هذا الكتاب، إذ ليس من الجائز أن يوثَق بدقّة نقل محققي النشرتين السابقتين لجميع ما في المخطوطات على وجهه من غير ما نقص ولا زيادة ولا تغيير، ولا أن يُطمَأنّ إلى صحّة قراءتهما لجميع ما فيها اطمئنانًا يُغني عن مراجعة مخطوطاتها.
ومتى اعتمد المحقق على النشرات المطبوعة المشحونة بالتصحيف والتحريف ثم لم يُرزق مع ذلك فضلَ علم ولا ثقوب نظر ولا صدق نصح ولا توخّي إتقان فلا عجب أن يخرج النصّ ممسوخًا مشوّهًا على غير ما أراده مؤلِّفه. وقد ظهر ذلك بيِّنًا في أبيات هذا الكتاب إذ قلّما يخلو بيت منها من تصحيف أو تحريف. وقد اغترّ في أكثر ذلك بأخطاء المحقّقَين السابقَين في الضبط مع أنهما نصّا على أن ضبط الأبيات بالشكل إنما هو من عملهما (ط هادي نهر 1/ 228. ط صلاح رواي 1/ 148):
إذا ما الجُرح رُمّ على فسادٍ *** تبيّن فيه تفريط الطبيبِ
وفوق هذا كلّه فإنه لم يخرّج شيئًا من أبياته البتة ولا شيئًا من نصوصه إلا ما ندرَ، ولم يصنع له فهارس تُعين طلاب العلم والباحثين على سهولة الوصول إلى مسائله وشواهده! ثم لا يجد مع ذلك حرجًا أن يكتب على غلاف الكتاب (قدم له وحققه وضبط نصّه ووضع حاشيته فلان). وهذا أغيظ ما يكون كما يقول الجاحظ في شبيه بهذا الصنيع. وقد شغلَ نفسه بدلًا من ذلك بما سمّاه (الذبّ عن أبي حيّان) فكان (معترضًا لعنَنٍ لم يعنِه) كما تقول العرب، وأصبح مثَلُه:
كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت *** بني بطنها، هذا الضلال عن القصدِ
وأكثر المشكلات التي نعانيها إنما سببها إهمال كثير من الناس لأعمالهم الواجبة عليهم وتقصيُرهم فيها واشتغالهم بأعمال غيرهم التي لم يُطالبوا بها ولا يحسنونها وإن حاولوها.
وقد رأيت أن أعرض بعض الأخطاء التي وقعت في الأبيات فقط من هذه النشرة الجديدة. وهي كافية في بيان قيمتها وفي الإنباء عن ما وراءها:
1- ما أنت بالحكم الترضى *** ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل (ص37)
الصواب (الترضى حكومته) كما هو ظاهر. وكذلك هو في المخطوط والمطبوع.
2- ما كاليروح ويغدو لاهيًا فرحًا *** مشمرًا مستديمَ الحزم ذا رشدِ (ص37)
تابع في هذا نشرةَ هـ (وهو اختصار طبعة هادي نهر). وهو خطأ صوابه (مشمّر مستديمُ الحزم ذو رشد) كما في نسخة البلبيسي. وقد أخذت بها نشرة ط (وهو اختصار نشرة صلاح رواي)، أي ليس المشمر الحازم ذو الرشد كالذي يروح ويغدو لاهيًا فرحًا، كما تقول: (ما كزيد عمْرٌ). وهذا البيت من موضوعات ابن مالك. وهو على الصواب في «تخليص الشواهد 154» لابن هشام نفسه. وفي خ (وهو اختصار النسخة التي اعتمدها صاحبنا) (مشمرًا ... ذو). وهو خطأ. فالمحقق (!) هنا لم يتبع ما في مخطوطته على خطئه ولم ينبه على ذلك، ولمّا خالفها لم يُوفَّق إلى اختيار الصواب.
3- وقد بدا هنْكَ من المئزرِ (ص61)
الصواب (هنكِ) لأنه خطاب لامرأة كما هو معروف. وهو في خ (فقد). ولم يأخذ به ولا نبه عليه. و(هنك) فيها غير مضبوطة. وقد ضبطها المحقّقان السابقان بالكسر على الصواب.
4- إذا هوى في جُنّة غادرها *** من بعد ما كانت خسًا وهي زكا (ص64)
الصواب (جُثّة) كما في شروح مقصورته وغيرها، انظر مثلًا «شرح ابن خالويه 243». وكذلك هي في مخطوطتَي حفيد ابن هشام والبلبيسي وفي مخطوطته (خ) التي اعتمد عليها. وقد أخذ بذلك ناشر (هـ) فأصاب. وإنما عدل صاحبنا عن مخطوطته وأخذ بما في مخطوطة الكردي التي اعتمدها روّاي في هذا الموضع لأن روّايًا قطع بتحريف (جُثّة) جهلًا منه بوجهها، فاغترّ محققنا بذلك مع أن روايًا لم يهتد إلى تخريج هذا البيت في المقصورة وشروحها وحرّفَ (زكا) إلى (ذكا) ولم يصب في تفسيره مع أن ابن هشام فسّره قبل البيت!
5- على أحوذيين استقلت عشيةٌ *** فما هي إلا لمحة وتغيبُ (ص66)
الصواب (عشيةً) بالنصب، ظرف زمان. وكذلك هي في (هـ) و(ط) و(خ).
6- ووجوههم كأنها أقمارُ (ص77)
وهو خطأ صوابه (وجوههم) من غير واو. وكذلك جاء في (خ) و(هـ). وقد عرف محقق (هـ) تخريج هذا البيت إذ ذكر أنه وجده في «البحر المحيط»: (كأنما وجوههم أقمار)، ولكنه لم يقطع بأنه هو. وهو هو غيرَ شكّ، فقد رواه ابن داوود في «الزهرة 2/ 660» وغيرُه (وجوههم كأنها أقمار). فلم يأخذ صاحبنا في هذا الموضع بما في مخطوطته ولم ينبّه على عدوله عنها ولم تنبّهه حاشية محقق (هـ) إلى مراجعة البيت ولم يوفَّق إلى الصواب حين أخذ بما في (ط).
7- أبى الله للشمّ الألاء كأنهم ** سيوف أجاد القين يومَ صقالِها (ص97)
كذا. والصواب (يومًا صقالَها). وهي على الصواب في (خ) و(هـ). وكُتبت في (ط): (يومَ صقالَها). وهو خطأ ظاهر. وبسبب عجلة صاحبنا ألّف من هذين الضبطين هذا الضبط المتراكب الخطأ. ولو بحث قليلًا لتبيّن له أن هذا البيت من قصيدة لكثيّر عزّة رويّها لام مفتوحة ساقها ابن ميمون في «منتهى الطلب 4/ 99». وقبله:
إذا النّاسُ ساموها حياةً زهيدةً *** هي القتلُ والقتلُ الذي لا شوى لَها
8- إنما يرضي المنيب ربَّه
ما دام معنيًّا بذكرِ قلبُه (ص117)
في هذين البيتين ثلاثة أخطاء: أحدها (إنما). والصواب (وإنما). والثاني (بذكرِ). والصواب (بذكرٍ). والثالث (قلبُه). والصواب (قلبَه) بالنصب. ولو قرأ تعليق ابن هشام بعده لما تدهده في هذا الخطأ القبيح، قال ابن هشام: (وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مع وجود المفعول به، وهو "قلبه"). وقد سلِمت (خ) من هذه الأخطاء إذ وقع فيها (وإنما)، ولم تضبط الكلمتين المذكورتين. وكذلك سلمت نشرة (هـ). وإنما تابع في ذلك نشرةَ (ط). والظاهر أنه ليس خطئًا من محقّقها، وإنما هو تطبيع بسبب تقدّم حركة هاء الضمير، وذلك لأنه لما أعرب البيتين في حاشيته ذكر أن (قلبه) مفعول به منصوب. وهذا ما يوكّد لك خطر الاعتماد على النسخ المطبوعة. وهذان البيتان من موضوعات ابن مالك. وقد ذكرهما في «شرح التسهيل 2/ 128» و«شرح الكافية الشافية 2/ 610».
9- ما أمُّك اجتاحت المنايا *** كلّ فؤاد عليك أمُّ (ص125)
كذا ضبطها (أمُّك) بالضم. ولو قرأ السطر الذي بعده لوجد ابن هشام يقول: (و"أمك" مفعول مقدّم). وقد انقاد في خطئه هذا لمحقّق نشرة (هـ) في ضبطه. ولم تُضبط في (خ) ولا (ط).
10- لهفي عليك للَهفةٌ من خائف *** يبغي جوارك حين ليس مجيرُ (ص143)
والصواب (لِلهفةٍ) بكسر اللام وجرّ (لهفة). وهو من أبيات الحماسة. ولم تُضبط هذه الكلمة في (خ) ولا (هـ). وضُبطت كذلك في (ط) فتابعها على الخطأ.
11- وقد جعلت قلوص أبي جياد *** من الأكوار مرتعها قريبُ (ص147)
(أبي جياد) تصحيف عن (ابني زياد) تابع فيه (ط) و(هـ). وهذا البيت من أبيات الحماسة. وروايته هناك (ابني سهيل). وربما روي (ابني زياد). ووقع في مخطوطة (خ) التي اعتمدها (بني سهيل). وهي الأصحّ لأنها رواية ابن هشام في سائر كتبه كـ«أوضح المسالك» و«مغني اللبيب، ولم يأخذ بها صاحبنا، ولم ينبه على ذلك أيضًا، ولم يراجع مكتبة هذا النصّ، وآثر أن يواطئ الطبعتين السابقتين على الغلط.
12- بأنك ربيع وغيث مُريع *** وأنك هناك تكوُن الثّمالا (ص159)
في هذا البيت ثلاثة أخطاء: أحدها ضم ميم (مريع). والصواب (مَريع) كما في المعاجم. والثاني (تكوُن). الصواب (تكوْن) كما هو ظاهر. والثالث: أنه ضبط الثاء من (الثمالا) بالضم أو الفتح، ولم يتعيّن أحدهما لأن من المساوي الشائنة لنشرته انطماسَ أعالي الحركات بسبب تقريب الأسطر بعضها من بعض. وكلا الضبطين خطأ، فـ(الثمال) بالكسر كما في المعاجم. وقد تابع في هذه الأخطاء الثلاثة نشرة (ط) حذوَ القذة بالقذة، أي لم يعد عمله في ذلك (النسخ والإلصاق). وقد كانت (هـ) في هذا أحسن حالًا إذا سلمت من الخطأين الأولين دون الثالث.
13- إذا الجود ولم يُرزق خلاصًا من الأذى *** فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقياً (ص162)
في هذا البيت خطآن تابع فيهما (ط) من غير إعمال فكر: أحدهما (ولم). والصواب (لم). وبه يستقيم الوزن. والثاني تنوين (باقياً). وهذه ألف الإطلاق، فلا وجه لتنوينها. وليس هذا بسهو، فقد كرّره في كثير من الأبيات متابعًا في ذلك خطأ (هـ) و(ط). وهو في (خ) على الصواب. وهذا يدلّ على أن صاحبنا المحقق (!) لا يحسن فهم ما ينسخ.
ومرّ هذا البيت في موضع آخر (ص154) فأخطأ فيه خطئًا جديدًا ثالثًا، وهو أنه ضبط (لم يرزقَ) بفتح القاف المجزومة فكسر الوزن والنحو وكسر أذواقنا معه. والله المستعان! ولعل القارئ عرف سبب ذلك، وهو أنها وقعت في (ط) هكذا!
14- خرقاء يلعب بالعقول حُبابها *** كتلاعب الأفعال بالأسماءِ (ص170)
(حُبابها) بالضمّ خطأ. والصواب (حَبابها) بالفتح كما في المعاجم. وقد سلمت (خ) والنشرتان السابقتان من هذا الخطأ.
15- يَخال به راعي الحمولة طائراً (ص172)
هذا البيت من أبيات «كتاب سيبويه». وفيه خطآن: الأول (يَخال). والصواب (يُخال) بضم الياء. وقد نجت من ذلك (هـ) و(ط). والثاني تنوين (طائراً). وقد مضى بيانه.
16- وما عليك إذا ما أخبرتِني دنفًا *** وغاب بعلك يومًا أن تعوديني (ص173)
زيادة (ما) خطأ مخلّ بالوزن كما هو بيّن. وهي على الصواب في مخطوطة (خ) التي يزعم أنه معتمد عليها وفي (هـ) أيضًا. وإنما تابع في ذلك (ط) على الخطأ.
17- وخُيِّرت سوداء الغميم مريضة *** فأقبلت من أهلي بمصر أعُوُدَها (ص173)
في هذا البيت خطآن: الأول (وخُيِّرت). والصواب (وخُبِّرت) كما هو ظاهر. وهو على الصواب في المخطوطة والمطبوعتين. والثاني: (أعُوُدها). والصواب (أعُوْدها) كما لا يخفى. وقد تابع في هذا الخطأ الصريح جدًّا (ط)!
18- ما راعٍ الخِلان ذمة ناكث *** بل من وفى يِـجد الخَلَيِل خليلاً (ص176)
في هذا البيت خمسة أخطاء: الأول (الخِلان). والصواب (الخُلان) بضم الخاء. والثاني (يِجد). والصواب (يَجد) كما هو معلوم. والثالث والرابع (الخلِيْل). والخامس (خليلا) من غير تنوين. ولا يبرّئه أن منها ما قد يكون تطبيعًا لأن من واجب المحقّق أن يخرج النص سليمًا بريئًا من الأخطاء ما وسعه ذلك. وكثرة التطبيعات دليل على قلة المبالاة وعلى التقصير في المراجعة. وكالعادة فقد تابع محققنا (!) في هذه الأخطاء الخمسةِ كلها ضبطَ محقق نشرة (ط). وقد برأت من هذه الأخطاء جميعًا نشرة (هـ). ويا سلام على هذا التحقيق!
19- فرم بيديك الدهر هل تستطع *** نقلًا جبالًا من تهامة راسياتِ (ص183)
أخطأ المحقق (!) في هذا البيت ثلاثة أخطاء: أحدها زيادة (الدهر). وبها ينقصم ظهر الوزن. والثاني (تستطع). والصواب (تسطيع). والثالث جعلُه (نقلًا) أول العجز، وإنما هو آخر الصدر، فمسخ المحقق البيت بذلك مسخًا شنيعًا. وهب أن عنده مخطوطات وأنها أطبقت على ذلك أفلم يكن له من الذوق والحسّ ما ينبّهه على خطئها ويأخذ بيده إلى الصواب! وهل يعلم ما معنى تقويم النصّ في علم التحقيق؟ والصواب:
فرم بيديك هل تسطيع نقلًا *** جبالًا من تهامة راسياتِ
وهذا البيت للفرزدق. وكذلك هو في ديوانه وفي جميع المصادر.
20- تعفّق بالأرطى لها وأرادها *** رجال فهلّت نبلهم وكليبُ (ص195)
و(هلّت) خطأ محض. والصواب (فبذّت). وهذا البيت من قصيدة مفضلية معروفة لعلقمة بن عبَدة. وفي (خ) (قيدت). وظاهرٌ أنه تصحيفُ (فبذت). وهو في نشرة (هـ) على الصواب. وفي (ط) كأنها (فبلّت)، وليست بواضحة، ولكن محققها (!) أعرب في الشرح (فبذّت)، فقرأها محققنا (فهلّت)! ولقد عجبت له أنّى أُفِك عن الإصابة في هذه المسألة! أفما يصيب ولو بالغلط! وهذا يدلّك على أثر استهانته بأهمية مراجعة ما يكفي من النسخ الخطية واستهانته أيضًا بتخريج الشعر وعرضه على المصادر.
21- يا أم عمرو، جزاك الله صالحة *** ردي عليّ فؤاديَ كالذي كانا (ص200)
(فؤاديَ) بالفتح خطأ ينكسر به الوزن. وقد سلمت النشرتان السابقتان والمخطوطة من ذلك.
22- أيا جبلي نُعمان، بالله خليا *** نسيم الصبا يخلص إلي نسيمَها (ص202)
في هذا البيت خطآن: الأول (نُعمان) بالفتح. وضمه خطأ. والثاني (نسيمُها) بالرفع، فاعل. وقد سلمت نشرة (هـ) من هذين الخطأين. ووقعت فيه نشرة (ط) فقلّدها صاحبنا تقليدًا أعمى.
23- يبكيك ناءٍ بعيد الدار مقترب *** يا للكهول وللشبان للعجبِ (ص203)
(مقترب) تصحيف تابع فيه (ط). وفي (هـ): (مفترب). وفي (خ): (معترب). والصواب (مغترب) كما في جميع المصادر وكما يقتضيه المعنى. وصاحبنا كما ترى لا يكاد يُخيَّر بين أمرين إلا اختار أبعدهما عن الصواب!
24- ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأشياءِ (ص231)
نعم (الأشياء)، هكذا أثبتها المحقق (!). والصواب كما هو معروف في جميع المصادر (الأحياء). وكذلك هي في النسخة (خ) التي اعتمدها وفي الطبعتين السابقتين.
25- إلى رُدْح من الشيزى مُلاءٍ *** لباب البرَّ يُلبَك بالشَّهادِ (ص234)
في هذا البيت أربعة أخطاء: الأول (رُدْح). وصوابها (رُدُح) لأن (فَعالًا) يُجمع على (فُعُل). والثاني: (مُلاء). والصواب (مِلاء) لأنه جمع (ملآن). والثالث (البرَّ). والصواب (البرِّ)، مضاف إليه. والرابع (الشَّهاد). والصواب (الشِّهاد) بالكسر، جمع (شهد). وجميع المعاجم والمصادر على ذلك. ولم تخطئ نشرة (هـ) في هذه المواضع، وإنما أخطأت نشرة (ط) في موضعين من هذه الأربعة، فاستلبها صاحبنا منها وزاد عليها خطأين آخرين وكأنه يقول لصاحب تلك النشرة: أنا أحق بكثرة الأخطاء منك!
26- بدا لي أني لست مدرك ما مضى *** ولا سابق شيئًا إذا كان جاثياً (ص262)
هكذا (جاثياً) بالثاء والتنوين. وهذان خطآن. أما التنوين فقد مرّ بيانه. وهو متابع فيه لنشرة (ط). وأما (جاثيا) فصوابه (جائيا) كما هو معروف. وقد ثبَت هذا اللفظ على الصواب في (خ) وفي الطبعتين السابقتين.
27- من عهد عاد كان معروفًا لنا *** أمر الملوك وقتلها وقتالُها (ص264)
(أمر) خطأ. وقد خالف في ذلك مخطوطته (خ) ونشرة (هـ). وكذلك نشرة (ط) أيضًا. وكتبَ محقّقنا (!) في الحاشية: (هـ: اسر). وأقول: بل هي كذلك في مخطوطتك وفي (ط) أيضًا، ولكنك لم تحسن قراءتها. وانظر في إعراب محقق (ط) لها في الحاشية. وكذلك هي في جميع المصادر. وهو الذي يقتضيه المعنى. وهذا يوكد ما بينته من ضرورة مراجعة المخطوطات وتخريج الشواهد وعرضها على المصادر. فمن لم يفعل هذا ولا سيما إذا لم يكن له من العلم وجودة النظر ما يعتصم به فإنه مسيء عابث.
28- فلا بك ما أسألُ ولا أغاما (ص276)
كتبها (أسألُ) بهمزة وبضمة على اللام. والصواب (أَسالَ). وهي على الصواب في (خ). ووردت في (هـ): (أسأل)، وفي (ط): (أُسالُ) فأخذ صاحبنا من كل نشرة خطأها فاجتمع له خطآن لأن محقق (هـ) جعلها همزة فكسر الوزن، ومحقق (ط) لم يكسر الوزن، ولكنه جعله فعلًا مضارعًا فأفسد المعنى. وصاحبنا جمع كسر الوزن وإفساد المعنى! وهذا البيت مشهور معروف الضبط في المصادر. و(أسال) فعل ماضٍ من السيل.
ولا بد أن أقف هنا وأن أصدّ عن النظر في سائر أبيات الكتاب لأني لو فعلت ذلك لاسترسلت في الكلام استرسالًا طويلًا، فما ذكرته هنا ما هو إلا قليل من كثير. وأنا أكره أن أضيع وقتي ووقت القارئ في تبيين مساوي تحقيق لا قيمة له فأكون في نقدي لهذا التحقيق كمثل رجل أراد أن يبين ضلال ملحدٍ من الملاحدة فذكر أنه يشرب بيده اليسرى ولا يسمّي عند الأكل.
وأظنّه صار بيّنًا بلا شكّ أن هذه النشرة فاسدة من كلّ وجه أصلًا وفرعًا. ولا أحسب أن قارئًا أو طالب علم يمكن أن يثق بعد ذلك بتحقيقات هذا الرجل الذي ادّعى أنه حقّق هذا الكتاب وهو لم يجمع نسخه الخطّية مع سهولة الوصول إليها ولم يصدُق في وصف النسخة الوحيدة التي اعتمد عليها ولا أصاب في تنزيلِها منزلتها الصحيحة، وعوّل على مطبوعتين مملوءتين بالأخطاء فقابل عليهما مخطوطته تلك فتضاعف خطؤه، ثم لم يكلّف نفسه مع تقصيره الشديد هذا تخريجَ شواهد الكتاب ولا نصوصِه ولا كان من همّه أن يقرّب الكتاب للقرّاء والباحثين بصنع الفهارس الكافية له! وليس له مع هذا كلّه من حسن النظر ولطف الذوق ما ينبّهه على مواضع الزلل ومكامن التصحيف.
ولو ترك القطا لنام.

حكم فتح الراء من (الله أكبر) في الأذان

نُشر في تويتر وفسبك في 8/ 7/ 1440هـ.
في ما تُلحَّن فيه العامة وله وجه
س: هل يجوز أن يقال في الأذان: (الله أكبرَ الله أكبر) بفتح الراء الأولى؟‬
ج: يجوز في ذلك ثلاثة أوجه:
١- ضم الراء. وهو الأصل لأن (أكبر) خبر مرفوع.
٢- إسكانها وقطع الهمزة بعدها إجراءًا للوصل مجرى الوقف، وذلك لكثرة سماعهم الوقف عليها بالسكون، فلما شاءوا وصلها بما بعدها كرهوا مفارقة عادتهم فيها وجعلوا وصلها كالشيء العارض الذي لا يُعتدّ به.
٣- فتحها تفريعًا على الوجه الثاني، وذلك على لغة تسهيل الهمز، إذ أُلقيتْ فتحة الهمزة بعد قطعها على الراء الساكنة قبلها وُحذفت كما يقال في (مسْأَلة): (مسَلة). وقد حكى الكسائي أنه قرأ عليه رجل من العرب ((بسم الله الرحمن الرحيمَ الحمد لله)) بفتح ميم (الرحيم).
وقد أجاز هذه الأوجه الثلاثة كلها أبو العباس ثعلب وغيره.

حكم استعمال (حيث) للتسبيب

نُشر في تويتر وفسبك في 16/ 3/ 1440هـ.
س: هل يجوز استعمال (حيث) للتسبيب نحو (وحيث كذا فقد حكمت بكذا)؟
ج: لو قيل: (ومن حيث) لرأيته جائزًا لأن (حيث) ظرف مكان، فكأنه قال: (ومن هذا المكان) كما يقال: (ومن هذا الوجه أو الطريق أو الجهة) أي أنه حكم عليه من خلال النظر إلى ذلك المكان، فالمكان إذن سبب للحكم مجازًا.
أما (وحيث) من غير (من) فلا أرى لها وجهًا لفساد المعنى إذ يكون التقدير (حكمت عليه في هذا المكان).
وزعم الأخفش أنها تقع ظرف زمان واحتج بقول طرفة:
للفتى عقل يعيش به ** حيث تهدي ساقَه قدمُه
وهو مئوّل بأنها هنا ظرف مكان، أي أن عقله يهديه حيث توجّه. واحتُجّ له بقول الآخر:
حيثما تستقم يقدِّر لك الله نجاحًا في غابر الأزمانِ
وهو مطعون فيه، انظر (نقض بحث براءة ابن مالك ص ٦٣).
ولو ثبت وقوعها ظرف زمان لجاز استعمالها للتسبيب كما يقال: (وإذْ أو لما أو وحين حصل كذا فقد حكمت بكذا).
والخلط بين (حيث) و(حين) في الاستعمال قديم. وقد نكره الأصمعي وأبو حاتم على سيبويه وأبي عبيدة، انظر (تهذيب اللغة ٥/ ١٣٥).

عقبه أم عقيبه؟ وكيف تُضبط؟

نُشر في تويتر وفسبك في 9/ 3/ 1440هـ.
س: ما الصواب (ذكرته عقبه) أم (عقيبه)؟ وكيف تُضبط؟
ج: الأفصح أن تقول: (ذكرته عُقْبَه) بضم العين وسكون القاف كما تقول العامة و(عُقُبَه) بضمتين و(بعقبه وفي عقبه وعلى عقبه). ومعناها (بَعدَه). وأجاز اللحياني (عَقِبه) بفتح فكسر كما تقول الخاصة و(عَقْبه) بفتح فسكون.
ويجوز (عُقيبَه) بالتصغير للتقريب كما تقول: (بُعيدَه).
وأما (عَقِيبه) بفتح العين فلم نجد العرب تستعملها ظرفًا. وقد نصّ على نحو من ذلك الرازيُّ، وإنما هي (فَعيل) بمعنى (مُفاعِل) أي معاقب، مثل (جليس) و(شريك). وهي كثيرة في كلام العلماء قديمًا. وهي جائزة على أن تكون حالًا أو تكون ظرف زمان على تقدير (ذكرته وقتًا عقيبًا له)، ذكر ذلك الفيوميّ ومثّل له بقولهم: (يفعل ذلك عَقيب الصلاة) أي وقتًا عقيبًا لوقت الصلاة، فحُذف (الوقت) ونابت عنه صفته. وله نظائر معروفة.

صفة النحاة

نُشر في تويتر وفسبك في 5/ 11/ 1439هـ.
من ما قيل في صفة النحاة:
- "قلما يكون النحوي ديّنًا" [السمعاني].
- "فيه ظرف النحاة وانبساطهم" [الذهبي عن أحد النحاة].
- "أهل النحو في ما نعلم معمّرون، لا يَكسر علينا إلا سيبويه" [الأخفش الأصغر].
- "أكثر النحويين فيهم رقاعة" [الأسود الغندجاني].
- "له قصائد مطولة ... عليها تكلّف وبرد كشعر النحاة" [القِفطيّ].

الأحد، 28 يوليو 2019

منهج تعلم علم متن اللغة

في تحصيل علم متن اللغة
نُشر مفرَّقًا في آسك في أوقات مختلفة. وبعضه لم يُنشر من قبل.
- س: ما المنهج الذي تقترحه في قراءة المعاجم؟
ج: ينبغي أن نعلم أولًا أن متن اللغة ليس من أوّل علوم اللغة التي يفضَّل البدء بها لمن كان عنده حظّ من العلم واطلاعٌ على كتب الأدب لأن كثيرًا من ألفاظ اللغة ستعرض له في قراءته للقرآن والحديث النبوي وفي كتب الأدب ودواوين الشعر، فإن كان مع هذا حافظًا لقدر جيّد من الشعر القديم عارفًا بمعاني ما حفظه كان هذا في حقّه أجدر لأنه سيحصّل بحفظه للشعر معرفة كثير من ألفاظ اللغة من غير تكلّف منه لقراءة معجم أو حفظه.
وإذن فينبغي الاشتغال بالعلوم المقنّنة كالنحو والصرف والإملاء والبلاغة ثم النظر في المعاجم بعد ذلك.
فإذا أراد أن يقرأ معجمًا فليبدأ بـ"تهذيب الصحاح" للزنجاني أو "مختار الصحاح" للرازي. والطريقة الجيدة السهلة للاستفادة منه أن يضع خطًّا تحت الألفاظ الغريبة التي قد تُستعمل، ويدع الألفاظ المعروفة التي لا يحتاج إلى حفظها، ويدع أيضًا الغريب الوحشي الذي لا يكاد يُستعمَل. فإذا فرغ من قراءته كرّ عليه وحفظ ما اختاره منه. ثم ينتقل بعد ذلك إلى "إصلاح المنطق" لابن السكيت. ويُستحسَن أن يقرأه مرتين أو أكثر من ذلك حتى يعيَه. ثم يقرأ بعده "فقه اللغة" للثعالبي.
فإن أراد الانتقال للمرحلة المتوسطة فليقرأ "الصحاح" للجوهري أو "المجمل" لابن فارس أو ما يقاربهما.
ونهاية ذلك أن يقرأ "لسان العرب" لابن منظور. - س: هل ترى حفظ "الفصيح" لثعلب؟ وما أحسن شروحه؟ وما الذي يُقرأ بعده من كتب التصحيح اللغوي؟
ج: رأيي أنه لا يلزم حفظه، وإنما يكفي تخوّلُه بالقراءة مرارًا.
وأهمّ من "الفصيح" شروحُه، فإن فيها من الاستدراكات والنّكت والذخائر شيئًا كثيرًا. وأجلها من جهة الدراية شرح ابن درستويه "تصحيح الفصيح". وأوفاها من جهة الرواية "تحفة المجد الصريح" للّبلي، ولكن المطبوع منه لا يزال ناقصًا. ومن أيسرها "لباب تحفة المجد الصريح" للبلي أيضًا. وهو كامل. وهو غزير الفائدة على صغره. و"إسفار الفصيح" لأبي سهل الهروي. وأوسع منهما شرح ابن هشام اللخمي. 

وأنا لا أعدل بكتاب ابن درستويه وكتابَي اللّبلي شيئًا من شروح "الفصيح". 

وهنا مسألة مهمة، وهي أن "الفصيح" ليس مناسبًا للمبتدئ كما يُظن لأن المبتدئ إلى أن يعرف جواهر الألفاظ أحوج منه إلى أن يعرف الأعراض التي تعرض لها من اللحن والخطأ ومخالفة الأفصح. وهو بعد ليس خالصًا في الألفاظ التي يلحن فيها الناس، ففيه كثير من الألفاظ جاءت على خلاف الأفصح. وقد نبّه على ذلك ثعلب في مقدمته. ولذلك لا يستطيع قارئه أن يعلم هل اللفظ الذي اختاره ثعلب صحيح لا يجوز غيره، أو هو الأفصح الذي يجوز غيره إلا بمراجعة شروحه. وهذا يقلّل من فائدته. 
على أنه ألّفه لأهل عصره. وقد جدّت بعد ذلك مئات اللحون والأخطاء لم يحوِها هذا الكتاب، فينبغي إذن أن يوضع في مكانته اللائقة به من غير غلوّ ولا جفاء.
ومن أهمّ كتب التصحيح اللغوي التي تُقرأ بعده "درة الغواص" للحريري مع شرحه للخفاجي و"المدخل إلى تقويم اللسان" لابن هشام اللخمي وكتاب "تصحيح التصحيف وتحرير التحريف" للصفدي. وقد جمع الصفدي في كتابه هذا تسعة كتب ووضع لها رموزًا ورتبه على حروف المعجم.
وأما كتب المعاصرين فكثيرة. ومنها "معجم أخطاء الكتاب" لزعبلاوي و"لغويات وأخطاء شائعة" لمحمد علي النجار. وهما من أجودها نظرًا. ويُضمّ إليها على حذرٍ كتابا العدناني "معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة" و"معجم الأخطاء الشائعة" وكتاب "معجم الخطأ والصواب" لإميل يعقوب و"معجم الصواب اللغوي" لأحمد مختار عمر. وهذا الأخير أوسعها جمعًا، ولكن لا يوثَق بأحكامه.
س: كيف ترتيب قراءة شروح "الفصيح" لثعلب؟

ج: للمبتدئ: "التلويح" أو أصله الذي اختُصر منه، وهو "إسفار الفصيح". وكلاهما لأبي سهل الهروي.
وللمتوسط: "شرح الفصيح" لابن هشام اللخمي، و"لباب تحفة المجد الصريح" للّبلي.
وللمنتهي: "تحفة المجد الصريح" للبلي من جهة النقل (لما يُطبع كاملًا)، و"تصحيح الفصيح وشرحه" لابن درستويه من جهة العقل.

- س: هل توصي بحفظ "موطأة الفصيح" لابن المرحل؟
ج: لا أرى حفظ "موطأة الفصيح" لأمرين:
الأول: أني لا أستحسن حفظ المنظومات. وقد كتبت في بيان هذا.
الثاني: أن "الفصيح" على ما فيه من النفع أقلّ وأيسر من أن يحفظ فيه ألف وثلاث مئة بيت! فهو لا يتجاوز منثورًا ستين ورقة. وإنما تكفي قراءته مرارًا. واعلم أن ما شغلت من وقتك وعقلك وجهدك في غير المهمّ أزرى بك في المهمّ كما يقول ابن المقفع، فإعطاء الكتب الرديئة أو القليلة الفائدة فوق قدرها يَشغل ولا بدّ عن الكتب النافعة العظيمة الفائدة لأن جهد الإنسان محدود وساعاته معدودة.

منهج تعلم علم البلاغة

في تحصيل علم البلاغة
لم يُنشر من قبل
س: هل تقترح علينا منهجًا مناسبًا لتعلّم علم البلاغة؟
ج: يبدأ بالبلاغة الواضحة لعلي الجارم أو دروس البلاغة لحفني ناصف. والأول أوسع إيضاحًا. وفيه تمارين. والثاني أخصر، ولابن عثيمين عليه شرح. ثم الإيضاح للقزويني أو شرحه بغية الإيضاح للصعيدي. وفيه تمارين. ثم الإيجاز أو الطراز ليحيا بن حمزة العلويّ (وقد يُستغنى عنهما)، ثم أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز للجرجاني، ثم كتب محمد أبو موسى في البلاغة.
ويَنظر أيضًا في تاريخ البلاغة. ومن ما ألّف في هذا الموجزُ في تاريخ البلاغة لمازن المبارك. وهو وجيز. والبلاغة تطور وتاريخ لشوقي ضيف. وهو واسع.

السبت، 27 يوليو 2019

رأي في حفظ المنظومات

نُشر أصله مفرَّقًا في تويتر في أوقات مختلفة.
حفظ المنظومات صالح لمن يريد أن يقتصر في علم ما على مرحلة المبتدئين لا يجاوزها إلى ما هو أعلى منها. فأما من يريد التعمّق في العلم والرسوخ فيه فإن في حفظه للمنظومات أضرارًا كثيرة عليه، منها أنها تمنحه شعورًا خادعًا بالتضلّع العلميّ، إذ يظنّ أنْ ليس بينه وبين إحراز العلم إلا حفظ المنظومة وفهم معانيها، فإذا حفظها اتّكل عليها وزهد في مطالعة الأمهات وفي النظر في كتب المتقدمين ومراجعة أصول العلم، وشغلَتْه عن إدمان النظر وتقليب المسائل، إلا أن يفطن لذلك فلا يقف عندها وعند شروحها، بل يعدّي عنها إلى غيرها. وقلّ من يفعل ذلك. ولهذا لا تكاد تجد مولعًا بحفظ المنظومات مبدعًا في العلم أو مجدّدًا.
ومن مّا يدلّك على ضرر المنظومات أن كثيرًا من حفّاظ المنظومات لا يستحضرون مسائل العلم حتى يستذكروا الأبيات التي تتضمنها من المنظومة، فإذا سألتَه عن مسألة لم يجبك حتى يسرد أبياتها، فإذا سرد الأبيات عرف الجواب، فهو حين سألته كان حافظًا للأبيات خالي الذهن من الجواب الذي هو العلم، فمثله كمثل من يُسأل فيفتح الكتاب فيعرف الجواب، فهو إذن لا يحفظ المسألة مباشرة، وإنما يحفظ الوسيلة التي إذا استعان بها عرّفته المسألةَ.
والطريقة الجيدة للتعلّم هي استظهار متون العلم بكثرة النظر فيها وإدامة مطالعتها وتلخيصها. وهي طريقة عامة السلف. ولَأن تقرأ كتابًا من كتب العلم عشر مرات بتفهّم وإعمال ذهن أنفع وأمتع وأبقى أثرًا وأسرع استحضارًا من أن تحفظ فيه منظومة لأن المنظومة واسطة إلى مسائل العلم، والعلم أسهل وأقرب وآنس من أن تبتغي إليه الوسيلة بحفظ منظومة.
وإنما ينبغي أن يُشغل الذهن بحفظ ما يُحفظ لذات لفظِه كالقرآن والشعر وألفاظ اللغة والتواريخ ونسبة المذاهب. أما ما يُراد معناه كمسائل العلم فالأنفع والأسهل تحصيله بما ذكرته من تكرار النظر والمطالعة والمذاكرة والتدريس ونحو ذلك. 
وقد يُحتاج إلى النظم في حالة واحدة، وذلك في العلم الذي تكثر اصطلاحاته وفي المسائل التي تكثر شروطها أو عدد أفرادها كالعروض وكحروف الجرّ ونحو ذلك. أما ما سوى ذلك فلا. أترى ملمًّا بالنحو يحتاج أن يحفظ بيتًا فيه أن الفاعل مرفوع؟ كلا لأنه قد حفظ هذا حفظًا لا يُحوج إلى نظم يضبطه به، فكذلك ينبغي أن تكون جميع مسائل العلم.

مسائل في الاعتزاز بالعربية الفصيحة وصيانتها

نُشر مفرَّقًا في تويتر في أوقات مختلفة.
- ويلٌ للعربيّة من تراجمة السَّوء! فلعمري ما وجدت شيئًا أضرّ على العربية في زماننا هذا منهم. ولَإنْ كانوا كذلك إنّ من التراجمة لفريقًا يسعون جُهدَهم في تجويد الترجمة والتوقي من آفاتها.
- كلما اتصلتُ بدائرة حكومية أو شركة كبيرة وأجابني هاتفهم الآلي رأيت أيُّ جناية عظيمة واستخفاف بالغ يجترحونه بحقّ اللغة وأهلها! 
- لا تعطِ الدنيَّة في لغتك. أعرف رجلاً إذا أراد أن يملأ سيارته بالوقود قال للعامل: (املأ)، فإذا استفهمه العامل: (فُل؟) قال: (لا، املأ)، فإن لم يفهم عنه تركه ومضى. قال لي: وقد انقطعت بي السيارة أكثرَ من مرّة!
- أيها الخطيب، ما اعتذارك من كثرة اللحن وأنت تقرأ من ورقة؟ هلّا ضبطتها قبلُ؟ 
- إن من دلائل ضعفنا وهواننا أن يجعل لنا أعداؤنا يومًا عالميًّا نحتفل فيه بلغتنا!
ينبغي أن نعرف فضل لغتنا في كل وقت ونحتفل بها في كل يوم.
- ليس في العربية التقاء ساكنين ولا واو ممالة ولا كاف فارسية، فمتى استعملتَ كلمة أعجمية فيها شيء من ذلك فطوّعها للغتك.
هل سمعتم إنجليزيًّا ينطق (أحمد) بالحاء؟ 
- من طال اشتغاله بالعامية ثم رام تحقيق مسألة من مسائل العربية خانته مُنّته وفسخَه العجزُ وسوءُ الدُّربة عن ذلك وكان كمَن يصعَد جبلًا!

وصية لمن يريد تقوية ملكته في البيان

في تحصيل البيان
نُشر مفرَّقًا في آسك وتويتر في أوقات مختلفة.
- س: رجل لا يعرف من ألفاظ اللغة إلا القليل ويغلب على أسلوبه الضعف والركاكة ويريد أن يكون فصيحًا بليغًا، فماذا يحفظ وماذا يقرأ؟
ج: يتخيّر له خمسين كتابًا أو أكثرَ من جِياد كتب الأدب التي ذكرتها في مقال "السبيل إلى البيان" ويقرؤها متذوقًا لألفاظها متأملًا لمعانيها متفكرًا في أساليبها، يجهر بصوته في بعضها ويحاول محاكاتها على الوجه الذي بيّنتُه في المقال. والرأي أن يقرأ في اليوم ما لا يقِلّ عن مئة صفحة إن استطاع، بحيث ينهيها في مدّة وجيزة لأن قراءتها مفرّقة في المدة الطويلة لا يستثير الملكة ولا يوري زَندها، خلافًا للقراءة المكثّفة المتتابعة. ولا جرم أنه سينتفع من ذلك على حسَب جودة قريحته وقوة ملكته.
وأما الحفظ فيبدأ بحفظ المعلقات أو بعض ما يتيسر له منها، ثم يحفظ من حماسة أبي تمام أو الحماسة البصرية ما يخفّ عليه ويروقه، ثم إذا مرّ به البيت أو الأبيات المعجِبة في كتب الأدب التي يقرؤها فلا ينسَ حظّه من حفظها كما يقول الجاحظ. وأسهل طريقة لذلك أن يتخذ دفترًا يقيّد فيه الأبيات الأولى من القِطَع أو القصائد التي يختار حفظها من ما يصادفه في كتب الأدب وغيرها، ويكتب إحالاتها في الدفتر ثم يحفظها في كتبها التي وجدها فيها. وهذه طريقة الأصمعي.
وبهذا يحصّل قدرًا جيّدًا من المحفوظ يُنشده ويستشهد به ويطرّز به كلامه ويأخذ ما شاء من ألفاظه ومعانيه.
- س: لو سئلت عن اقتراح كتاب أو اثنين جامعين في الأدب لمن أراد تنشئة ولده فماذا تقترح؟
ج: أنصح له بكتب ابن المقفع "الأدب الكبير والصغير" و"كليلة ودمنة" ثم "عبرات المنفلوطي" وبعض كتب الطنطاوي اللِّطاف.
- أحسنُ البيان ما تكلّفتَ تجويده وتنقيحه ثم تكلّفتَ أن تُخفي هذا التكلّف على القارئ، فإذا قرأه لم ير إلا كلامًا سهلًا عذْب العبارة متساوي الأجزاء.

منهج تعلم علمي النحو والصرف

في تحصيل علمي النحو والصرف
نُشر مفرَّقًا في ملتقى أهل اللغة وآسك وتويتر وفسبك في أوقات مختلفة. وبعضه لم يُنشر من قبل.
- س: سألتحق قريبًا بالدراسات العليا في تخصص النحو والصرف، فما الكتب التي ينبغي أن أقرأها وأشتغل بها؟
ج: أما النحو فأنصح لك بقراءة "شرح قطر الندى" فـ"شرح شذور الذهب" قراءة ضبط واستظهار، ثم "شرح الألفية" للمرادي أو الأشموني أو ابن هشام بحواشي محيي الدين عبد الحميد واجعل لك في ما تختاره منها وردًا يوميًّا لا تُخلفه وإن قلَّ حتى تستحضر عامّته. ثم "شرح المفصَّل" لابن يعيش. ثم تنتقل إلى "مغني اللبيب".
وتقرأ في نشأة النحو وتراجم النحاة "مراحل تطور الدرس النحوي" للخثران و"مراتب النحويين" لأبي الطيب فـ"طبقات النحويين واللغويين" للزبيدي.

وتقرأ في الأصول والعلل "الاقتراح" للسيوطي و"أسرار العربية" لأبي البركات الأنباري فـ"الخصائص" لابن جني. واستفد من كتاب "ضوابط الفكر النحوي" لمحمد الخطيب، فإنه جيّد محكَم غزير الفائدة.
وفي الخلاف تقرأ "الإنصاف" للأنباري.

ويكون عندك للمراجعة "كتاب سيبويه" و"التذييل والتكميل" لأبي حيان و"همع الهوامع" و"الأشباه والنظائر" كلاهما للسيوطي وغيرها من الكتب الموسَّعة للرجوع إليها عند الحاجة [مع أن قراءَتها خيرٌ لمن تتسع قدرته لذلك].
وتقرأ في الإعراب شيئًا من "المورد النحوي" أو "المورد النحوي الكبير" لفخر الدين قباوة أو "فتح الكبير المتعال إعراب المعلقات العشر الطوال" لمحمد علي الدرة، ثم شيئًا من كتب أعاريب القرآن التفصيلية المعاصرة، ثم تنظر في "الدر المصون" للسمين الحلبي.
وأما الصرف فأرى أن تبدأ بـ"المغني في تصريف الأفعال" لعضيمة و"التبيان في تصريف الأسماء" لأحمد كحيل ثم " شذا العرف في فن الصرف" للحملاوي. واجعل لك فيه وردًا يوميًّا حتى تستحضر جُملته. ثم "شرح الشافية" للرضي أو اليزدي أو الفسوي. والأول أوسعها وأحسنها تحقيقًا ونظرًا، والأخير أوجزها وأسهلها. واستعن بـ"القواعد والتطبيقات في الإعلال والإبدال" لعبد السميع شبانة و"معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم" لأحمد الخراط.

على أنه قد يجوز الاكتفاء ببعض هذه الكتب عن بعض.
- من يسأل عن شرح متوسط لألفية ابن مالك يعكف عليه ويستغني به عن غيره فإني أقترح عليه "شرح المرادي" بتحقيق قباوة، فهو جامع لأكثر المسائل حاوٍ لعامة الخلاف مستوعب لكثير من الشواهد مشتمل على بعض الحجج والعلل.


- س: أحبّ العربية، ولكني لا أحبّ الإعراب، وأجدني أستثقله، فبم تنصح لي؟
ج: ليس بمستنكرٍ نفورك من الإعراب وأنت غير حاذق به، فهذا أمر فطري طبيعي، فكلّ من لم يضبط علمًا ولم يتحقّق به فإنه يستثقله ويستجفيه لما يجد في مكابدته من العناء والنصب ولما يلزمه من جهلِه به مع اعترافه بجسيم قدره وشرف موضعه من ضرورة لحاق النقص له. وطبيعة النفس تأبى مثل هذا. بل ربما عادى هذا العلم ونصَب له وحرَص على أن يجعله جهلًا كما يقول ابن المقفع.
فإذا أردت أن تحبّ الإعراب فأحكم أولًا معرفة النحو وتمرّس بكتب الإعراب ذوات الوجوه كـ"التبيان" للعكبري، و"الدر المصون" للسمين الحلبي، ثم حاول أن تعرب صفحاتٍ أو آيات من القرآن بنفسك واعرضها على هذه الكتب وعلى كتب الإعراب المفصّلة الحديثة ككتاب درويش وكتاب محمود صافي لتعرف الصحيح منه فتثبته والخطأ فتصلحه. وعليك أيضًا بـ"المورد النحوي" لفخر الدين قباوة. وستجد في ذلك متعة فهم النحو ولذة وإحراز آلته ومعرفة جميع الوجوه المحتملة للكلمة قويِّها وضعيفِها ومقبولِها ومردودِها. وهو أمر حُرمه كثير من الناس عجزًا أو كسلًا. 

- س: أريد حفظ متن منثور طويل في النحو، فماذا أحفظ؟
ج: إن كنتَ لِزاز حفظٍ وتعرف من نفسك الصبرَ عليه والاستمرار فيه، فدونك "التسهيلَ" لابن مالك، فإنه جامع شامل، وقد ذكر أبو حيان أن من عرفه حقّ المعرفة لا يكون تحت السماء أحدٌ أعلم منه بالنحو. فإن عجَزت عن حفظه فأدمن قراءته ومطالعته والنظر في شروحه، ولا تُغفل مع ذلك جانب التطبيق.

- س: هل من كتاب في النحو يغنيني عن غيره أدمن النظر فيه وإن كان مطوَّلًا؟
ج: كل الصيد في جوف "التذييل والتكميل" لأبي حيان، غير أنه طبع منه سبعة عشر مجلدًا ولم يكتمل إلى الآن، ولكن يمكن إكماله بشرح المرادي أو ابن عقيل أو ناظر الجيش. 
وهذا الكتاب عظيم النفع جدًّا، ولكن بشرط أن يكون قارئه متوسّطًا في النحو أو متقدّمًا. 
وقد قال أبو حيان عن "التسهيل": (من عرف هذا الكتاب حقَّ المعرفة لا يكون تحت أديم السماء أحدٌ أنحَى منه). هذا قولُه في "التسهيل" فكيف إذا أدمتَ النظر في شرح أبي حيّان له، وهو "التذييل"! 
ولو ضممتَ إليه "شرح المفصل" لابن يعيش و"شرح الكافية" للرضيّ و"الدر المصون" للسمين الحلبي فإنه لا يضرّك ما فاتك بعدهنّ. وذلك أن كتاب أبي حيّان هو أجمع كتاب في ذكر المسائل والخلاف بأسلوب واضحٍ، وكتاب ابن يعيش غاية في حسن التعليم والتعليل ولُطفِه، وكتاب الرضيّ من أفضل كتب النحو التي تُعلّم النظر والتحقيق، وكتاب السمين هو المنتهى في الإعراب والتخريج، فإذا حزتَ هذه الكتب كلَّها أغنتك عن غيرِها في الغالب، وإن لا فإنه لا يغني كتاب عن كتابٍ. 
وإن أردت كتابًا عصريًّا فعليك بـ"النحو الوافي" لعباس حسن. وهو أقل مسائلَ خلافٍ، ولكنه جيّد من جهة الشرح والإبانة، وفيه مسائل حادثة وأمثلة معاصرة. 

- س: ما الكتب التي تُقرأ بعد دراسة الألفية وشروحها؟ 
ج: أقترح قراءة "شرح المفصل" لابن يعيش، و"شرح الكافية" لرضي الدين الإستراباذي، أو أحدهما.

- س: هل من كتاب موجَز في النحو والصرف يصلح لغير المتخصص ليراجع به مسائلهما؟
ج: أختار لك كتاب "المنهاج المختصر في علمي النحو والصرف" لعبد الله الجديع، فقد جمع فيه مسائل النحو والصرف وبعض مسائل الإملاء على اختصاره بأسلوب حسن وتصنيف بديع. وتجده هنا:
https://waqfeya.com/book.php?bid=8370


- س: أريد كتابًا ميسَّرًا سهلًا للمبتدئ في علمي النحو والصرف.
ج: أما النحو فكتاب "النحو الواضح" لعلي الجارم.
وأما الصرف فكتاب "التطبيق الصرفي" لعبده الراجحي.

الجمعة، 26 يوليو 2019

من شواهد سعة العربية

نُشر مفرَّقًا في تويتر في أوقات مختلفة.
من الدليل على سعة العربية وسماحتها أنه يجوز لك أن تقول: (عيناي بكَتا) و(عيناي بكَت) و(عينِي بكَت) و(عينِي بكَتا). 
ومن الشواهد على ذلك أيضًا أنّ لك أن تقول: (يا زيدُ بنَ محمد) و(يا زيدَ بنَ محمد) و(يا زيدُ بنُ محمد). 
ومن ذلك أيضًا أنّ لك أن تقول: (مُدَّ حبلَك) و(مُدِّ حبلَك) و(مُدُّ حبلَك) بفتح الدال وكسرها وضمها. وكذلك ما أشبهَه. 
ومن ما ينبيك أيضًا بسعة كلام العرب وانفساح مذاهبه أن القرّاء قرأت (الحمد لله رب العالمين) بضم دال الحمد وفتحها وكسرها وضمها مع ضم لام (لله) وكسرها مع كسر اللام بعدها!

نتف شعرية

* نُظمت في 13/ 8/ 1442هـ ونُشرت في تويتر:
أزجَى إليّ على النُّزوح هديّةً ** فهْدٌ، وأبصرَ حاجتي فسعَى لها
جازَتْ عمانَ على الدِّشِلِّ حثيثةً ** حتى طوتْ في مكةٍ تَرحالَها
قد قلتُ حين شققتُ عنها ثوبَها ** وحمِدتُّ منها حسنَها وجمالَها:
أَلشّكرُ للعبريِّ فهْدٍ، إنه ** ما كلُّ من ودَّ المكارمَ نالَها

* نُظمت في 4/ 1429هـ ووُضعت في الصفحة الترحيبية لجلساء ملتقى أهل اللغة:
يا جليسي ويا مسرّة قلبي ** ما لك الدهرَ معرضَ الوجه عنّا؟
أهْو واشٍ سعَى إليك فنرضيـ ** ـكَ بعذرٍ أم ملّ قلبُك منّا؟

* نُظمت في 10/ 10/ 1434هـ ونُشرت في تويتر.
ما زال في الأيام متّسَعُ ** والهمُّ غيماتٌ وتنقشعُ
وإذا تكالبتِ الخطوبُ فلا ** تجزعْ، فشرُّ الشِّيمة الجزعُ
ودعِ التخوُّفَ من حِذار غدٍ ** ما كلُّ ما قدّرتَه يقعُ
والناسُ لا تحفِل بقائلهم ** ذرهم وما قالوا وما صنعوا

* نُظمت في 29/ 11/ 1438هـ ونُشرت في تويتر.
شكوتُ إلى الطبيب سَقام عيني ** فقال ليَ الطبيب: بها جفافُ
فقلت: أجل، لقد نَزفَت دموعي ** تصاريفٌ وأيام عجافُ

* نُظمت في 23/ 12/ 1438هـ ونُشرت في تويتر.
لَليلةٌ بتُّ أقضيها بمكتبتي ** ما بين درس وتفتيش وتدوينِ
أشهى إلى القلب من بُنشاكَ لو علموا ** ومن زِلَمسِيْ ومن جُزْر الفلبّينِ

 * نُظمت في 10/ 12/ 1439هـ (في عيد الأضحى) ونُشرت في تويتر.
لو كنتَ ذا شوق وذا مِقةٍ ** لعدلتَ عن تحديدك الكُلّا
وخصصتَ من تهوى بتهنئةٍ ** أوْ لا فدعْه ولا تكن كَلّا
هل يستوي في الفضل محتمِلٌ ** جَهد الوصال ووادعٌ؟ كَلّا!

الخميس، 25 يوليو 2019

مسائل متفرقة في البديل الفصيح من ألفاظ اللغة

نُشر مفرَّقًا في تويتر وفسبك وآسك في أوقات مختلفة.
- يقال: (رجلٌ سَطحيّ) أي: ظاهري غير عميق، نسبةً إلى (السطح). وهو مولَّد. وقد وجدتّ ابن المقفع يستعمل في موضعه (الجافي).
- يقول الناس اليوم: (سأفعل هذا لاحقًا أو مستقبلًا أو في المستقبل). وهي مولّدات صحيحة. والعرب تقول في موضعها: (سأفعله من ذي قَبَلٍ، ومن ذي قِبَلٍ) و(في ما بعدُ). وهذه الأخيرة لا تزال مستعملة. ويقولون أيضًا: (فعلته مؤخَّرًا). وهي صحيحة. والعرب تقول: (فعلته أخُرًا وبأخَرةٍ وأخيرًا).
- تُسمى الفرجة التي تحت طرف الأنف بينَ الشاربين (نَثْرة) و(لَعْقَطة).
- الجُند الذين يتقدّمون موكب الأمير يفسحون له الطريقَ يُسمّون (المُطرِّقة). وقد ورد ذكرُ هذا في "الأغاني". 

- لنا أن نسمّي المصاب بجنون العظمة (أبْلَخ)، قال أبو عَمر الشيباني: (الأبلخ: الفخور في نفسه كأنه مجنون من عظمته وكبريائه). 
- (الرسالة الجماعية) أو (الرسالة العامّة) يصحّ أن نسميها (العَميمة) كما قالت الخنساء:
أبلغْ خُفافًا وعمرًا غير مقصرةٍ ** (عَميمةً): سوف يبدو كلُّ أسرارِ
أي أبلغهم برسالة عميمة أي عامة أو جماعية. واستغنت بالصفة عن الموصوف.
- يقول العرب في (السنوي): (الحوليّ). ومنه قول الحطيئة: (خير الشعر الحوليّ المحكّك) وحوليات زهير. و(العامِيّ) نسبةً إلى العام. وله شواهد. وأما (الشهري) و(اليومي) فلم يمرا بي. ولا أدري أستعملوهما أم لا، غير أنهما يجوزان قياسًا. ويجوز أيضًا أن يقال: (سنويّ).
- الخَزيز: العوسج الذي يُجعل على رءوس الحيطان ليمنع التسلّق [لسان العرب].
قلت: يصح تسمية الأسلاك الشائكة بهذا الاسم. 

- القشرة التي تعلو الجُرح عند البُرء اسمها في لغة العرب (جُلْبة). 

- أقترح تسمية (الشهادة الوهميّة) باسم (الشهادة المُبهرَجة)، قال اللبلي: (الدرهم المُبهرَج: هو المضروب في غير دار الأمير. ولا يباع به).
- في سعة العربية مضطرَب عن أن تسمي التغريدات المسلسَلة باللفظ الأعجمي (ثريد). سمّها إن شئت (سَرْدًا) أو (سِلسلة) أو (نظَمًا) [بفتح الظاء، اسم لما يُنظم] أو (منظومة) أو (عِقدًا) أو (نسَقًا) أو (سِمطًا) [وهو الخيط الذي يكون فيه النظم] أو (نضَدًا) [وأصله ما نُضِد بعضه فوق بعض أي وُضِع] أو نحو ذلك.
- يمكن تسمية التخطيط الإستراتيجي بـ(التخطيط المستشرِف) أو (المُجلِّي)، من (جلّى الصقر ببصره) إذا نظر إلى صيده من بعيد لحدّة نظره. 
- قول الناس اليوم: (بالكاد فعل كذا) يقاربه من كلام العرب لفظ (بالتكاليف)، قال الحماسي:
وبالتكاليفِ تأتي بيتَ جارتها ** تمشي الهوينى وما تبدو لها قدمُ
- تُسمّى الهدية التي يهديها الرجلُ إذا قدمَ من سفرٍ (العُرَاضة). 
- اللفظ الفصيح المرادف لكلمة (التوتُّر) هو (الزَّمَع). وفي "اللسان": (الزَّمَع رعدة تعتري الإنسان إذا همّ بأمر). واستعمله الجاحظ في "الحيوان". 
- يُسمى كَيّ الثياب قديمًا (الصِّقال). وفي "الأغاني": (فإذا بشر بن مروان عليه غلالة رقيقة صفراء وملاءة تقوم قيامًا من شدة الصّقال).
- المكعبات التي تُشعَل بها النار ليس لها عند الناس اسم صالح، وإنما يسمونها (البِيض). وهو اسم عام. وأرى تسميتها (ذُكى)، جمع (ذُكوة) و(ذُكية). والذُّكوة والذُّكية في كلام العرب ما ألقيتَه في النار من حطَب أو بعَر ليزداد تلهّبها واشتعالها. 
- الوسادة الصغيرة تسمى في لغة العرب (حُسْبانة). 

- يقال: وُثِئت يدُه، وأصابه وَثْءٌ، وهو أن يصيب العظمَ وصمٌ لا يبلغُ الكسرَ. قلتُ: وهو ما نسمِّيه في عاميتنا (شَعَر). 
- العُقدة التي يسهل حَلّها تُسمّى في كلام العرب (أنشوطة). والتي يصعب حَلّها تسمّى (أُربة). و(العُقدة) تشمَل ذلك كلَّه. 
[أنشوطة]
[أُرْبة]
- الذي يأكل كثيرًا ولا يسمَن تسمّيه العرب (المَهْلوس). 
- من طريف الأساليب قول سيبويه: (وليس في الدنيا اسم صفته كذا) وفي معناه قول الجاحظ كثيرًا: (وليس في الأرض) مكانَ قولنا: (لا يوجد اسم صفته كذا). 
- ‏تُسمّى هذه في كلام العرب (مِقبَضًا) و(مَقبِضًا) و(مِقبَضة) و(مَقبِضة) و(عُروة) و(أُذُنًا).

- لم تدَعِ العرب أن تضع اسمًا لبيض النّمل، وهو أدقّ الأشياء وأحقرها، فسمّته (المازِن)! 

بل إنهم لم يُغفلوا ما هو أغمض من ذلك وأقلّ. وذلك تسميتهم الشوك الذي في ساقي الجرادة (التأشير)!

عهد الصبا

نُظمت في 7/ 1/ 1430هـ ونُشرت في ملتقى أهل اللغة.
هذي الدِّيار، فقِفْ واستنطِقِ الحجَرا ... واذرِف دموعَكَ في ساحاتِها دِرَرا
يا ليت شعري وقد قفَّت حمولُهمُ ... ولم يُنيلوك من مَّا تشتهي وطَرا
هل واصلٌ حبلَ مَن أهوى مودَّته ... أم عائدٌ ليَ من عيشي الذي غبَرا؟
نظرتُ فانفضَّ دمعي ما أكتِّمُه ... إن المُحِبَّ معنًّى حيثُما نظرا
كنَّا وكانت لنا الأيامُ ضاحكةً ... تُرخي علينا – ولم نشعر بها - سُتُرا
أيامَ أهتزُّ ريَّانَ المُنى طربًا ... كالعودِ يهتزُّ في أغصانه نضِرا
أغدو على اللهوِ واللذاتِ مغتبِطًا ... حينًا وأسحبُ ذيلَ الأنسِ مفتخرا
يا لهفَ نفسي على عهدِ الصِّبا، فلقد ... ولَّى وأعقبَ في قلبي له ذِكَرا!
ولَّى وللدَّهرِ في حالاتِه غِيَرٌ ... مستوفِزاتٌ، ومَن ذا يأمَنُ الغِيَرا؟

متى نلتقي؟

نُظمت في 28/ 1/ 1429هـ ونُشرت.
تعلَّم قلبيَ منك الجمالَ ... وأبحرَ في سُبُحاتِ الفِكَرْ
وأسقيتَه كلَّ سرٍّ خفيٍّ ... ولفظٍ رقيقٍ ومعنًى أغرْ
فأصبحَ كالفجرِ قد مزَّقت ... يداهُ ثيابَ الدجَى إذ ظَّهرْ
أو السَّفْرِ أوفَى على موعدٍ ... من الوصلِ بعدَ عناءِ السفَرْ
أو الماءِ يختالُ في روضةٍ ... تداعبُه نسَماتُ السحرْ
أو الحبِّ كفَّاهُ مغلولتانِ ... كما مُنِعَ الفعلُ من أن يُجَرْ
أو الوجدِ في خافقي عاشقٍ ... أضرَّ بهِ الهجرُ حتى استترْ
أوِ الغيمِ في الأفْقِ مستلقيًا ... يقبِّلُ في الليلِ خدَّ القمرْ
أراكَ فأبصرُ فيكَ الحياةَ ... مزخرفةً ببديعِ الصورْ
وألمحُ فيكَ الهوى باسمًا ... كما يبسِم الوردُ بينَ الشجَرْ
تركتَ فؤادي في فتنةٍ ... وألقيتَه في سبيلِ القدَرْ
حباليَ مذ غبتَ مقطوعةٌ ... فقل لي متى نلتقي يا مطرْ؟

من آداب الاستفتاء

نُشر في فسبك وتويتر في 24/ 11/ 1437هـ.
إذا استفتيتَ أحدًا فأبطأ عن جوابك ساعة أو ساعتينِ أو يومًا أو يومينِ فلا تستعجِلْه، فإنَّ ذلك ضربٌ من النزَق والخفّة وسوءِ الأدبِ إلا أن تطولَ المُدَّةُ طولًا يغلبُ على ظنِّك معه أنّه لم يبلغْه سؤالُك أو بلغَه ولكن نسيَ الجوابَ عنه. 
ومتى رأيتَ شيئًا من الأماراتِ التي تشي بقراءتِه لسؤالِك واطّلاعِه عليه كتغريدِه في تويتر أو فسبك إن كان السؤال في أحدهما أو دخولِه الوتسَ إن كان في الوتسِ فلا ينبغي لك أن تفعلَ معَه فِعلَ الشّرطيّ صادف لِصًّا هاربًا فتريَه أنك قد قبضتَ عليه بتهَمة الفِرار من جوابِك وتجعل برهانَك على ذلك الظفرَ به متلبّسًا بالدخولِ أو التغريدِ بعد إرسالك السؤالَ، فإنّه ليس وراءَ هذا من القِحة وصلابة الوجهِ معدًى ولا مطّلَعٌ. 
واعلم أن السائل طالبُ علمٍ ومن الحقِّ على طالبِ العلمِ لطفُ التوصُّلِ وخفضُ الجناحِ ودماثة الجانب، والمجيبَ متفضّلٌ محسنٌ، وما على المحسنين من سبيلٍ. 
على أني لو شئتُ أن أذكرَ لك الأعذارَ التي ربما منعتْه من جوابك في الحالِ لذكرت لك أكثر من سبعين عذرًا كلُّها موجبٌ للإمهالِ وإحسان الظنِّ، فمن ذلك أن يكون الخاصُّ عنده في تويتر أو فسبك متعطِّلًا أو عرضَ له العطَبُ، أو يكون دخلَ على عجلٍ وتخطَّى الخاصَّ ولم يتصفّحه، أو يكون تصفَّحه فقرأ أسئلة غيرك وعميَ عن سؤالك، أو يكون قرأ سؤالكَ ولكنّ في الخاصِّ من مثلِه مئةَ سؤالٍ سابقٍ كلُّها ينتظر الجواب فهو يجيبُ عنها الأولَ فالأولَ، أو يكون قرأه وهو في حالٍ لا تُمكن فيها الكتابةُ كحالِ قيادة السيارة، أو يكون قرأه فلما همَّ بالجواب عنه انقطع به النّتّ أو نابَه أمرٌ جسيمٌ شغلَه عن كلّ شيءٍ، أو يكون قرأه وهو محمومٌ وقيذٌ لا يقوَى على النظر والكتابة، أو وافاه سؤالُك وهو مهمومٌ تالفُ النفسِ ضيقُ الصّدر ممزّقُ القلب لنازلةٍ ألمّت به، أو زاحمتْه الشغولُ وتراكمت عليه الأعباءُ فاستأثرت بوقتِه وحالت بينه وبين وَشْك الجواب، أو لعلّه قرأ سؤالك فجعلَ يديرُه في ذهنِه أو يستوثقُ له بمراجعةِ كتبه ليكون جوابُه لك عن فكرةٍ وبحثٍ ورويّةٍ. 
قال تعالى: ((ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرًا لهم)). 
ثم قال بشار بن برد: 
* وليس للملحِفِ مثلُ الردِّ *

الثلاثاء، 23 يوليو 2019

مسائل متفرقة في الفروق اللغوية

نُشر مفرَّقًا في ملتقى أهل اللغة وتويتر في أوقات مختلفة.
- يقال: أرّخَه يؤرّخه تأريخًا وتاريخًا [على قياسِ مذهبِ التخفيف]، وورَّخَه يورّخُه توريخًا.
قلتُ: أراه أعجميًّا لأمرينِ: 
الأول: أنه ليس له من الاشتقاقِ ما يشهدُ له. 
الثاني: أنهم ذكروا أن التاريخ قد أخذه العربُ من العجمِ، والعادةُ أنَّ أدواتِ الحضارةِ يتلقّفها الآخذُ باسمِها من أهلِها.
ولمّا كانَ أعجميًّا فقد استعملته العربُ بالواو والهمز لأن العرب تتصرفُ في الكلمِ الأعجميّ ما لا تتصرفُ في غيرِه، من ذلك أنّ في (جبريلَ) ثلاثَ عشرةَ لغةً. ولكونِه أعجميًّا لم يكن مصيبًا من قالَ: إنَّ أحدَهما مبدَلٌ من الآخرِ. ثم إنّ كليهما متصرّفٌ، فكيفَ نعلمُ أن أحدَهما هو الأصلُ؟
أما الترجيحُ بينَهما فإنْ أردتَّ العِلْمَ فالأشهرُ تركُ الهمز (التاريخ) لأنه غلبَ عليه، ربما لأنّ التاريخَ ذاعَ عن قريشٍ وكانوا لا يهمزونَ فتلقاه الناسُ عنهم بلسانِهم كما ذاع لفظُ (النبي) مخفّفًا غيرَ مهموزٍ لهذه العلةِ في ما أرى، إذ الأرجح فيه أن يكون مشتقًّا من (ن ب أ) فيكون (فعيلاً) بمعنى (مُفعِل) أو (مُفعَل). 
وإذا أردتَّ بهِ المصدرَ فالأشهر الهمزُ (التأريخ). 
وإنما سمّوا العلمَ بالمصدر من بابِ المجاز المرسَلِ الذي عَلاقتُه السببيةُ لأن العلمَ هذا لا يكونُ إلا بالمصدرِ.
- (المدح) الثناء على الصفات الخِلقية كالجمال، والاختيارية كالكرم. و(الحمد) على الاختيارية فقط، و(الشكر) على صفة الإحسان من الاختيارية فقط. 
- الصوابُ أنه لا فرقَ بين (الإتيان) و(المجيء). وما ادعاه أبو هلال العسكريُّ في " فروقِه " باطلٌ إذ لا دليلَ على ما زعمَ من حيث الأصلُ، بل الأمر يثبت خلافَه، قالَ الحماسيّ: 
فجاءت به سبطَ العظام كأنما ** عِمامتُه بينَ الرجالِ لواءُ
وقالَ أبو كبيرٍ الهذليّ في "الحماسةِ": 
فأتت به حُوش الفؤاد مبطَّنًا ** سُهُدًا إذا ما نامَ ليلُ الهوجلِ 
فكيفَ عرفَ أن هذا هو الأصل وأن الآخرَ محمولٌ عليه؟ 
ثم لو كانَ ذلك لم يكن له أثرٌ في الكلامِ لأن معناهما في الاستعمالِ واحدٌ، قالَ تعالى : ((قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا )) وقالَ : ((أم جاءَهم ما لم يأتِ آباءَهم الأولينَ)).
أما لِمَ استعملَ القرآن هذا مكان هذا فذلك - والله أعلمُ - من بابِ التنويعِ لما له من الترويح عن النفوسِ والاستمالةٍ للقلوبِ. ومن الخطأ أن يُظنَّ أن لكل شيء من ذلك علةً غيرَ علةِ التنويعِ. وحسبُك بعلة التنويع علةً حكيمة مرعيّة. 
- الكلامُ على إمكانِ الترادفِ في الكلِمِ يطولُ. والصحيحُ الذي أرضاه وأرى العللَ تُسنِدُه وتُظاهره أنه يقعُ في كلامِ العربِ وفي كلامِ الله تعالى. ومن الخطأ أن نقصُرَ البلاغةَ في مسالكَ معدودةٍ، إذ من البلاغةِ التنويعُ. ووجهُ عَلاقتِه بالبلاغةِ مراعاتُه حالَ المخاطبِ بطردِ المللِ واجتلابِ الجِدّةِ في الحديثِ وتجنّبِ التَّكرارِ لما له من ثِقَلٍ على النَّفوسِ. وللمعارضِ لهذا أن يلتمسَ التأويلاتِ، ولكنَّ التزامَه ذلكَ سيفضي بهِ إلى ما هو أشدُّ مما هربَ منه من مَّا لا يَرضاه أحدٌ لكلامِ الله. والذي يدلُّك على ثبوتِ الترادفِ أنَّ الكلمةَ الواحدةَ في السياقِ الواحدِ والغرضِ الواحدِ تُقرأ عدَّةَ قراءاتٍ نحو (نزَّلَ وأنزل)، فلو فرقتَ بينها في المعنى لأسلَمَكَ هذا إلى التناقضِ. وإذا كانت العربيةُ لغةً كسائر اللغاتِ يعتوِرها ما يعتوِرُها، وإذا كانت ليست كلّها منطِقًا خالصًا، وإنما مرجعُها العقلُ البشريُّ بما فيهِ من منطقٍ وتجوّزٍ وتوهُّمٍ وتشبيهٍ فلا بِدْعَ أن يكونَ في العربيةِ الألفاظُ المترادِفةِ، بل لو منعنا مثلَ هذا لأسأنا إلى اللغةِ من حيث أردنا الإحسانَ، وذلك بالاكتفاءِ بلفظٍ واحدٍ للمعنى الواحدِ، فإن هذا ليس بمحمودٍ. وكلامُ الله منزّلٌ على ما يُوافق نِظامَ العربِ في كلامِهم، وإنَّما يمنعُ بعضُهم الترادفَ فيهِ لتوهّمهم أنَّه أمرٌ مذمومٌ. وهذا لا يصِح لمخالفتِه العقلَ والفطرةَ البشريةَ ولأنَّ الترادفَ لهُ علّةٌ وجيهةٌ بيّنّا ذكرَها. ووجدتُّ ابنَ عاشورٍ يقولُ عندَ قوله : ((قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا)): (والإتيان والمجيء مترادفان، فذكرُ المجيء بعد الإتيان ليس لاختلاف المعنى، ولكنه للتفنُّنِ وكراهيةِ إعادة اللفظ) [التحرير والتنوير 4 / 61].
ومن نظائر ذلك أيضًا قوله تعالَى: ((وإن خِفتُم أن لا تُقسِطوا في اليتامَى فانكِحوا ما طابَ لكم من النِّساء مثنَى وثلاثَ ورُباعَ فإن خِفتم أن لا تعدِلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانُكم))، فغايَر بين اللفظينِ (تُقسِطوا) و(تعدِلوا) والمعنَى واحدٌ. 
وقالَ: ((فإن تولَّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتّموهم)) ثمَّ قال بعدَها بآية: ((فإن لم يعتزلوكم ويلقُوا إليكم السَّلَم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقِفتموهم)) و(وجدَه) و(ثقِفَه) بمعنًى واحدٍ. 
وقالَ: ((اليومَ أكملت لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نِعمتي)) و(الكمال) و(الإتمام) بمعنًى واحدٍ علَى الصحيح. 

الاثنين، 22 يوليو 2019

المعلقات السبع مقروءة مسموعة بضبطي وإلقائي مع ملحقاتها

في نشرة المعلقات السبع
نُشرت منجّمة في تويتر في مدّةٍ أولها 8/ 10/ 1436هـ وآخرها 19/ 5/ 1437هـ.  
* تمهيد:
كنت عزمتُ منذ سنوات على أن أخرج نسخة من المعلقات مضبوطة ضبطًا صحيحًا، فأخذت أجمع رواياتها من جميع كتب المتقدمين حتى نهاية القرن الثالث كتابًا كتابًا، ومن كتب بعض أهل القرن الرابع بشروطٍ. وقد فرغت من ذلك بحمد الله.
ثم توخّيت أن أتخيّر من روايات كلّ موضع منها أصحَّها وأجودَها وأقربها إلى لغة الشاعر وأسلوبه وأن أنفي عنها مصنوعها ومنحولها وأن أقيم ما اضطرب من ترتيب بعض أبياتها. وقد بدأت بذلك، ولكنْ لما كان هذا العمل محوجًا إلى زمان مديد فقد رأيت أن أسعف طلاب العلم بنسخة مضبوطة أعتمد فيها رواية أبي بكر الأنباري (ت٣٢٨) لتقدّمه وجودة روايته في الجملة إلا مواضعَ أُريتُ العدول عنها إلى روايات أخرى، مع تصحيح ما أخطأ عبد السلام هارون في ضبطه ومع إلحاق تسجيل صوتيّ لها إلى أن يأذن الله  تعالى بإتمام ذلك العمل.

* المعلقات السبع
- المعلقات السبع بضبط فيصل المنصور مكتوبة في ملف واحد.
احتملْها من هنا: 

- المعلقات السبع مسموعة بإلقاء فيصل المنصور في اليتيوب:

- المعلقات السبع مسموعة في ملف واحد في موقع أرشيف: 
احتملْها من هنا:

- المعلقات السبع منشدةً ملحَّنة بصوت عبد الله العوذلي:
https://www.youtube.com/watch?v=_voHhvgNCH0&list=PLq6ua-HrU7zDCVNwRq4qnGXcZHaRIYdug

- المعلقات السبع مكرّرة للحفظ، من عمل بعض الإخوة:
https://www.youtube.com/playlist?list=PLfYnDZ2MgtPBCrUDNe1wYmAqj47ITCHTn


- المعلقات السبع في موقع (متون) بخصائص التكرار والتسريع والتقديم والتأخير:

* تصحيحات:
نُشر بعضها في تويتر، وبعضها لم يُنشر من قبل.
1- معلقة طرفة: (وإن يأتك الأعداءِ). الصواب (الأعداءُ). 
2- معلقة لبيد: (ولخير واصلٍ). الصواب (واصلِ) من غير تنوين.
3- معلقة لبيد: (كدخانٍ مشعلة). الصواب (كدخانِ) من غير تنوين.
4- معلقة لبيد: (كم مَّن ليلة). الصواب (كم مِّن) بكسر الميم المشددة.
5- معلقة لبيد: (عنديْ وَّلم). الصواب (عنديْ وَلم) من غير تشديد.

* تعليقات:
نُشرت في فسبك وتويتر في أوقات مختلفة.
- المعلقات سبع لا عشر بالإجماع، غير أنهم اختلفوا في اثنتين منها، وهما قصيدتا عنترة والحارث. وعدُّهما من السبع هو ما وجد ابن طيفور الرواة مجتمعين عليه. ونسبه النحاس إلى أكثر أهل اللغة. وهو ما أخذت به. ومن جعلها تسعًا أو عشرًا فإنما ذكر هاتين القصيدتين وألحق بهما المختلَف فيه، وهي قصائد النابغة والأعشى وعَبيد.
- خير ما اطّلعت عليه من شروح المعلقات شرحان:
الأول: شرح الأنباري. وهو شرح جليل القدر جزل الفوائد يناسب المتقدِّم. وأفضل طبعاته طبعة عبد السلام هارون.
الثاني: شرح الزوزني. وهو شرح سهل حسن جدًّا يناسب المبتدئ وغيره. وأفضل طبعاته الطبعة التي بتحقيق بلال الخليلي وأحمد عبد الحميد، فقد استولت هذه الطبعة على الأمد ونسخت الطبعات السابقة للكتاب بما بذله فيها المحققان من جهد مضاعَف وتقَصّ مبسوط.
أما شرح النحاس فليس فيه كثير فائدة. وأما شرح التبريزي فملفّق من شرحي الأنباري والنحاس. وأما شرح الفاكهي فلا قيمة له.
- روى الجمهور بيت امرئ القيس:
* ترائبها مصقولة كالسجنجلِ *
ورواه أبو عبيدة (بالسجنجل).
فمن رواه بالكاف قال: السجنجل: المرآة بالرومية. ومن رواه بالباء قال: السجنجل هو الزعفران.
ورواية الجمهور هي الأصحّ. ومن ما
 يُوهن رواية أبي عبيدة (ترائبها مصقولة بالسجنجل) أنا إذا جمعنا عامة مقالات المتقدمين في (السجنجل) وعرضناها على ما بيّنه المحدَثون في المعرَّب وجدنا أقرب أصل لها هو كلمةَ (sexsangulum) اللاتينية. ومعناها المسدَّس الزوايا. وهي صفة غالبة على المرايا في ذلك العصر. ولعلها كانت يوم إذ من الفضة المجلوَّة. فإذا صحّ هذا لم يكن معنى السجنجل الفضّة إلا أن تكون مرآةً.على أن المطليّ بالفضة لا يُعدّ مصقولًا في ما أعلم، وإنما الصقلُ جِلاء الحديد ونحوه ونفي الصدأ عنه حتى يعود أملس نقيًّا من الشوائب.
وأمر آخر، وهو أنه لو أراد هذا المعنى لقال: (كأن ترائبها مصقولة بالسجنجل) فأتى بما يدلّ على التشبيه.
هذا مع تفرّد أبي عبيدة بهذه الرواية من بين جميع الرّواة. وأكثر ما يتفرّد به من رواية الشعر ليس بمرضيّ كما ظهر لي ببعض التتبع.
والذي يظهر لي أن امرأ القيس أراد أن يقول: إن ترائبها مصقولة، أي هي ملساء نقيّة وضّاءة متلألئة، حتى كأنها سبيكة فضّةٍ من السبائك اللاتي تُستعمَل كالمرآة لشدّة صقلها وجودة جِلائها.
وهذا معنًى معروف في شعرهم كقول امرئ القيس نفسه:
كأن على لباتها جمر مصطلٍ ** أصاب غضًا جزلًا وكُفّ بأجذالِ
وكما قال ذو الرمة:
برّاقة الجيد، واللباتُ واضحة ** كـأنها ظبية أفضى بها لببُ
ويؤيده أيضًا تشبيه امرئ القيس عينَ فرسه بمرآة الصناع في قوله: (وعينٌ كمرآة الصناع...). ونظيره قول طرفة: (وعينان كالماويتين...) وقول ذي الرمة: (وخدّ كمرآة الغريبة أسجح).
وهذا يقوّي أن يكون أراد تشبيه الترائب في وضوحها ونقائها بالسجنجل الذي هو المرآة المصنوعة من الفضة.
بل إن من الشعراء من شبّه النحر بالفضة كقول بعضهم: (ونحرًا كفاثور اللجين...). ولم نرهم ذكروا أن الترائب أو الصدر أو النحر كالمصقول أو المطلي بالفضة.
- س: لماذا اخترتَ في معلقة طرفة رواية (ذلول بأجماع الرجال ملهد) على رواية (ذليل)؟
ج: (الذلول) ضد الصعب. وهو هنا أليق من (ذليل) لأنه أراد أن يذكر من أفعاله المشاهدة ما يقبّحه ويومئ إلى خلُقه فدلّ في عجز البيت على مهانته وسقوط قدره بأمرين أنه يدفع بالأكف وأنه سهل الانقياد كالبعير الذلول. ولو قال: (ذليل) لخرج من رونق الكناية إلى جفاف التصريح ولكان كالنقض لما اعتزمه منها ولذهبت المشاكلة بينه وبين التلهيد بالأكفّ لأن التلهيد صورة محسوسة يُكنى بها عن المهانة، والذي يلائمها وصفه بأنه ذلول لا ذليل لأن ذلك من ما يُشاهد ويُحسّ ويُكنى به عن المهانة أيضًا. والذليل هو المتصف بالذلّة التي هي بمعنى المهانة، فهو حقيقة لا كناية.
على أنه روي (ذليل)، رواه أبو عبيد والتوزي والطوسي وغيرهم.
- تبلغ عدّة أبيات معلقة عنترة في الرواية التي أوردتُّ 77 بيتًا. والذي اتفق عليه علماء البصريين والكوفيين منها 73 بيتًا أو أقلّ. 
وقد أوصلها صاحب (الجمهرة) الظَّنينُ إلى نحو 110. وأكثر هذه الأبيات المَزيدة غثّ مصنوع. ومنها البيتان الشهيران: 
ولقد ذكرتكِ والرماح نواهل ** مني وبِيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها ** لمعت كبارق ثغرك المتبسمِ
فهذان من الشعر المصنوع وليسا لعنترة. 
وقد حُمل على عنترة شعر كثير وضعه في ما يبدو مؤلف سيرته. ومنه قصيدة: (لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب). وتشبه أن تكون مصنوعة بعد القرن الثالث. 
- ينسب لزهير في معلقته أربعة أبيات ليست له، أما الأولان فقوله: (وكائن ترى من صامت..) وقوله: (لسان الفتى نصف..). وهما للأعور الشَّنّي أو غيره. 
وأما الثالث فقوله: (وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده). وقد رواه البلاذري وغيره غير منسوب.
وأما الرابع فقوله: (سألنا فأعطيتم) ولم يروه العلماء له. 
وهذان الأخيران مرفوعا القافية والمعلقةُ مجرورة. والذي أدخلهما في المعلقة في ما أعلم هو القرشيّ صاحب "الجمهرة". 
- يروى لعَمر بن كلثوم في معلقته بيتان، وهما (صددت الكأس..) إلى قوله: (بصاحبك الذي لا تصبحينا). وهذا قول بعض البصريين كالخليل وسيبويه على شك، وأبي عبيدة والأصمعي. والراجح أنهما لعَمر بن عدي. وهو قول أيمة الكوفيين كحماد الراوية والمفضل الضبي وابن الكلبي ومن البصريين مؤرج. ولم يثبتهما ابن كيسان ولا الأنباري في معلقته. 
ويروى في هذه القصيدة أيضًا:
فإن نَغلبْ فغلّابون قدمًا ** وإن نغلَب فغير مغلّبينا
والصحيح أنه لفروة بن مُسيك المرادي. 
أما هذه الأبيات (لنا الدنيا وما أمسى عليها...) و(ملأنا البر حتى ضاق عنا...) و(إذا بلغ الفطامَ لنا رضيع...) فرواهن بعض متأخري الرواة. والأشبه أن تكون موضوعة.

* استفتاءات:
نُشرت في آسك في أوقات مختلفة.
- س: لماذا اخترتَ حذف الياء من (خليلِ) في قول زهير:
تبصّر خليلِ هل ترى من ظعائنٍ * ؟
ج: اخترت حذف الياء والاجتزاءَ عنها بالكسرة لأن هذه أفصح اللغات وأجود الروايتين. وكان الأصمعي يرويها هكذا وينكر رواية إثبات الياء. وحكاها أبو عبيدة أيضًا.
ولا ينكسر الوزن بهذه الرواية، بل يقع في التفعيلة الثانية زحاف القبض. وهو جائز.
- س: رأيتك ضبطتَّ بيت لبيد بن ربيعة (حتّى إذا سخنت وخفّ عظامُها) بكسر خاء (سخِنت) مع أنّ ثعلبًا نصّ في (الفصيح) على أن الفتح أفصح، فما وجه ذلك؟
ج: ضبطتها بالكسر لأنّه لغة قبيلة الشاعر، فقد حكى ابن الأعرابي (ت231هـ) كما نقل عنه ابن سيدةَ [كذا بالتاء] (ت458هـ) في (المحكم، سخن) أن الكسر لغة بني عامر. وحكى كراع النمل (ت310هـ) في (المجرّد، سخ) أنه لغة هوازن. ولبيدٌ من عامر بن صعصعة من هوازن.
وأنا أرى أنّ الشّعر ينبغي أن يُضبط بما هو أقرب إلى لغة الشاعر لا بما هو أفصحُ. وقد جهدت جهدي في المعلّقات على أن أتقلّد هذا الرأي وأُمضيَه ما وسعني ذلك. وهو أحد المعايير التي اتكأت عليها في الترجيح والضبط. وأمثلتُه فيها كثيرةٌ، منها بيت عنترة (وكأنما التفتت بجيد جِداية)، فقد ضبطت جيم (جِداية) بالكسر مع أنها مضبوطة في جميع ما وقفت عليه من الكتب بالفتح، وذلك أنّ الكسر لغة قيس، حكى ذلك أبو مسحل (ت نحو 228هـ) في (نوادره 1/ 252) عن شيخِه الكسائي (ت189هـ)، وأنشدَ بيت عنترة هذا، وعنترةُ قيسيّ كما هو معلومٌ، فهذه لغتُه أو أجدرُ أن تكون لغته.
- س: ضبطتَ (وقد تَّربع) و(لقد شَّربت) في معلقة عنترة بالإدغام، فما وجه ذلك؟
ج: الإدغام في مثل هذا هو مذهب عامة العرب والقُرّاء، قال أبو عمْر بن العلاء: (الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ولا يحسنون غيره)، وقال ابن مجاهد في إدغام الدال في التاء خاصة: (وأما ما لا يجوز إظهاره فقوله: ((قد تَّبيّن)) ((ولقد تَّركنا))... وما أشبه ذلك مدغم كله لا يجوز إلا ذلك... وهذا من ما أخبرتك أن إظهاره خروج من كلام العرب، وهو رديء جدًّا لقرب الدال من التاء وأنهما بمنزلة واحدة فثقُل الإظهار) [السبعة ص115].
وقد قُرئ قوله تعالى: ((قد شَّغفها حبًّا)) بالإدغام، وهي قراءة أبي عَمر وحمزة والكسائي وغيرهم.
- س: هل الإدغام في نحو (سحًّا وَّتسكابًا) واجب أم يجوز تركه؟
ج: إدغام النون الساكنة والتنوين في حروف (يرمُلون) واجب في القرآن وغيره من نثر أو شعر، قال ابن الحاجب في "الشافية": (والنون الساكنة تُدغم وجوبًا في حروف يرمُلون). ومثلَ ذلك قال ابن عصفور في "الممتع" وغيرُهما.