الثلاثاء، 6 يوليو 2021

قطع النشر في المدونة

إيذان:
آخر ما نُشر في هذه المدونة كان في 16 شوال 1442هـ = 28 مايو 20121. ولن يُنشر فيها شيء بعدُ، إلا أنها ستظلّ سِجلًّا محفوظًا للبحث والاطّلاع. على أن جميع ما فيها إلى تاريخ 24 المحرم 1442هـ منشور في مجموع المقالات، وفيها زيادة يسيرة هي جُملة ما نُشر بين هذين الميقاتين. وستُغني عنها النسخ المحدَّثة من مجموع المقالات إن شاء الله.

الجمعة، 7 مايو 2021

هل العربية لغة الضاد أم لغة الظاء؟

نُشر في تويتر في 7/ 9/ 1442هـ وفي فسبك في 13/ 9/ 1442هـ. 

أجمع العلماء على أن الظاء لا توجد في غير العربية. ولعل أقدم من ذكر ذلك الخليل (ت175هـ)، فإنه قال: (وليس في شيء من الألسن ظاء غيرَ العربية).

وأما الضاد فقِدمًا اختلفوا فيها، فمنهم من ذكر أنها خاصة بالعربية، ومنهم من ذكر أنها توجد في غيرها. ولعل من أقدم من نبّه على أنها من خواصّ العربية المتنبي (ت354هـ) في قوله:

وبهم فخرُ كل من نطق الضا ** دَ وعَوذ الجاني وغَوث الطريدِ

وحكى هذا القولَ ابن فارس (ت395هـ) عن بعضهم، وقال به كثيرٌ من بعده حتى زعم الزَّبيدي (ت1205هـ) أنه (هو الصواب الذي أطبق عليه الجماهير). وجمع الجواليقي بيت هذين الحرفين (ت540هـ) فقال: (وليس للضاد والظاء باب لأن هذين الحرفين لم ينطق بهما سوى العرب أصلًا).

وأما من ادّعى من المتقدمين أن الضاد قد توجد في لغات أخَر كابن دريد (ت321هـ) فإنه لم يسمّ شيئًا من اللغات. وسمّى بعض المحدَثين اللغة الحبشية فذكر أن الضاد موجودة فيها.

ولا أرى ذلك صحيحًا لأن هذا لا يُعرف إلا في أقدم نقوشها، ثم استحالت بعد ذلك صادًا، فحين سُمّيت العربية (لغة الضاد) لم تكن الضاد معروفة في الحبشية.

على أن الحبشية القديمة بنت اللغات اليمنية، وهي على الراجح لهجات عربية مؤاخية لفصحى القرآن، وليست لغات مباينة لها.

وإذن يجوز لنا أن نسمي العربية (لغة الظاء) و(لغة الضاد). وإنما اشتُهرت العربية بأنها لغة الضاد بسبب بيت المتنبي السابق.

السبت، 16 يناير 2021

كتاب (مقدمات النحو)

إنّ من مفاتيح فهم النحو حسنَ التفهّم لمقدماته قبل دخول أبوابه. وهذا كتاب مختصَر دونت لك فيه (مقدمات النحو).
وقد توخّيت أن يكون ترتيبه منطقيًّا وتسلسله واضحًا. ثم جوّد تنسيقَه أحد الإخوة الأفاضل جزاه الله خيرًا.
أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب كل من قرأه:

الأحد، 11 أكتوبر 2020

منظومة "تحفة الخليل" في العروض والقافية للقزويني

نُشرت في تويتر في 23/ 2/ 1442هـ.
هذه منظومة من أحسن منظومات العروض وأسهلها، اسمها "تحفة الخليل" للقزويني، استخرجتُها من شرح الراضي لها وضبطتها ونسّقتها:

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

تحقيق ثبوت قراءة ((قالوا ساحران تظّاهرا))

في باب الأفعال الخمسة
نُشر في تويتر وفسبك في 19/ 1/ 1442هـ. وهو مستلّ من بحث الدكتوراه.
هذه القراءة ﴿قالوا ساحران تظَّاهرا﴾ [سورة القصص:48] من حجج بعض النحويين المتأخرين على جواز حذف نون الأفعال الخمسة لغير ناصب ولا جازم. وقد تقصيتها فوجدتها معزوّة إلى خمسة من القرّاء، هم: 
1- أبو عَمْر بن العلاء، رواها عنه اثنان: 
أ- العباس الأنصاري([1]). 
ب- أبو محمد اليزيدي([2]). 
وهي مخالفة لجميع الروايات والطرُق عن أبي عَمْر من طريق هذين الراويين عنه وغيرهما، ومنها المتواتر عن راويَيه السوسي والدوري. ومدار التفرد فيها على اثنين، أحدهما أبو محمد الفحام، فهو الذي رواها عن العباس عن أبي عَمْر، وعن اليزيدي عن أبي عَمْر. والآخر أبو خلاد عن اليزيدي، قال الداني: (وأخطأ أبو خلاد في هذا الموضع)([3]). 
2- ابن عامر من طريق ابن مجاهد عن عبد الحميد بن بكار عن أيوب عن يحيا عنه. 
وهي مخالفة للمتواتر عنه. وقد شكّك في صحة نقلها الداني فقال: (ولم يذكر ابن جرير هذا الحرف عن عبد الحميد في جامعه ولا ذكره عبد الحميد في مجرده، فلا أدري من أين نقله ابن مجاهد)([4]). 
3- الحسن البصري من طريق محبوب. حكى هذا أبو حيان في «البحر المحيط»([5]). وأراه أخذه من «اللوامح» لأبي الفضل الرازي (ت454هـ). ولم أقف عليه لأنه غير مطبوع، ولكني أصبت هذه الرواية في منظومته المخطوطة «طوالع النجوم»([6]) لأبي الحسن الديواني (ت743هـ). ورواية محبوب هذه عن الحسن تخالف ما هو أصحّ منها، وهو رواية أبي علي الأهوازي (ت436هـ) في «مفردته» التي رواها عن عيسى بن عمر الثقفي عن الحسن، فإنه لم يرو ذلك، ولا ذكره أيضًا الهذلي (ت465هـ) في «كامله» وقد روى قراءة الحسن عن خمسة من تلامذته غير عيسى، على انقطاع في سنده ذكره المحقق([7]). 
4- يحيا بن الحارث الذماري([8]). وإسناد قراءته الذي ذكره الهذلي منقطع([9]).
5- أبو حيوة([10]). وقد أخذ عن أبي البَرَهْسَم. وقد ذكر الذهبي أن إسناد قراءة أبي البرهسم هذا مظلم([11]). ومع ذلك فإنه قد تفرّد بهذه القراءة، على أنه لم يكن معروفًا بالإتقان أو حذق العربية، فلا يصح إذن الاحتجاج بها. ولهذا خطّأها القراء بله النحويين فقال عنها الكرماني: (وهو بعيد لا وجه له)([12]) وقال الهذلي: (ولا معنى له)([13]) وقال الخزاعي: (وهو غلط)([14]) وقال الداني: (وذلك لحن)([15]) وقال ابن الجزري: (ومثال ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية ولا يصدر إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط ويعرفه الأيمّة المحققون والحفاظ الضابطون... ما رواه أبو علي العطار عن العباس عن أبي عمْر ﴿ساحران تظّاهرا﴾)([16]). ومن النحويين ابن خالويه إذ قال: (تشديده لحن)([17]) والعكبري إذ قال: (وهو بعيد... وهو فاسد في العربية)([18]). 
فلا يصِحّ إذن الاحتجاجُ بقراءة أنكرها القرّاء أنفسهم وشكّوا في ثبوتها وهم أهلُ الصناعة. 
وهذا مثال على حاجة القراءات التي يحتج بها بعض النحويين إلى بحث وتحقيق، وأنه لا ينبغي أن يُقبَل منها شيء إلا بعد الاستيثاق من صحّة نقله. 
________________
([1]) «المستنير لابن سوار 2/351» و«الروضة للمعدَّل 3/292». 
([2]) «المنتهى للخزاعي 2/891» و«الروضة للمعدَّل 3/292». 
([3]) «جامع البيان 663». 
([4]) «جامع البيان 663». 
([5]) «8/312». 
([6]) «ل105 ب». 
([7]) «الكامل 1/455» الحاشية. 
([8]) «الكامل في القراءات 2/1246». 
([9]) «الكامل في القراءات 1/376». وانظر حاشيته. 
([10]) «الكامل في القراءات 2/1246». 
([11]) «تاريخ الإسلام 4/259». 
([12]) «شواذ القراءات 368». 
([13]) «الكامل في القراءات 2/1246». 
([14]) «المنتهى 2/891». 
([15]) «جامع البيان 662». 
([16]) «النشر في القراءات العشر 1/147». 
([17]) «مختصر في شواذ القرآن 114». 
([18]) «إعراب القراءات الشواذ 2/263».

الأربعاء، 29 يوليو 2020

قلة الاستفادة من القرآن في اختيار الألفاظ والأساليب الفصيحة

في قضية التصحيح اللغوي
نُشر مفرَّقًا في تويتر وفسبك في أوقات مختلفة. وبعضه لم يُنشر من قبل.
كثيرٌ من مّن يحفظ القرآن ويقرؤه بكرة وعشيًّا لا ينتفع به في اختيار اللفظ الجيّد والأسلوب العالي.
فمن ذلك أنهم يقولون: (لا يخفى عنك). وفي القرآن ((إن الله لا يخفى عليه شيء)).
ويقولون: (يعثو فيه فسادًا). وفي القرآن ((ولا تعثوا في الأرض مفسدين)). وهي من (عثِي يعثَى).

ويقولون: (أُسقِط في يده). وفي القرآن ((ولما سُقِط في أيديهم)).
ويقولون: (ظِفْر). وقرأ أكثر القراء ((حرّمنا كلّ ذي ظُفُر)).
ويقولون: (وصلك). وفي القرآن ((لن يصلوا إليك)).
ويقولون: (رياء) بالياء. وقرأ أكثر القراء ((رئاء الناس)) بالهمز.
ويقولون: (مفاتيح). وفي القرآن ((ما إن مفاتحه)).
ويقولون: (أحفاد). وفي القرآن ((بنين وحفَدة)).
ويقولون: (استغاث به). وفي القرآن ((فاستغاثه)).
ويقولون: (يعُضّ) بضم العين. وفي القرآن ((ويوم يعَضّ)) بفتحها. 
ويقولون: (كسِب) بكسر السين. وفي القرآن ((لها ما كسَبت)) بفتحها.
ويقولون: (يكسَب) بفتح السين. وفي القرآن ((ومن يكسِب خطيئة)) بكسرها.
ويقولون: (حرِصت) بكسر الراء. وفي القرآن ((ولو حرَصتم)) بفتحها.
ويقولون: (تحرَص) بفتح الراء. وقرأ أكثر القراء ((إن تحرِص على هداهم)) بكسرها.
ويقولون: (خطَف) بفتح الطاء. وقرأ أكثر القراء ((إلا من خطِف الخطفة)) بكسرها.
ويقولون: (يخطُِف). وقرأ أكثر القراء ((فتخطَفه الطير)).
ويقولون: (صلُح). وقرأ عامة القراء ((ومن صلَح من آبائهم)).
ويقولون: (ينزَع ثيابه). وفي القرآن ((ينزِع عنهما لباسهما)).
ويقولون: (يغفَل). وفي القرآن ((ودّ الذين كفروا لو تغفُلون عن أسلحتكم)).
ويقولون: (عجِزت) بكسر الجيم. وقرأ جمهور القراء ((قال يا ويلتى أعجَزت أن أكون مثل هذا الغراب)) بفتحها.
ويقولون: (أشغلني). وفي القرآن ((شغلتنا أموالنا)).
ويقولون: (أرجعه). وفي القرآن ((فإن رجعك الله)) و(ثم ارجِع البصر)).
ويقولون: (أوقفَه). والأفصح (وقفَه يقِفُه). وفي القرآن ((وقِفوهم)).
ويقولون: (خاف منه). والأفصح (خافه). وفي القرآن ((يخافون ربّهم)).
ويقولون: (حذّرته منه). والأفصح (حذّرته إياه). وفي القرآن ((ويحذّركم الله نفسَه)).
ويقولون: (شكرته). وفي القرآن ((واشكروا لله)).
ويقولون: (نصحته). وفي القرآن ((وأنصح لكم)).
ويقولون: (أغاظه يُغيظه). وفي القرآن ((ليَغيظ بهم الكفّار)).
ويقولون: (أنقصه يُنقصه). والأفصح (نَقصه يَنقصه). وفي القرآن ((ثم لم يَنقصوكم شيئًا)) و((أو انقُصْ منه قليلًا)) و((وإنا لموفوهم نصيبَهم غير منقوص)).
ويقولون: (سخر به). وفي القرآن ((إن تسخروا منا)).
ويقولون: (أنفَخ). وفي القرآن ((فأنفُخ)).
ويقولون: (يعبّر الرؤيا) بالتشديد. وفي القرآن ((إن كنتم للرؤيا تَعبُرون)) بالتخفيف. واسم الفاعل منه (عابر). وكأن العامة عدلوا عن ذلك إلى لفظ (معبِّر) حملًا على (مفسِّر) لأنه بمعناه، أو أرادوا الفرق بينه وبين نحو قولهم: (عابر سبيل).
ويقولون: (يستحِي). وقرأ عامّة القراء ((لا يستحْيِي أن يضرِب مثَلًا مّا)).
ويقولون: (أشكي). وفي القرآن ((إنّما أشكو)).
ويقولون: (نَهْر). وقرأ عامّة القرّاء ((مُبتليكم بنَهَر)) و((في جنّاتٍ ونَهَر)).
ويقولون: (هذه البيت). وفي القرآن ((فليَعبدوا ربّ هذا البيت)).
ويقولون: (هذه البَلَد). وفي القرآن ((لا أُقسِم بهذا البَلد)) و((وهذا البَلَد الأمين)).
ويقولون: (بئر عميق) فيذكرونها. وفي القرآن ((وبئر معطّلة))، فأنثها.
ويقولون: (رأسه كبيرة) فيؤنثونه. وفي القرآن ((وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه))، فذكّره.
ويقولون: (سأمرّك). وفي القرآن ((لتمرّون عليهم)) و((مرّوا بهم)).
ويقولون: (صديق سُوء) فيضمّون السين مع الإضافة. وفي القرآن تُفتَح كلمة (سوء) إذا أُضِيفت في قراءة أكثر القراء، نحو: ((عليهم دائرة السَّوء)) و((مثَل السَّوء)) و((مطَر السَّوء)).
ويقولون: (سأفرَغ لذلك). وقرأ عامّة القرّاء ((سنفرُغ لكم)) بضم الراء.
ويقولون: (لعلّي أن أفعل) أو (لعلّني). وفي القرآن ((لعلّي أبلُغ الأسباب)) و((لعلّي أطّلع)).
ويقولون: (هؤلاء بنينٌ). وفي القرآن ((وخرَقوا له بنينَ)) و((المالُ والبَنونَ)).
ويقولون: (هذه سنينٌ). وفي القرآن ((أخذْنا آل فرعونَ بالسنينَ)) و((تزرعون سبع سنينَ)).
ويقولون: (يا قومي) و(يا ربّي) ونحوهما بإثبات ياء المتكّلم بعد النداء. وفي القرآن ((قال ربِّ السجن)) و((ويا قومِ ما لي)).
ويقولون: (أحسّ بذلك). وفي القرآن ((فلمّا أحَسّ عيسى منهم الكفرَ)).
ويقولون: (يأسُره). وقرأ عامة القراء ((وتأسِرون فريقًا)).
ويقولون: (استبدلت الثوب القديم بالجديد) فيدخلون الباء على المأخوذ. وفي القرآن ((أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، فأدخلها على المتروك.
ويقولون: (لا مرية فيه). وفي القرآن ((فلا تك في مرية منه)) و((ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم)).
ويقولون: (يختفي منه). وفي القرآن ((يستخفون من الناس)).
ويقولون: (عيوني) يعنون جمع (عين) لآلة الإبصار. وهو صحيح، ولكن لم يستعمَل في القرآن في أكثر من 20 موضعًا إلا (أعيُن) نحو ((تجري بأعيننا)) و((سحروا أعين الناس)).
ويقولون: (أنا أكفَله) بفتح الفاء. وهي لغة. وفي القرآن ((أيهم يكفُل مريم)) بالضم.
ويقولون: (القُبول) بضم القاف. وفي القرآن ((فتقبّلها ربها بقَبول حسن)) بالفتح.

وزادني أخي النجيب عبد الحميد هوساوي:
ويقولون: (فيه سِعَة). وفي القرآن ((ليُنفِق ذو سَعَة)).
ويقولون: (يكاد أن يفعل). وفي القرآن ((يكادُون يَسطُون)) من غير (أن).
ويقولون: (أضَلّ الطريق). وفي القرآن ((ضَلُّوا السّبيل)).
ويقولون: (يستأذن منه). وفي القرآن ((حتى يستأذنوه)).
ويقولون: (آسفُ له). وفي القرآن ((يا أسفَى على يوسف)).
ويقولون: (نعتبرهم من الأصدقاء). وفي القرآن ((نعُدّهم من الأشرار)).
ويقولون: (نتفرّغ). وفي القرآن ((سنَفرُغ لكم)) و((فإذا فرَغتَ فانصَب)).
ويقولون: (نقِمَ الرجل على فلان) فيكسرون قاف (نقِم) ويعدونه بـ(على). وفي القرآن ((وما نقَموا منهم)). وفتحُ القاف هو قراءة عامة القراء.
ويقولون: (يعتذر منك). وفي القرآن ((يعتذرون إليكم)).
ويقولون: (بعيد عنك). وفي القرآن ((وما هي من الظالِمين ببعيد)).
ويقولون: (يخشون منه). وفي القرآن ((ويخشون ربَّهم)).
ويقولون: (لا عِوَجَ فيه). وفي القرآن ((لا عِوَجَ له)).
ويقولون: (قَسّمَ يُقِسّم) بالتشديد. وفي القرآن ((أهم يَقسِمون رحمة ربّك)) بالتخفيف.
ويقولون: (ضحِكَ عليه) فيُعدّونه بـ(على). وفي القرآن ((من الكفّار يضحكون)) بتعديته بـ(من).
ويقولون: (انتصروا عليهم) فيُعدّون بـ(على). وفي القرآن ((انتصر منهم)) بتعديته بـ(من).
ويقولون: (تأكيد الأمر) بالهمز. وفي القرآن ((بعد تَوكيدِها)) بالواو.
ويقولون: (فلان لوَحدِه) فيُقحِمون اللام. وفي القرآن: ((في القرآنِ وَحدَه)) بلا لام.
ويقولون: (ينحَت من الصخر) بفتح الحاء. وقرأ عامّة القرّاء ((قال أتعبُدون ما تَنحِتون)) بكسرها.
ويقولون: (نحن نتألّم) من الرّباعيّ. وفي القرآن ((إن تكونوا تألَمون)) من الثلاثيّ.
ويقولون: (يميّزه) بالتشديد. وقرأ أكثر القراء ((ليَميزَ الله)) بالتخفيف.
ويقولون: (مؤقّت). وفي القرآن ((كتابًا مَوقوتًا)).
ويقولون: (وعدته بالأمر). وفي القرآن ((وعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنّات)).
ويقولون: (يحسِده). وقرأ عامة القراء ((أم يحسُدون الناس)).
ويقولون: (أمنيَة) و(أمانٍ) بالتخفيف. وقرأ جمهور القراء ((لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ)) و((ألقى الشيطان في أمنيّته)) بالتشديد.

الثلاثاء، 16 يونيو 2020

شرح حماسية معن بن أوس المزني

نُشر في التلجرام في قناة (مختارات شعرية للحفظ) وفي فسبك وتويتر في 17/ 10/ 1441هـ.

* القصيدة([1]): 
قال معن بن أوسٍ المُزَنيّ([2]): [بحر الطويل] 
1- لعَمرُكَ ما أدري – وإني لأوجَلُ - ** على أيِّنا تَعدو المَنيّةُ أوّلُ 
2- وإنّيْ أخوكَ الدّائمُ العهدِ لم أَحُلْ ** إنَ ابزاكَ خصمٌ أو نَبا بكَ مَنزِلُ 
3- أحاربُ مَن حاربتَ من ذي عداوةٍ ** وَّأحبِسُ ماليْ إن غَرِمتَ فأَعقِلُ 
4- ستَقطعُ في الدُّنيا إذا ما قطعتَني ** يمينَكَ، فانظرْ أيَّ كَفٍّ تَبَدَّلُ! 
5- وفي النّاسِ إن رَّثّتْ حِبالُكَ واصلٌ ** وَّفي الأرضِ عن دارِ القِلَى مُتحوَّلُ 
6- إذا أنتَ لم تُنصِفْ أخاكَ وجدتَّهُ ** على طَرَفِ الهِجرانِ إن كانَ يَعقِلُ 
7- ويَركبُ حَدَّ السَّيفِ مِن أن تَضيمَهُ ** إذا لم يكن عن شَفرةِ السَّيفِ مَزحَلُ 
8- إذا انصرفتْ نفسي عن الشّيءِ لم تَكَدْ ** إليهِ بوجهٍ آخرَ الدّهرِ تُقبِلُ 

* مناسبة الأبيات: 
كان معنٌ قد تزوَّج بأخت صديقه، فاتّفق أن طلقها معنٌ، فهجرَه صديقُه وحلَف لا يكلمه أبدًا، فقال معنٌ هذه الأبيات يعاتبه ويستعطفه. 

* شرح الأبيات: 
1- لعَمرُكَ ما أدري – وإني لأوجَلُ - ** على أيِّنا تَعدو المَنيّةُ أوّلُ 
- التفسير([3]): 
أ- اللفظ: لَعَمْرك: العَمْر بفتح العين معناه العُمر، أي مدةُ الحياة. ولا يُستعمَل في القسم إلا بالفتح. أوجَل: من الوجَل، وهو الخوف. ويجوز أن يكون في هذا البيت فعلًا مضارعًا، أي: وإني لأخافُ. أو أفعلَ تفضيل، أي: وإني لأخْوَفُ منك. وحذفَ (منك)، وهو جائز. أو صفةً مشبَّهة، أي: وإني لخائفٌ، فيكون بمعنى (وجِلٍ). وهو الراجح. ونظيره (أعمى) و(عمٍ)، غير أنهم لم يقولوا في مؤنثه: (وجلاء) كما قالوا: (عمياء). 
ب- التركيب: جملة (وإني لأوجلُ) معترضة بينَ الفعل (أدري) ومفعولِه الذي هو جملةُ (على أيّنا تعدو المنية أوّلُ). 
يقول: وحياتِك يا صاحبي لا أدري أيُّنا يفجؤه الموت قبل الآخر. وإني لخائف وجِلٌ من كلا الاحتمالين. 
- التأويل([4]): أراد أن يقول لصاحبه: اعلمْ يا صاحبي أن حالنا لا تخرج عن أحد أمرين: فإمّا أن أموت قبلك، وإما أن تموت قبلي، فإن متُّ قبلك لم تلبث أن تندم على صرمك لي وزهادتك في إخائي، وذلك أن الموت من ما ينزِع البِغضة ويقطع المنافسة ويوجب الشفقةَ ويدعو إلى التنويه بمآثر الميّت ويدلّ على حاقّ قدره وعلى مكانه الذي كان يسدّه ويملؤه. وقد ألمعَتِ الشعراءُ إلى هذا المعنى، فمنه قول تأبّط شرًّا: 
لتقرعنّ علي السِّنَّ من ندَمٍ ** إذا تذكّرتَ يومًا بعضَ أخلاقي 
وقولُ عَبيد بن الأبرص: 
لا أعرفنّك بعد الموت تندُبني ** وفي حياتيَ ما زوّدتني زادي 
وإن متَّ قبلي كان افتراقنا عن قِلًى لا ودَّ بعده، وعن هجرٍ لا وصل يمحو أثرَه، وعن سُخط لا مستعتَب منه، وكان آخرُ أمرنا بعد هذه العشرة الطويلة وهذا الإخاء الوثيق التدابرَ والشحناء، وإنما الأمور بخواتيمها. وإني لوجلٌ مشفق من كلا الأمرين اللَّذَينِ لا أدري أيُّهما يقع أولُ. 
- النقد([5]): أحسن الشاعر في استفتاحه القصيدةَ بهذا البيت، وذلك أنه ذكَّرَ صاحبه بفجاءة الموت ووشْكان الرحيل وحَتْم الافتراق، وأخَّرَ تعدادَ فضائله معه والتنويه بحسن بلائه وصدقِ إخائه إلى البيت الثاني، وذلك كي يستميل قلبه ويسكّن من نافر إقباله أوّلًا لأن للموت هيبةً ترتدع منها النفوس وتخشع لها القلوب. وعلِمَ أن ذكره هذا للموت مستلزمٌ للتذكير بسالف الإخاء، والتحذير من القطيعة والبغضاء. ولو ابتدأ الأبيات بعدِّ فضائله وشواهد أخوَّته لم يأمَن أن يَهيج ذلك صاحبَه فيغريَه بالمراء والمكابرة فيدافعَه عن بعض ما ادّعاه أو يوردَ عليه مثله أو أزيد منه. 
ومن محاسنه أيضًا لُطف الاعتراض بقوله: (وإني لأوجلُ)، إذ نبّه بذلك على أنه خائف من كلا الأمرين: أن يموت صاحبُه قبله، وأن يموتَ هو قبل صاحبه. واحترس بذلك من أن يُظنّ أنه يودّ لو مات قبل صاحبه فيعرفَ قدرَه بعد موته ويندمَ على ما فرطَ منه في حقّه، أو يُظنّ أنه يودّ لو مات صاحبُه قبله استعجالًا لفراقه والتماسًا لنسيان ذِكَراته معه وتشفّيًا منه لسوء جزائه، بل هو خائفٌ أن يموت صاحبُه قبله فيخسرَ مودته، وخائفٌ أيضًا أن يموت قبل صاحبه فلا يعرف صاحبه قدرَه إلا بعد موته. والصُّلح أحبّ إليه، والتراضي آثرُ عنده. وفي هذا استرقاقٌ بالغ وتلطُّف بديع. ثم أحسن أيضًا الإحسان كلَّه بأن جعل هذه الجملة معترضة في جوف قوله: (ما أدري على أيّنا تعدو المنية أولُ) ليعرِّف صاحبه من أول الكلام احتراسَه هذا ويبيِّن له إشفاقه من نزول الموت بأحدهما وينفيَ عنه ما قد يسبِق إلى قلبه من توهّم رغبته في مفارقة أحدهما الآخرَ بالموت. 
ومنه دقّة وصفه لمجيء الموت إذ جعله عدوانًا، وذلك قوله: (تعدو المنيّة)، فشبّهه في فجاءته وفي سرعة حلوله بالأسَد حين يعدو على فريسته وينقضّ في إثرها. ومعلومٌ لمن شاهد ذلك منه أنه يكون في غاية الفجاءة وسرعة الوثبة وعن تمام الاستخفاء وشدّة المخاتلة. ومن ذلك قول الفِند الزِّمّاني، في إحدى الروايتين: 
مشَينا مِشية الليثِ ** عدا واللّيثُ غضبانُ 
وأنكرها المرزوقيّ، وآثر عليها رواية (غدا). وفي ذلك نظر. 
وقولُ عبد يغوث الحارثي: 
وقد علمتْ عِرسي مُليكة أنني ** أنا الليثُ معديًّا عليه وعاديا 
وإنما أراد الشاعر من وراء ذلك حثَّ صاحبه على تلافي الأمر وعلى المبادرة إلى الصلح محاذرةً من أن يثِب الموت عليهما مغترَّينِ فيخطَفَ أحدَهما. 
ورُوي (تغدو المنيّة). والرواية الأولَى أشعر وأجود خلافًا للنمَريّ.  
ومنه براعة الإيجاز، فإنه استطاع أن يطوي في هذا البيت كلا الاحتمالين اللذين ذكرتُ، وذلك في قوله: (ما أدري على أيّنا تعدو المنية أولُ). وقد أغنته هذه اللمحة المقتضَبة عن الإسهاب في بيانهما إذ أمكنه أن يدلّ عليهما باللزوم. وفي هذا من حُسن الخطاب وتمام الرِّفق ومن حسم دواعي المنازعة والمجاذبة ما لا يخفَى. 
2- وإنّيْ أخوكَ الدّائمُ العهدِ لم أَحُلْ ** إنَ ابزاكَ خصمٌ أو نَبا بكَ مَنزِلُ 
- التفسير: 
أ- اللفظ: لم أحُلْ: لم أتحوّل أو أتغيّر، من (حال يحول حَولًا وحُئولًا). إنَ ابزَاكَ: أصله (إنْ أبزاك) فحُذفت همزة (أبزاك) ونقِلت حركتها إلى النون الساكنة قبلها. وهي لغة بعض الحجازيين. وأبزاك: أثقلك وأعياكَ. والظاهر أنه مشتقّ من بزِيَ الرجلُ يبزَى، فهو أبزَى: إذا تقدَّم صدرُه وتأخّر ظهره ودخلَ. وهو ضدُّ الأحدب، فكأن معنى (أبزاك) جعلكَ أبزَى بإثقال ظهرك بالتكاليف والمطالب، على تشبيهها بالمحسوس الذي يُحمل على الظهر. وهي قريبة من معنى (آده يئوده). وهذا أصحّ من تفسيره بـ(غلبك وقهرك). ومنه قول الفرزدق: 
إن كان أنفُكَ قد أبزاكَ محملُه ** فاركبْ أتانَكَ ثم اخطُبْ إلى زِيقِ 
نبا بك: إذا جعلك تنبو. والذي أراه أن الباء هنا بمعنى التعدية، فهي بمعنى (أنباك) كما قالوا: (ذهب به وأذهبه). ونبوّ المرء عن منزله هو أن يمتنع عليه القرار والاطمئنان فيه لأذًى أو همّ. 
ب- التركيب: يقول: أنا صاحبك الذي تعرف، لم أتغيّر عن ما عهدتَّني عليه من الغوث والنجدة متى ما أثقلك خصم أو أقلقك منزل. 
- التأويل: لما فرغ من تحذير صاحبه فجاءةَ الموت وتفريقَه بينهما، وبَعَثَه بالإيماء الرفيق على تذكُّر حسن صنيعه معه وصدقِ ولائه له رأى أن السبيل قد تمهَّدت له ليصرِّح بما أومأ إليه، فذكّر صاحبه بأنه أخوه الثابت الإخاء، الدائم المودّة، الحاضر النّجدة، وأنه لا يزال على ما عهِده عليه لم يتغيَّر، وأنه إن احتاج إليه في أوقات الشدّة وجده سريعًا إلى معونته منحازًا إلى صفِّه قائمًا بنصرته، وذلك إذا أعياه خصمه وثقُل عليه أو لم يطمئن به منزله من ما يجده فيه من الأذى والإهانة. ونظير ذلك قول لبيد في معلقته: 
ترّاكُ أمكنةٍ إذا لم أرضَها ** أو يَعتلقْ بعضَ النفوسِ حِمامُها 
وقولُ امرئ القيس: 
وإذا أَذِيتُ ببلدةٍ فارقتُها ** ولا أقيمُ بغير دار مُقامِ 
وقول عبد قيس البُرجميّ: 
واتركْ محلَّ السّوءِ لا تحلُلْ به ** وإذا نبا بك منزلٌ فتحوَّلِ 
- النقد: أحسن الشاعر في إيثاره التعريفَ حيث قال: (أخوك الدائم العهد)، ولم يقل: (أخٌ لك دائم العهد)، فكأنه يقول: إن يكن لك أخٌ دائم العهد معروف بذلك فأنا الأخ الدائم العهد. ولست أخًا منكورًا من جملة الإخوان وحسبُ. وأحسنَ أيضًا في تعبيره عن الوفاء بدوام العهد ثم في توكيده لذلك بقوله: (لم أحُلْ) مع أن دوام العهد مقتضٍ له ومغنٍ عنه، إذ أراد لِيقول لصاحبه: إن حُلتَ أنت عن العهد فقطعتني وتغيّرت عليّ أو توهّمت أني تغيّرت فأنا لم أحُلْ ولم أتغيّر. وهذا من التوكيد البليغ الموافق لموضعه. 
والرواية المعروفة (إنَ ابزاكَ خصمٌ). وروَى بعض العلماء (إنَ ابزاكَ خطبٌ). وأراها أصحّ وأسَدّ لأن الذي يُثقِل ظهرَ المرء ويُعييه هو الخطبُ، أي المصيبة أو المشكلة، وليس الخصم، إذ الخصم إنما يوصف بالمحاربة أو الإيذاء. على أنّ الكريم يأنَف أن يقول له قائل: (إن غلبك خصمك أو أعياك فأنا أنجدك)، ويأبَى أن يُنسب إلى ذلك أو يقِرَّ به لأن هذه صفة الأذلّة المستضعفين. هذا مع أن في انتحال هذا القائلِ النجدةَ والمعونةَ وادعائه أنه هو المخلّص له والمفرّج عنه إنزالًا لنفسه منزلةَ القويّ وإنزالًا لصاحبه منزلةَ المستضعَف الذليل. وهذا خطَل من القول، ونقضٌ للغرض من الأبيات، فبعيدٌ أن يكون هو ما قاله هذا الشاعر. 
3- أحاربُ مَن حاربتَ من ذي عداوةٍ ** وَّأحبِسُ ماليْ إن غَرِمتَ فأَعقِلُ 
- التفسير: 
أ- اللفظ: مالي: المالُ هنا الإبل. وكذلك هو معناه إذا أُطلق في كلام العرب. غرِمتَ: الغُرم ما يلزم المرءَ سدادُه من دين ونحوِه في غير جناية. أعقِل: أدفع العَقْل عنك، وهو الغرامة. 
ب- التركيب: يقول لصاحبه: أحاربُ من تحاربه من أعدائك. وإذا أصابتك غرامة منعت إبلي أن تخرج للمرعى وقضيتُ بها غرامتك. 
- التأويل: لما بيّن في البيت السابق صدق إخائه لصاحبه وصحّةَ وفائه وقيامَه بنجدته في أوقات الشدّة فسّرَ ذلك في هذا البيت فذكَر أنه يبذل له أنفس ما يُبذَل، وهو النفس والمال، فأما نفسُه فإنه يجود بها للمناضلة عنه والقتال معه. وأما مالُه فإنه يهُون عليه أن يؤديَه عن صاحبه متى أثقله المغرَم وطولِب بالأداء. 
- النقد: أحسن الشاعر في قوله: (أحارب من حاربت) إذ جعل نفسه تابعًا لصاحبه وجعل إرادته منقادة لإرادته، وجعل صاحبه هو المبتدئ للحرب المقتدحَ لزَندها، فهو له كما قال المتنخِّل الهذلي: 
إذا سدتَّه سدتَّ مِطواعةً ** ومهما وكلتَ إليه كفاهُ 
وهذا من ما يَزيدك شكًّا في الرواية السابقة (إنَ ابزاك خصم) لأنها تصوِّره بصورة البطل القويّ المخلِّص وتصوِّر صاحبه رجلًا ضعيفًا مقهورًا. وقولُه: (من ذي عداوة) ليس بالجيّد لأنه إن يكن صاحبه لا يُحارِب إلا ذا العداوة فهو حشو لا طائل منه. وإن كان قد يحارب غيرَ ذي العداوة فهو اشتراطٌ غير مستحسَن لأن غاية النصرة في مذهب الشعراء ممالأةُ الصديق لصديقه وإنجادُه والانضواء إلى صفّه من غير شرط ولا تردّد ولا سؤال. وعلى ذلك قول الحماسيّ: 
لا يسألون أخاهم حين يَندبُهم ** في النائبات على ما قال برهانا 
وقول الحماسي الآخر: 
إذا استُنجدوا لم يسألوا من دعاهمُ: ** لأيّة حربٍ أم بأيّ مكانِ؟ 
وهم يذكرون مثل ذلك في خِصال الكرم. ومنه قول الشاعر: 
لا ينكتُون الأرض عند سؤالهم ** لتطلّبِ العِلّات بالعِيدانِ 
وأسلَم من بيت معْنٍ وأحسنُ إيجازًا قولُ الحماسيّ الآخر: 
أخوكَ أخوكَ من يدنو وترجو ** مودّتَه وإن دُعيَ استجابا 
إذا حاربتَ حاربَ من تعادي ** وزاد سلاحُه منك اقترابا
إذ وضعَ (تعادي) موضع (تحارب) وبرَأ من التَّكرار والحشو. 
وقوله: (أحبس مالي) تخيُّر بارع للّفظ، إذ كان يمكنه أن يقول: (وأحبس المال) أو (مالًا)، ولكنه أضاف المال إلى نفسه بياء المتكلّم إمعانًا في الدلالة على تمام الإيثار، فهو يؤثر التفريج عن صاحبه من ماله الخاصّ. ثم لم يقل: (مالًا لي) أو (مِن مالي)، بل قال: (مالي)، فهو (ماله) كلُّه. وفي قوله: (وأحبس) تصوير بديع، إذ لم يقل: (وأدفع مالي عنك) لأنه أراد أن يكشف عن مقدار تقديمه لحظّ صاحبه على حظّ نفسه، فهو يمنع إبله أن تخرج للمرعى مع ما في هذا من فوات التمتّع بجمالهنّ وبهاء منظرهن الذي ذكره الله تعالى في قوله: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} [سورة النحل:6]، ومِن مغالبة المحبّة لهن والطمَع في نمائهن الذي جاء في قوله: {زُيّن للناس حب الشهوات} حتى قال: {والأنعام} [سورة آل عمران:14]، وتسمحُ نفسه عوضًا من ذلك بأدائهن عن صاحبه ابتغاءَ التنفيس عن كربه والقضاءِ لذمامه!
4- ستَقطعُ في الدُّنيا إذا ما قطعتَني ** يمينَكَ، فانظرْ أيَّ كَفٍّ تَبَدَّلُ!
- التفسير: 
أ- اللفظ: تَبَدَّلُ: مضارع (تبَّدلَ). وأصله (تَتبدَّلُ)، فحُذفت إحدى التاءين جوازًا. وذلك كثير في القرآن وفي كلام الفصحاء نحو قوله تعالى: {نارًا تلظّى} [سورة الليل:14] أي: تتلظَّى، وقوله: {ولا أن تَبَدّل بهن من أزواج} [سورة الأحزاب:52] أي: تتبدّل. ولا تُستعمَل في الفصحى المعاصرة، ولكنها مستعمَلة في العامّيّة! 
ب- التركيب: يقول لصاحبه: إنك إن قطعتني في هذه الدنيا فكأنما قطعت يمينك، فانظر هل تجد من كفٍّ تحلّ محلّها وتغني غَناءها! 
- التأويل: لما صدّر أبياته بتذكير صاحبه بتفريق الموت بينهما واستفتح خطابه بالإيماء والكناية ثم تحوَّل بعد ذلك إلى التصريح والإبانة فعَدَّ عليه آيات إخائه وعرّفه صدقَ مودّته في الماضي والمستقبَل تجاسر قليلًا على الإيغال في التصريح بعد أن ألقَى إليه ما هو حقيق أن يستميل به قلبه وبعد أن اطمأنّ إلى نَفاق ذلك عليه وتأثّره به، فأدلّ عليه بعض الإدلال فحذّره عاقبة فراقه إياه في حياتهما كما حذَّره في البيت الأول عاقبةَ فراقه بعد موت أحدهما. وقوله: (إذا ما قطعتَني) يُراد به (إن استمررتَ على قطيعتي) لأنه قد كان قطعَه، فهو نظير قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} [سورة الفاتحة:6]، يقول لصاحبه: إن استمررت على قطيعتي كنتَ كما لو قطعت كفّك اليمنى، لأن الكفّ أداة العمل ومحلّ التصرّف. وجعلَها اليمنى لأنها أشرفُ وأكثر نفعًا. ومن ذلك قول ابن الدمينة:
أبِيني أفي يُمنَى يديكِ جعلتِني ** فأفرحَ أم صيّرتِني في شِمالكِ([6])
فجعل اليمنى دليل الرفعة، والشِّمالَ دليل الضّعة. 
وقولُ الآخر: 
فأنت امرؤ كلتا يديكَ مفيدةٌ ** شِمالُك خيرٌ من يمين سِواكا
ثم سأله أن يفتِّش وينظر أيجد صديقًا يقوم مقامه ويغني عنه؟ وقد علم أنه لن يجد. 
- النقد: جمعَ الشاعر في هذا البيت إلى تحذير صاحبه الندمَ على صرمه بعد الموت تحذيرَه الندمَ على ذلك قبل الموت أيضًا، فسدّ عليه المخارجَ ولم يدع له متنفَّسًا يلوذ به ويُخلد إليه. وهذا بيانٌ عالٍ. وقد اختار الشاعر لفظَ (قطعتني)، ولم يقل: (هجرتني) أو (صرمتني) ليستوفيَ تشبيه الهجر بقطع اليمين، فكأنه يقول: (قطعك لي هو قطع ليمينك)، فانظر كيف تأتّى له أن يجمع بين اللفظين مع أن القطع الأول بمعنى الهجر، والقطع الثاني بمعنى البتر الحسِّي، ثم انظر كيف سخّر ذلك في إحكام التشبيه وعقد المشاكلة. ولو قال: (إذا ما هجرتنَي) لسقط شطرُ الحسن من هذا البيت. ومن محاسنه أيضًا اختياره لفظَ (يمين) دون (كفّ) لما ذكرتُ لك آنفًا من فضيلة اليمنَى وكثرة منافعها. ثم قال: (فانظر أيّ كفٍّ تبدّل) بصيغة الأمر فالاستفهامِ، فأمر صاحبه أن ينظر: هل من كفٍّ يستطيع أن يتبدَّلها بيمينه؟ وقد أيقن أن صاحبه لن يستطيع ذلك، ولكنه أحبَّ أن يكون هو المجيب عن ذلك وبعد النظر والبحث ليكون ذلك أدعى لتسليمه وإذعانه، وأنفَى لمكابرته.
5- وفي النّاسِ إن رَّثّتْ حِبالُكَ واصلٌ ** وَّفي الأرضِ عن دارِ القِلَى مُتحوَّلُ
- التفسير: 
أ- اللفظ: رثَّت: قدُمت فبلِيت وضعُفت. القِلى: البغض. ومنه {ما ودعك ربك وما قلى} [سورة الضحى:3]. مُتحوَّل: اسم مكان من (تحوَّلَ)، أي مكان يُتحوَّل ويُنتقَل إليه. 
ب- التركيب: يقول: إن ضعُف وصلك أو انقطع ففي الناس أبدالٌ منك. وإن ضاق عليّ المُقام بأرضك التي أجدُ فيها البغض والأذى انتقلت عنها إلى أرض غيرِها. 
- التأويل: كأن الشاعر حين عرَّف صاحبَه مقدارَ ما سيلحقه من الخُسْر بتفريطه في حقّه وتجافيه عن صلته توهّمَ أن صاحبه قد يقول في نفسه: (وأنت أيضًا يا معنُ سيلحقُك من ذلك ما يلحقني) فعطفَ عليه بهذا البيت فقال: أنت أشدُّنا خُسرًا لما جرّبتَه من موالاتي لك ومسارعتي إلى نصرتك. وأما أنا فإني وإن كرهتُ القطيعة وأحببت استئناف المودّة ومراجعة الصِّلة فلا تظنّنّ إن أبيتَ إلا قطيعتي أني لن أجد أخًا أعتاضه منك أو أصيبَ أرضًا تحملُني عنك. 
- النقد: قدَّم الشاعر في هذا البيت لفظَي (الناس) و(الأرض) ليوكّد معنى الاستغناء عن صاحبه إن أصرّ على الهجر والقطيعة. 
6- إذا أنتَ لم تُنصِفْ أخاكَ وجدتَّهُ ** على طَرَفِ الهِجرانِ إن كانَ يَعقِلُ([7])
- التفسير: 
- التركيب: يقول: إن لم ينصف المرء أخاه من نفسه ولم يقض حقوقه عليه فإنه لن يلبث أن يراه مائلًا إلى هجره ومختارًا لمفارقته على صحبته إن كان له عقل يحجزه عن الإقامة على الذلّ والرّضا بالظلم. 
- التأويل: بدأ الشاعر أبياته مترفّقًا بمخاطبة صاحبه حتى إذا ألقَى إليه ما تنهض به الحجّة عليه من تذكيره بأدلّة صدقه وآيات مودّته وتعريفه عظَمَ غَنائه لدَيه وشدّةَ حاجته إليه، هاجَه ذلك على الأنفة لنفسه أن تحمله المعاتبة والاستعطاف على إذلالها والإزراء بها فجنح إلى التعزُّز والتأبّي وإظهار الاستغناء وإلى الإمعان في التحذير فأخبر صاحبه أنه إن أقام على جفائه له وقلّة إنصافه معه فسيجده مُشفيًا على الهِجران صائرًا إليه، وذكرَ له أن هذا هو مقتضَى العقل. وإنما قال: (على طرَف الهِجران) ولم يقل: (على الهجران) أو (هاجرًا لك) ليبيِّن له أنه لا يزال مواصلًا له وأنه لمّا يهجره مع قلّة إنصافه له، وليدلَّه بذلك أيضًا على إمكان تدارك الأمر ومعاودة سالف الإخاء. 
- النقد: من محاسن هذا البيت أن الشاعر جعل الخطاب عامًّا فقال: (إذا أنت لم تنصف أخاك) ولم يقل: (إذا أنت لم تنصفني). و(أنت) هنا ليست خطابًا لمعيَّن في ما أرى، بل هي مثل (أنت) في مثل قول امرئ القيس في معلّقته، في إحدى الروايتين:
وأنت إذا استدبرتَه سدَّ فرجَه ** بضافٍ فُويق الأرضِ ليس بأعزلِ
يريد معنى (ومَن استدبرَه). ومنه أيضًا قوله تعالى: {وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين} [سورة الكهف:17]، أي (ومن يرى الشمس حين إذٍ يراها تَزَاورُ). وإنما اختار الشاعر هذا الأسلوب ليجعل القضية عامّة والحكم شاملًا له ولغيره، وذلك كي يبرّئ نفسه من تُهمة الجنَف والتحيّز وليكون أدعى للرضا والقبول. ثم ذيّله بقوله: (إن كان يعقل) ليبيِّن سبب الإشراف على الهجران، وهو أن ذلك من ما يوجبه العقل من لزوم خصال الأنفة ومنابذة دواعي المذلّة والمهانة. وفي ذكره لهذه العلّة حسنُ تتميم للعذر. 
7- ويَركبُ حَدَّ السَّيفِ مِن أن تَضيمَهُ ** إذا لم يكن عن شَفرةِ السَّيفِ مَزحَلُ([8])
- التفسير: 
أ- اللفظ: تَضيمه: تظلمه. مَزحَل: اسم مكان من (زحَل يزحَل) إذا تنحّى وتباعد. ويقال: (زحَل له عن موضعه) إذا فسحَ. مِن أن تضيمه: معنى (مِن) هنا البدل، أي (بدلَ أن تضيمه). ومنه قوله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [سورة التوبة:38]. 
ب- التركيب: يقول: وإنّ المرء العاقل أيضًا ليحمله إباءُ الظلم وكراهيةُ الإقامة عليه على أن يفرّ منه وإن أفضى به ذلك إلى احتمال المشاقّ الممضّة التي في ركوبها من الإيلام والإضجار وامتناعِ الاطمئنان مثلُ ما في ركوب حدّ السيف إن هو لم يجد بدًّا من ذلك يَزحَل إليه. 
- التأويل: كأنّ الشاعر أجاب عن اعتراض خشي أن يَحيك في صدر صاحبه، وهو أن يقول صاحبُه: ولكنك إن اعتضتَ منّي صاحبًا غيري ومن أرضي أرضًا أخرى فإنك واجدٌ من مرارة فقدي مثلَ ما حذّرتَني من مرارة فقدك، فلستَ بأهوننا خسارة ولا أيسرنا ألمًا. فأجاب الشاعر عن ذلك بأن فصَل بين الأمرين، فبيَّنَ أنّ أمَرَّ من فقده هو لصاحبه بقاؤُه محتملًا للضَّيم، وأنه متى تبدَّل به غيرَه استحالت هذه المرارة حلاوةً عنده لأنها نقلتْه من مرارةٍ أشدّ منها. وأما هو - أي صاحبُه – فليس أمره كذلك لأنه لم يَلحقه ظلمٌ ولا ناله ضيمٌ من جهته. 
- النقد: من محاسن هذا البيت أنه شبَّه ما يلقاه المرء من احتمال الظلم براكبٍ حدَّ السيف، وذلك أنه لا يطمئنّ البتةَ ولا يقِرّ له قرارٌ، فهو لا يزال يتأذّى ويتململ ويتجافى. وهذا تشبيه بديع. ومنها أنه لما أعاد ذكر (الحدّ) عبّر عنه بـ(الشفرة) لأنهما وإن كانا مترادفين ففي كلّ واحد منهما من الظِّلال والوحْي ما ليس في الآخر، ففي عرضهما على خاطر المخاطب زيادةٌ في توكيد المعنى ومعونةٌ على استحضار صورة اللفظ. على أن في ذلك أيضًا تطرية للسمع ونفيًا للملالة وإتحافًا للمخاطَب. وذلك كثير في كلام الله تعالى وكلام العرب، منه قوله تعالى: {أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين} [سورة المؤمنون:68]، و(جاء) بمعنى (أتى)، وقولُه: {أم تسألهم خرجًا فخراج ربك} [سورة المؤمنون:72] و(الخرج) هو (الخراج). ومنه قول طرفة في معلقته:
فما لي أراني وابنَ عمّيَ مالكًا ** متى أدنُ منه ينْءَ عني ويبعُدِ
و(النأي) هو (البعد). وقولُ عَديّ بن زيد، في إحدى الروايتين: 
وقدّمتِ الأديمَ لراهشَيهِ ** وألفَى قولَها كذبًا ومَينا
و(الكذب) هو (المين).
8- إذا انصرفتْ نفسي عن الشّيءِ لم تَكَدْ ** إليهِ بوجهٍ آخرَ الدّهرِ تُقبِلُ
- التفسير: 
- التركيب: (إليه بوجهٍ آخر الدهر تُقبل). قوله: (بوجه) متعلّق بـ(تُقبل)، أي: تقبل إليه بوجهٍ آخرَ الدهر. 
يقول: إذا عافت نفسي الشيءَ وأدبرت عنه فإنها لا تكاد تُقبل إليه بوجهها أبدًا مرّة أخرى. 
- التأويل: انتهَى الشاعر في هذا البيت إلى الغاية في تخويف صاحبه عاقبةَ إجحافه به وهضيمتِه له وبخسِه لحقِّه. وكأنه أحسّ أن صاحبه قد يستهين بما ذكره آنفًا من تحذيره لأنه ربما توهَّم أنه وإن صار إلى هِجرانه ومباعدته فإنه لا ينشَب أن يرجع إليه ولو بعد حين، فسدّ على صاحبه هذا المنفذ وأغلق عليه باب التعلُّل به فقال له: ولا تتوهَّمْ أني إن هجرتك لسوء صنيعك معي فإني سأعاود وصلَك يومًا، فإن طباعي تأبَى ذلك. واعلمْ أني لست سريعًا إلى القطيعة، ولكن متى اضطُررت إليها وحُمِلتُ عليها انصرفت نفسي عن الشيء وزهدتْ فيه، ومتى وقع ذلك منها فإنها لا تُقبل عليه بوجهها آخر الدهر ومنتهى أمد الحياة. 
- النقد: أجاد الشاعر في نسبته الانصرافَ إلى نفسه فقال: (إذا انصرفت نفسي) ولم يقل: (إذا انصرفتُ)، كأن ذلك أمر خارج عن سُلطان يده، فليس له إلا الطاعة والاتّباع. وهذا على حدّ قولهم: (لا تطاوعني نفسي). ومثلُه بيتُ اللاميّة المنسوبة إلى الشنفرَى:
ولكنّ نفسًا حُرّةً لا تقيمُ بي ** على الضّيمِ إلا ريثما أتحوَّلُ
فنسب إباء الضيم إلى نفسه. 
ثم قال: (عن الشيء) ولم يقل: (عنك) ليكون أبعدَ من التحيّز وأحظى بالقَبول إذ لم يخصُّه بهذا الأمر ولا قصرَه عليه، بل هو عامٌّ فيه وفي غيره، وليكون أيضًا أدلّ على اللزوم والثبات لجريانه في الجميع، فهو بمنزلة العادة الماضية والطبع الراسخ الذي لا يتغيّر ولا يزول.

* بلاغة الأبيات: 
جمع الشاعر في هذه الأبيات المعدودة ألوانًا شتى من الخطاب، وتصرَّف في معانيها بوجوهٍ من التصرُّف، فقد بدأها بالإيماء الليِّن الموادع، ولم يزل يتدرّج حتى ختمها بالتصريح الجريء الصادع، وجمع فيها بين الإيجاز والإطناب، وبين الترهيب والترغيب، وبين الإطماع والإيئاس، وبين التعميم والتخصيص، ووفَّى المعنى حقّه، وقرَن إلى كل شيءٍ لِفقه، فخوّف صاحبَه عاقبة الهجر بعد موت أحدهما، وعاقبةَ الهجر في حياتهما، وعرَّف صاحبه حاجته إليه، ثم أحسن التنصُّل من لزوم حاجته إلى صاحبه، وأحكم عَقد الحجج، وسدّ مخارج الاعتذار، وفرَّق بين المختلفات، وأنزلَ التصوير في موضعه، واستعان بالتقديم والتأخير في محلّه، وتقلّبَ بين الإخبار والأمر والاستفهام للتوصل إلى غرضه، وألطفَ التفهُّم أيضًا لما قد يعتلج في صدر صاحبه، ثم أجاب عن هذا كلِّه بأوضح عبارة وأعذب بيان.

___________________
([1]) كتبتُ شرحَ هذه القصيدة استجابةً لطلب أخي الشيخ سليمان العبودي من أجل نشرها في قناة (مختارات شعرية للحفظ) على هذا الرابط: https://t.me/poetry_sn.
([2]) هو معْن بن أوس المُزَنيّ، شاعرٌ مجيد فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام. له مدائح في بعض الصحابة. كان معاوية يفضّله ويقول: (أشعر أهل الجاهلية زهير بن أبي سلمى. وأشعر أهل الإسلام ابنه كعب ومعن بن أوس). رحلَ إلى الشام والبصرة. وكُفّ بصرُه في أواخر أيامه. مات في المدينة عام 64هـ. وهذه الأبيات من مختار أبي تمام في «ديوان الحماسة» والبصريِّ في «الحماسة البصرية».
([3]) المراد به بيانُ ظاهر المعنى بشرح دلائل منطوقه إفرادًا وتركيبًا، أي بيانُ معنى ما قاله الشاعر باللفظ.
([4]) المراد به بيانُ باطن المعنى أو معنى المعنى أو ظلالِ المعنى، فهو تغلغلٌ إلى تعرُّف ما يريد الشاعر أن يقوله من ما لم يصوِّره لفظه. وتأويل اللفظ في اللغة: تفسير ما يئول إليه معناه.
([5]) المراد به ذكرُ محاسن البيت ومساويه، وغُررِه وعُرَرِه. وكذلك أصلُ معنى (النقد) في اللغة. ولفظَا (الغُرر) و(العُرر) في استعمال المتقدّمين قريبان من لفظَي (الإيجابيات) و(السلبيات) في كلام المحدَثين. وانظر «البيان والتبيين 2/ 22».
([6]) (الشِّمال) للجهة المعروفة بكسر الشين. وفتحُها خطأ شائع. أما إذا أريد بها الرِّيح فإنها بالفتح (شَمال).
([7]) (الهِجران) بكسر الهاء. وضمُّها خطأ شائع.
([8]) تَضيمه: بفتح التاء من (ضامَه ضَيمًا). ولا يجوز ضمّها.

السبت، 13 يونيو 2020

تأصيل لفظَي (اللبن) و(الحليب) في الاستعمال الحديث

في التأصيل
نُشر في تويتر وفسبك في 21/ 10/ 1441هـ.
(اللبن) في اللغة اسمٌ يشمل كلّ ما يخرج من الضرع سواء الطريُّ منه والرائبُ. 
والناس اليوم يسمُّون الطريّ الذي لم يُمخَض (حليبًا). وهو جائز، إذ أصله (اللبنُ الحليبُ) أي المحلوب، (فعيل) بمعنى (مفعول)، سمّي (محلوبًا) لأنه حديث الحلب وإن كان كلّ لبن محلوبًا. ونظيره قولهم: (ثوب جديد) أي مجدود، والمجدود المقطوع، كأن الحائك جدَّها حديثًا. وهو استعمال فصيح، ومنه قول الشاعر: 
وقعْب وجِيئةٍ بُلّتْ بماءٍ ** يكون إدامَها لبنٌ حليبُ 
فحذفوا الموصوف استغناءًا عنه. وذلك كثير جدًّا في كلام العرب كقولهم: (الطبيعة) و(الخليقة) و(الحاجب) لحاجب العين، والباب، و(المارّة) و(الكَريهة) للحرب، و(الدنيا) و(الآخرة). 
وقد سُمِع عن العرب استعمالهم (الحليب) مستغنيًا عن موصوفه كقول الشاعر: 
رويدَك حتى ينبُت البقلُ والغضَى ** فيكثرَ إقْطٌ عندهم وحليبُ 
ويسمّون الرائب المَخيض (لبنًا) مع أن لفظ (اللبن) في أصل اللغة يشمل الطريّ أيضًا. وذلك جائزٌ أيضًا، إذ ليس فيه أكثر من تغليب استعمال اللفظ على بعض أفراده. وله نظائر كثيرة، منها قولهم: (مصيبة) لما يصيب من النوائب المؤذية مع أن مقتضى لفظها أن يُطلق على كل ما أصاب، وتغليبُهم (الزكاة) على الفرض دون النافلة، و(الحجّ) على قصد مكة والمشاعر بصفة مخصوصة، و(الجِهاد) على قتال الكفّار، و(اللقيط) على الصبيّ الملقوط دون سائر ما يُلقَط، و(الذَّفَر) على الرائحة المنتنة مع أنه في الأصل يشمل الرائحة الطيّبة، و(العَرف) على الرائحة الطيّبة دون المنتنة مع أنه يشملهما أيضًا، و(الطرَب) على خفّة الفرح دون خفّة الجزع، على أنه في الأصل يشملها. ومثله تغليب العامة اليوم (الهلاك) على موت المستراح منه مع أنه في الأصل دالّ على كل موت.

الثلاثاء، 9 يونيو 2020

إضاءات في طلب العلم والقراءة والنحو والأدب

نُشر في تويتر وفسبك في 16/ 10/ 1441هـ.
إضاءات في طلب العلم 
o لا تكن قراءتك للكتب من غير تدبّر، ولا تقتنعْ بما يُلقى إليك حتى تمتحنه، وكن بصيراً بالفَجَوات والإشكالات التي تقع في ما تقرأه من كلام. 
o يجب أن تشكّ في ما تقرأ، ولكن الشك لا يعني أن تكذّب بما تقرأ، بل الشكّ المراد هو ألا تراه حقّاً وإن بدا حقًّا، ولا باطلاً وإن بدا باطلاً، وإنما تبدأ نظَرَك فيه مُتوقِّفاً مُتحيِّراً، فليس هو عندك حقّاً ولا باطلاً حتى تعرضه على الدرس والفَحص وتستوثق من صحة أدلّته. 
o لا بدّ أن تكون عندك جرأة شديدة مَحفوفة بالحذر الشديد، وذلك بأن تكون جريئاً في مَوضع الجُرأة والإقدام حَذِراً في مَوضع الحَذَر والإحجام. ولا بدّ أن تَزِنَ هذا فلا تُغلِّب أحدهما، فمَن غلَّبَ الجرأة كان مُتهوِّراً، ومَن غلَّبَ الحَذَر كان جامداً مُقلِّداً. واعلم أنّ كثيراً من أقوال العلماء مبنية على الظنّ وأن أكثر أحكام المسائل ليست قطعيّة. 
o بعض أهل العلم يخشى أن يتجرّأ في الاجتهاد في بعض المسائل فيُخطئ. والذي ينبغي له أن يُقدِم إن كان عنده أداة العلم والنظر والاستنباط، ونحن نجد في هذه الكتب التي بين أيدينا أقوالاً كثيرة غُلِّطَت ورُدَّ عليها وهي مع ذلك تُعدّ مَذاهب ولا تزال تُحكى. وقد يكون قولٌ من الأقوال التي قال بها العالِم الفُلانيّ كان خَطَرَ على أحدٍ منّا، لكنّ ذلك العالم كان أجرأَ فقال به فصار مَذهباً وإن ضُعِّفَ أو غُلِّط بحقّ أو بباطل، ونحن كنّا أجبَنَ فصمَتنا. 
o عند بعض الناس خطأٌ في فهمه لطريقة القراءة، فهو يظنُّ أنّ القراءة يجب أن تكون على مستوىً واحد وأنّ الكلام كلّه يجب أن يُقرَأ إما قراءةً بطيئةً أو سريعةً. وهذا غير صحيح، إذ يمكن أن تمكث على صفحةٍ واحدةٍ يوماً كاملاً، ويمكن أن تقرأ مئة صفحة في يوم، وذلك أنك ستجد في غالب ما تقرأه من الكتب أنّ الكتاب يتكوّن من كلامٍ مهِمّ وكلامٍ متوسّط الأهمّيّة وكلامٍ ليس مهمّاً، فأمّا الكلام المهمّ فعليك أن تدقّق فيه وأن تتأمّله، وأمّا الكلام المتوسّط الأهمّيّة فأعطِه من العناية دون ذلك، وأمّا الكلام الذي ليس مهمّاً كالمُكرَّر والمعروف والذي فيه حشو فاقرأه قراءةً سريعة أو تجاوَزْه. وهذا أمرٌ مهمٌّ، وقد لا يُنبَّه عليه كثيراً. 
o لا يَكُن همُّك أن تقرأ الكتاب كلمة كلمة حتى تقول: إنّي قرأت الكتاب كله. فإنّك تُعَدُّ قارئاً للكتاب في رأيي إذا قرأت ٨٠٪ منه، فلا بأسَ إذن أن تتجاوز بعض الصفحات التي لا تزيدك علماً، إذ العمر قصير والكتب كثيرة. وهذا سرٌّ من أسرار القراءة. 
o إذا أردت أن تَصقُل مَلَكتك وتقوّيها فيُستحسَن أن تُكِبّ في بعض أحيانِ دهرك على علمٍ من العلوم لا تقرأ إلا فيه، فيمكن أن تتفرّغ في شهرٍ مّا للقراءة في كتاب (الأغاني) مثلاً أو للقراءة في كتاب من كتب النحو، ولا تقرأْ في أيّ كتاب آخر غيرِه ولا تَشتغِل بأيّ شيءٍ دونه، فتقرأ كلّ يومٍ مئة صفحةٍ من (الأغاني) أو مئة صفحةٍ من النحو فقط. وهذه مسألة مهمّةٌ، فاصنَعْها كلّ حين لتقوّي بها مَلَكَتك. 
o ممّا يُفيد في طلب العلم عموماً أن يكون لك اطّلاعٌ على الكتب المُوَسَّعة في العلم، فينبغي أن تقرأ فيها وألا تكتفي بالكتب التعليميّة الصغيرة المُختصَرة التي فيها كَزازة في اللفظ والتركيب، فإنّ كثيراً من طلبة العلم يَقتصِر عليها فتجدُه لا يعرفُ حقيقةَ العلم ولا مقدار سَعَته ولا يكون قادراً على التجديد فيه، ففي النحو عليك أن تطَّلع مثلاً على الكتب الموسّعة في الخِلاف والعِلَل والمُناقَشات، كـ(التذييل والتكميل)، فتقرأه مرّةً أو مرّتين بتأمّل وبتقييد للفوائد وبإعمال نظر في ما يمرّ بك من الخلاف والعِلَل، وقِس على هذا في جميع العلوم، فإنّ لهذا أثراً كبيراً. والكتب المُوَسَّعة ممتعة جدّاً لأنّك ترى فلاناً من العُلَماء يقول كذا وآخرَ يردّ عليه وثالثًا يؤيّده أو يُعارِضه، فتستمع إلى هذا وتستمتع به حتى كأنّك وإياهم في مَجلس واحد. 
o لا تكن قراءتك فوضويّة، بل لا بدّ أن يكون عندك خطّة تسير عليها وجدول فيه قائمةٌ مرتّبة من الكتب والعلوم تقرأها بالترتيب ويكون لك وِرد تسير عليه، ولا تُضِف إلى الكتب التي وضعتَها في الجدول كتابًا ليس منها إلا نادراً. 
o ينبغي في مبتدَأ طلبك للعلم أن تعرف أولًا ما أنت؟ وما طباعك؟ وما الذي يناسبك؟ وما عندك من الوقت؟ وما قدر صبرك؟ وما قوّة حفظك؟ وما الذي تحبّ من العلوم؟ 
o لا تظنّ أنّه سيُبعَث فيك النشاط والحيويّة بعد سنين وأنك ستُخلَق خلقاً آخر، لن يكون هذا بحال، بل ربما ازددت كسلاً لما سيأتيك من أشغال، فابدأ الطلب من الآن بعد أن تعرف طبيعة نفسك وما يناسبها وبحسب وسعك. 
o محبّة العلم ليست كافيةً في الاشتغال به، بل ينبغي أن تعرف هل أنت صادق الرغبة فيه جادٌّ أم لست كذلك؟ 
o اطرحْ من خيالك أن تكون عالمًا مجدّداً في عدد من العلوم المتباعدة، فإنّ ذلك لا يكاد يتأتّى لأحد، حتى من تظنّ أنه قد تأتّى له ذلك من العلماء هو في الحقيقة ليس كذلك، فغالباً تجده محقّقاً في بعضها ومُقلّداً في بعضها، وهَبْ أنه تأتّى لواحدٍ أو اثنين، فما شأننا بالنوادر؟! نحن إنما نُعنى بما يطّرد وما يُعرَف. 
o حدّدِ العلوم التي تريد أن تكون محقّقاً فيها، ولا تتعدّ علمين أو ثلاثةً على الأكثر، وحدّد العلوم التي تريد أن تكون مُشارِكاً فيها، وحدّد العلوم التي تريد أن تكون مُلِمّاً بها بعض الإلمام، ثمّ انظر في ما عندك من الوقت والهمّة والقوّة، وبناءً على ذلك ضع لك جدولاً تحرص فيه على أن تركّز بنسبة ٧٠٪ أو ٨٠٪ أو ٩٠٪على العلم الذي تريد أن تكون راسخاً فيه محقّقاً، ولا تقسّم الوقت بالتساوي بين العلم الذي هو غايتك وبين غيره، بل اجعل الغلبة لعلمك ، وأعطِ العلم الذي هو دونه ٢٠٪ وأعط غيرهما ١٠٪، وهكذا. 
o لا يأتينّك الشيطان من قِبَل الإطماع فيقولَ لك: اجعل همّتك عاليةً، ولا ترضَ من العلوم بالعلم الذي هو غايتك، بل لا بدّ أن تكون عالمًا كل العلم بتفسير كتاب الله تعالى، فهو علم شريف عظيم، ولا بدّ أن تكون في حفظك للشعر كالأصمعي، ولا بدّ أن يكون أسلوبك كابن المقفّع والجاحظ، وهكذا دواليك، فإيّاك وهذا. 
وأحسب أنّ كثيراً من طلبة العلم لو سَلِموا من هذا الخاطر لرَسَخوا في علومٍ عِدّة، لكنّ كثيراً منهم يريد أن يكون شيئاً عظيماً في كلّ شيء، فلا يكون شيئاً! 
o ركّز على علومٍ معيّنة ولا تتشتّت، ولا تترك العلوم البعيدة عن علمك، بل أخّرها إلى أن تُحكِم علمك وتجد عندك فراغاً في ما بعد. 
o لا يستخفنّك الشيطان بالأمانيّ الكاذبة، ولا تُباعِد بين واقعك وبين أمانيّك وأحلامك، بل اجعل أمانيّك قريبةً من واقعك بحيث ترتفع لها قليلاً، ولا تجعلها بعيدةً فتَهلِك. 
o لا بدّ من التخلية قبل التحلية، ففرّغ أولاً من ذهنك ما يَشغله ولا سيّما وسائل التواصل والتوافه، ومن كلّ ما يَحول بينه وبين تفهُّم العلم، فبهذا يكون ذهنك مهيَّأ ومُتقبِّلاً للعلم. 
o اجعل برنامجك وطُرائقك في الطلب سهلةً خفيفةً، ولا تشقّ على نفسك فيَثقُلَ عليك العلم، وفتّتِ الهدف الكبير إلى أهداف صغيرة، فإن هذا أحرى أن يهوّنها عليك فتدركها. 
o المتأخِّرون جمَّدوا المسائل وجعلوها قَطعِيّةً وجعلوا أحكام العلم في قَوالِب ثابتة. 
o لا يلزمُ أن تحفظَ كلّ يوم، بل قيّد كل يومٍ ما تريد حفظه وحدّد لنفسك يوماً أو يومين للحفظ ومراجعة المحفوظ. 
o لا أنصح بحفظ مختارٍ كامل أو ديوانٍ كامل وإن كان هذا جيّداً إلا أنه ليس مهمّاً، ولستَ مُلزَماً بذلك، بل احفظ ما يُعجِبك وما ترى أنه يستحقّ أن يُحاضَر به، ومع الوقت ستجد أنّك حفظت مئات الأبيات أو آلافها! ولو أنّك حفظت في كلّ يومٍ بيتين فقط لحفظت في عامٍ واحدٍ نحو ٧٠٠ بيت! 


آفات القراءة 
هذا شرح لآفات القراءة، وهي خمس، سأذكرها لك ثمّ أبيّن لك كيف تتجنّبها. 
١. ضعف التأمّل لما تقرأه
فإذا قرأت في كتابٍ ما فيجب أن تحفظ ما تصادفه فيه من لفظٍ فصيحٍ، وإن وجدت أسلوباً عالياً فيجب أن تقف عنده وأن تَطرَب له وتحفظَه أيضاً، وإن وجدت تناقُضاً من المؤلّف فيجب أن تنتبه له وتقيِّدَه، وإن وجدت تصحيفاً أو تحريفاً أو خطأً أو كلاماً له نظائر مرّت بك فيجب أن تنتبه لذلك كلّه، ويجب أن تكون قراءتك دقيقةً. وكثير من الناس يقرأ الكلام ولا يدقّق فيه ولا يفطن لإشكالاته. والدليل على هذا أنه قد تمر به تصحيفات مُخِلّة بالمعنى فلا يحسّ بها لأنه يفهم المعنى العام ويكتفي بذلك ولا يتأمل ويسأل: لماذا قال المؤلف كذا ولم يقل كذا؟ 
٢. إغفال الحفظ للمهمّ
فإذا مرّ بك شيءٌ مهمٌّ فاحفَظه. وبعض الناس في عصرنا يظنّ الحفظَ مَقصوراً على حفظ القرآن والحديث والمَنظومات، وهذا غير صحيح، بل ينبغي أن تحفظ أيضاً الشعر وتحفظ اللطائف كالمَقولات والحِكَم والإحصاءات والأمثال ومذاهب المسائل وخلافاتها، فمثلُ هذا يُحفَظ ولا يُقرَأ فقط. وطريقة الحفظ لذلك أن تضع تحته خطّاً بقلم الرصاص، ثمّ إذا انتهيت من الكتاب رجعت إلى ما وضعتَ تحته خطّاً فكررته. 
٣. ترك التقييد للنادر
إذا مرّ بك نادر في قراءتك فقيِّدْه ولا تتّكلْ على حفظك. واعتبِرْ بابن جِنّي الذي شكا مرةً من أنّه خَطَرت له خواطر فلم يُقيِّدها فنسِيَها ونَدِم، فقيِّد النادر الذي يُوجَد في غير مَظانّه، والذي يمكن أن تَبنِي عليه وتَرُدّ به وتستشهد به وتستنبِطَ منه. وطريقة التقييد بأن تتخذ لك دفاتر بحسب اهتماماتك، فإن كنت مثلاً مُشتغِلاً بالنحو مَعنِيّاً بأصوله فاجعل لك دفتراً فيه، واجعل لك دفتراً خاصّاً بالمُولَّد إن كنت مَعنِيّاً به، وهكذا، ومع الوقت تزيد الدفاتر، ولكن لا تقيِّد إلا المهمّ، ويجوز أن يمرّ أسبوع وأسبوعان وأنت لم تقيِّد شيئاً في هذا الدفتر، ولا تَشغَل نفسك بتقييد كلّ شيء، واترك المعروفَ الموجودَ في مظانّه. وإن مرّت بك فائدة عامّة أو مُستملَحة لا تحبّ أن تترَكها وليست من الفوائد التي تُقيَّد في دفاترك فقيِّدها في الصفحة الأولى من الكتاب، ولا تُكثِر. 
٤. ترك المراجعة للمحفوظ والمُقيَّد
لا بدّ أن تراجع ما حفظته كلّ حين، وذلك بأن يكون لك موعد كلّ أسبوع أو أسبوعين تُراجِع فيه ما حفظت. وأمّا ما قيّدته فأنصح لك بأن تُراجِعه رأسَ كلّ شهر، وعوِّد نفسك هذا حتى لا تنسى. وربطُه برأس الشهر مما يعين على تذكره. 
٥. قلّة تكرار الكتاب الجيّد
إذا قرأت كتاباً جيّداً هو أصلٌ من الأصول وعُمدةٌ من العُمَد فينبغي أن تكرّره مرةً أو مرّتين بل مئة مرّة إن كان يستحقّ ذلك وكنتَ ترى أنك لا تزال تستفيد من قراءته في كل مرة. 

إضاءات في النحو 
o من أراد أن يكونَ عالماً بالعربيّة فعليه أولاً أن يكون عارفاً بالقرآن حافظاً له أو لكثيرٍ منه متقناً لتجويده مطّلعاً على قراءاته، إذ القرآن هو الغاية في الفصاحة، وبمعرفته تتعرّف الأسلوب العالي وتعرف نطق الأصوات ومَخارجها. 
وقلتُ: (مطّلعاً على القراءات) لأنّه يكفيه من القراءات اطّلاعه عليها، أما التخصّص فيها فيستغرق وقتاً طويلاً ويقتضي أن تفرّغ لها ذهنك من غير شِرْكة. 
ثمّ لا بدّ أن يكون لك نصيبٌ من الأدب والشعر، فتحفظُ شيئاً من الشعر قلّ أو كَثُر على ألا يشغلك ذلك عن اهتمامك وعن علمك الأوّل. والذي أنصح به أن يكون عندك دفتر كدفتر الأصمعيّ تقيّد فيه رؤوس محفوظاتك (أوّل بيت من القصيدة مثلاً) التي تُصادِفها في كتب الأدب وغيرها، ثمّ انظر ما كتبته في هذا الدفتر كلّ يوم أو يومين أو أسبوع أو بحسَب ما يلائمك فاحفظْه في مكانه، فإنّه أيسر وأحرى لقوّة الحفظ، لأنّك إذا حفظته في مكانه وبنوع خطّه وفي صفحة معيّنة وبلون معيّن قَوِيَ عندك الربط البصريّ. أمّا إذا كتبته في دفترك فستتشابه عليك الصفحات ولن يكون هذا مُقوّياً لحفظك. 
o ليست غاية النحويّ شرحَ الآجرّوميّة والألفيّة كما يُتوهَّم، فإنّ النحو أعظم من ذلك، إذ ينبغي للنحويّ أن يُجدِّد في النحو وأن يُعيد النظر في الأصول وأن يُعالِج جميع ما يستعمله العامّة والمُوَلَّدون المُحدَثون وما يَرِد علينا من التراجِم من الألفاظ والأساليب الحديثة ومن الإشكالات اللغوية. 
o النحو في غاية اللّذاذة لمن عرفَ كيف يتأتّى له وكيف يُعامِله وكيف يتجرّأ عليه، وإلا فهو من أثقل العلوم بصدقٍ، وأنا لا ألومُ أحداً من الناس يقول: إن النحو ثقيل. بل لو قال غيرَ ذلك لكذّبته، لأنّ النحو الذي ندرسه نحوٌ ثقيلٌ جداً، لكنْ إذا درستَه على أنّ لك حَقّاً في أن تنظر فيه وتُجادِل وأن تختار من الأقوال وتستدرك من الشواهد فإنّه سيكون في غاية اللّذاذة. 
o قراءتي في مطلَع الصِّبا في (كتاب سيبويه) و(الأغاني) و(تبيان العكبري) و(لسان العرب) أفادتني إفادةً كبيرة، فقد عرّفتني العوالم الواسعة في هذه العلوم وبدأت أعرف أساليب القدماء وكيف يُباين أسلوب سيبويه مثلاً أساليب المتأخرّين وعرفت طرائقه في الاستدلال والنظر، وكانت قراءتي قديماً في الكتب التي يشتغل بها المتأخّرون قليلةً، وهذا مما جعلني أرى أنه لا يلزم أن يسير الإنسان على الطريقة المعهودة، بل إنها قد تضرّه أحياناً. 
o من المشكلات أنك تجد كثيراً من المعاصرين شرّاحاً ودارسين للنحو مَن يقول بقولٍ وهو يجهل لوازِمه، وتجد منهم من يرجّح كيفما اتّفق، وهذا قد يؤدّي إلى مشكلات، منها التناقض. فلا بدّ أن تكون له أصول واضحة مطّردة محقَّقة، ولا يتأتّى له إدراك هذه الأصول وضبطها والتمكّن منها إلا بعد سنوات، ثمّ لا بدّ من عرض فروع العلم على هذه الأصول وإجراء الأصول عليها والاطمئنان إلى صحتها واستقامتها. 
o من مشكلات تدريس النحو أن أكثره معنيٌّ به المبتدئون لا المتقدّمون، وانظر في دروس النحو على الشبكة تجد أن عامتها للمبتدئين. والمبتدئون قد شبِعوا من هذه الدروس الموجودة، وليس لمبتدئٍ عذرٌ اليوم. ثم نسأل: لماذا ليس لدينا نحاة؟! 
o يجب أن تُصرف همَمنا لتعليم المتقدّمين في النحو وأن تُنبَش مسائل النحو التي جمَدت وهمَدت وأن يُنفَض عنها الغُبار ويُنظَر في صحّتها. 
o في وسائل التواصل ألفاظٌ مُتكاثرةٌ كلّ يوم تحتاج إلى علماء باللغة والنحو والصرف يدرسونها ويقضون فيها. 

إضاءات في الأدب 
o الشعر يحتاج إلى قوّة في الشعور وإلى فَراغٍ في الذهن بحيث تظلّ تُدِيره في ذهنك وربما شغلك أياماً. وقوّة الشعور هي لِقاح الشعر. 
o لا يمكن أن تكون نحويّاً راسِخاً وشاعِراً مُفلِقاً، بل لا بدّ أن يغلِب أحدُهما الآخر. 
o المبتدئ يَبهَره اللفظ أكثر ممّا يَبهَره المعنى. 
o شوقي من عجائب هذا الزمن ومن النوادر الذين لا يتكرّرون بسهولة. 
o لا تدع القراءة في كتب الأدب أبداً، بل اقرأ كلّ يومٍ ولو عشر صفحات على ألا يَشغلَك هذا عن علمك. وعشرُ صفحاتٍ لا تَشغَل عادةً. 
o يُستحسَن أن تكون قراءتك في كتب الأدب بعد استيقاظك من النوم وبعد قراءتك للقرآن، إذ لا بدّ أن يكون لك أولًا نصيبٌ من القرآن يوميٌّ ولو صفحتين. والسبب في اختيار هذا الوقت أنّ الذهن يكون فيه صافياً. وبقراءتك لكتب الأدب فيه تطبَع عليه الكلام العالي البليغ، ثمّ خذ بعد ذلك في شأنك، وإن كان عندك وقت فاقرأ في نفس الكتاب قبل أن تنام عشر صفحاتٍ أو عشرين، واجعل باقي اليوم لعلمك. 
o مهما غُلِبتَ على شيءٍ من كتب الأدب فلا تُغلَبْ على أن تقرأ في كتاب من كتبه ولأديب من أدبائه، وهما يغنيانك عن غيرهما. أمّا الكتاب فهو (الأغاني)، فإنّه لا يُمَلّ منه ولا تنقضي فوائده، وهو مفيد في التراجم وفي معرفة حياة العلماء والشعراء والخُلفاء وفي إعطائك تصوُّراً صحيحاً لحياة القدماء وعادات العرب، وستجد فيه كثيراً من مختار الشعر، فقيّد رؤوسه لتحفظَه، كما أنّك ستجد فيه كثيراً من الأساليب والألفاظ القديمة والمُوَلَّدة وشيئاً كثيراً من النوادر لا يخطر لك على بال، كما أنّك ستجد فيه من الإمتاع شيئاً عجيباً. 
وأمّا الأديب فهو الجاحظ، فاحرص على أن تقرأ في كل كتبه. ويمكن أن تُعاوِرَ بين كتبه وبين (الأغاني) إن كنت مَلولاً، فتقرأ مُجلَّداً من (الأغاني) ثمّ مُجلَّداً للجاحظ ثم ترجع إلى (الأغاني) فالجاحظ، وهكذا. وإلّا فاقرأ (الأغاني) حتى تنتهي منه ثمّ اقرأ كتب الجاحظ حتى تنتهي منها، ثم ارجع إلى (الأغاني)، وهكذا. 

التقطها وصنّفها ونسقها: 
عبد الحميد هوساويّ 
شوّال 
1441هـ.

الجمعة، 5 يونيو 2020

القول المحكم في رسم (ضوءُه) و(الهيئة) و(التوءم)

في الهمزة المتوسطة
نُشر في فسبك وتويتر في 13/ 10/ 1441هـ.
س: أي الرسمين هو الصحيح (توءَم) أم (توأَم)؟ وكذلك (ضَوءُه) أم (ضَوؤُه)؟ 
ج: هاتان مسألتان مختلفتان، فأما (توءم) فقد وقعت همزتها مفتوحةً بعد واو ساكنة غيرِ مدّيّة [أي ليست مسبوقة بضمة، خلافًا لنحو: مرُوْءَة]. وحكمها عند المتقدّمين حكمُ المسبوق بياء ساكنة غيرِ مدّيّة نحو (هيئة) [أي ليست مسبوقة بكسرة، خلافًا لنحو: بِيْئة]. ولهم في ذلك قولان: 
الأول: رسمها مفردةً على السطر (هيئة) [بنبْرة عند المعاصرين] (توءَم). وحجتهم في ذلك مراعاة صورتها في مذهب التخفيف إذ يحذفها أكثر العرب فيقولون: (هيَة) و(توَم). وهذا القول هو مذهب الجمهور. 
الثاني: رسمها على ألف (هيأة) (توأم) إذ كان من العرب من يخفّفها بإبدالها ألفًا فيقول: (هيَاْة) و(توَاْم) كما تُخفَّف (مرْأَة) و(يسْأَل) إلى (مرَاْة) و(يسَاْل). وقد حكى ابنُ السراج (ت316هـ) جواز هذا القول عن البغداديين. وهو مذهب ابن جني (ت392هـ) والسيوطي (ت911هـ). وظاهر إطلاقهما أنه يشمل عندهم ما ياؤه أصلية كـ(هَيأة) وما ياؤه زائدة كـ(الحُطيأة)، غير أنه يُشكل على هذا أن (الحُطيْئة) ونحوها لا تُخفَّف هذا التخفيف، بل تخفيفها (الحُطيَّة) فقط. 
أما المعاصرون فقد اختلفوا على هذين القولين أيضًا، فرجّحَ مجمع اللغة العربية بدمشق في نشرته الأولى لـ"قواعد الإملاء" عام 2004م القول الأول مطلَقًا، ورجَّحَ مجمع اللغة العربية بالقاهرة في قراره الأول عام 1960م القولَ الثاني مطلقًا، ثم فرَّق مجمع القاهرة في قراره الثاني الأخيرِ عام 1980م بين النوعين فاختار في المسبوق بياء القولَ الثانيَ (هيأة) وفي المسبوق بواو القولَ الأولَ (توْءم). وفرّقَ مجمع دمشق في نشرته الثانية عام 2010م بين النوعين أيضًا، ولكنه أخذ بعكس قول مجمع القاهرة، فاختار في المسبوق بياء القولَ الأول (هيئة) وفي المسبوقِ بواو القول الثاني (توأم). ولا وجه لهذا التفريق. 
وأما ما عليه عملُ الناس اليوم فإن معظمهم على التفريق الذي هو رأي مجمع دمشق الثاني، وذلك أنهم يرسمون الهمزة في نحو (هيئة) مفردة على السطر، وفي نحو (توأم) على ألف. 
ومنهم من لا يفرّق بينهما فيرسمهما جميعًا على السطر (هيئة) و(توءَم). وله شيوع في سورية. ومنهم من يرسمهما جميعًا على الألف (هيأة) و(توأم). وهو الشائع في العراق.
وكلا القولين سائغ، ولكنّ التفريق بين النوعين لغير علّة صحيحة ليس بمرضيّ. وأنا أستحبّ رسمهما جميعًا على السطر (هيئة) و(توءَم). 
وأما (ضَوْءُه) ونظائرها كـ(وضُوْءُه) و(نَوْءُها) - وحدُّها أن تكون الهمزة مضمومة بعد واو ساكنة - فإنها تُرسم مفردة على السطر. وليس أحد من المتقدّمين والمعاصرين يرسمها على واو. ولم يشِذّ عن هذا في ما أعلم إلا الغلاييني (ت1364هـ). وتبِعه مجمع اللغة العربية بدمشق، فإنهم يرسمونها على واو (ضَوْؤُه) و(وضُوْؤُه) و(نَوْؤُها). ولا وجه لذلك، لأن رسم الهمزة مبنيّ على مذهب التخفيف، وتخفيف هذه المسألة بالإبدال والإدغام أو الحذف، فيقال: (ضَوُه) و(وضوُّه) و(نَوُها)، فلا وجه لزيادة واو ثانية في الرسم.

الأحد، 31 مايو 2020

مسائل متفرقة في العروض

نُشر في تويتر وفسبك في 8/ 10/ 1441هـ.
س: البيت المشهور:
وقبرُ حرب بمكان قفرٍ ** وليس قربَ قبرِ حربٍ قبرُ
أهو من تامّ الرجز فيُكتب في سطر، أم من مشطوره فيكتب في سطرين؟
ج: يجوز أن يكون:
- من تامّ الرجز. ويعيبه أن مجيء تام الرجز مقطوعَ العروض والضرب شاذ.
- من مشطور الرجز (أو السريع). ويعيبه الإقواء.
والأول في رأيي أحسن.

الأربعاء، 1 أبريل 2020

عشرة كتب تغني المتخصص والمؤصل في النحو والصرف عن غيرها

في بنية النحو وتاريخه وكتبه
نُشر في تويتر وفسبك في 7/ 8/ 1441هـ.
من أراد أن ينشئ لنفسه مكتبة في النحو والصرف لا تتجاوز عشرة كتب، تكفيه إن رام الرسوخ فيهما وتعينه على تدريسهما أو مراجعة مسائلهما عند الحاجة تعرض له، فإني أختار له هذه الكتب، فهي بمجموعها حاوية لعلمي النحو والصرف أصولِهما وفروعهما وتنظيرهما وتطبيقهما، لا يكاد يعزب عنها شيء ذو بال. وقد رتّبتها بحسَب وفيات مصنفيها:
١- "شرح المفصل" لابن يعيش (ت٦٤٣هـ)، تح إبراهيم عبد الله، أو عبد اللطيف الخطيب.
٢- "شرح الكافية" للرضيّ الأستراباذي (ت٦٨٦هـ)، تح يوسف حسن عمر.
٣- "شرح الشافية" للرضيّ أيضًا، تح محمد نور الحسن وصاحبيه.
٤- "التذييل والتكميل" لأبي حيان (ت٧٤٥هـ)، تح حسن هنداوي (طُبع منه حتى الآن ١٧ جزءًا).
٥- "الدر المصون" للسمين الحلبي (ت٧٥٦هـ)، تح أحمد الخراط.
٦- "مغني اللبيب" لابن هشام (ت٧٦١هـ)، تح فخر الدين قباوة، أو مازن المبارك وصاحبه.
٧- "الاقتراح في أصول النحو" للسيوطي (ت٩١١هـ)، تح محمود فجال، أو محمود ياقوت.
٨- "الأشباه والنظائر في النحو" للسيوطي أيضًا، أي طبعة.
٩- "النحو الوافي" لعباس حسن (ت١٣٩٨هـ).
١٠- "المورد النحوي الكبير" لفخر الدين قباوة.

الجمعة، 20 مارس 2020

نقد مواضع من تحقيق «العثمانية» لعبد السلام هارون

نُشر في مجلة الرقيم وفي فسبك وتويتر في 24، 25/ 7/ 1441هـ.

كتاب «العثمانية» لأبي عثمان الجاحظ من أعجب كتبه إليّ وآثرها عندي لأنه أدلُّ كتبه على محلّه من لُطف النظر وثقوب الخاطر، وأشفُّها عن براعته في الجدل وفي تصريف الحجّة والتبريح بالخصم. وهو في مُعظمه من مقوله لا من منقوله على خلاف ما تراه في عامّة كتبه. وهذه مزيّة أخرى. وقد تولَّى تحقيقه الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله فأبلى البلاء المبين في قراءة نصّه وفي ضبطه معتمدًا في ذلك على نسخة كثيرة التحريف، وعلى نسخة أخرى ناقصة. فمن أجل ذلك لحقَت عملَه بعضُ الهنوات. وقد علّقت على نسختي ما صادفني منها غير متكلّفٍ لاستقصائها ولا كان من نيّتي نشرُها يومَ علّقتها، ولكني لما تعقّبتها بالنظر وجدتُّ أن مقدارها يفي بمقالةٍ، فرأيت جمعها وتفصيل القول فيها مؤمِّلًا من وراء ذلك بركةَ الإفادة، ومثوبةَ الدلالة والإرشاد. وهذا بيانها. 
1- قال الجاحظ في (ص3): (وليس بين الأشعار وبين الأخبار فرقٌ إذا امتنع في مجيئها وأصل مخرجها التباعد والاتفاق والتواطؤ). 
وعلق هارون في الحاشية: (في الأصل وب: «التشاعر»، وصوابه من ح). 
قلت: بل ما عدلَ عنه هو الصواب. والمراد بالتشاعر إشعار بعضهم بعضًا، أي إعلامه. أراد أن حكم الأشعار كحكم الأخبار، فكلاهما يجب قبوله متى ما امتنع إشعار بعض رواته بعضًا به واتفاقُهم عليه وتواطؤهم على توليده. ولا وجه للتباعد هنا. ويشهد له قول أبي عثمان في الكتاب نفسه (ص262، 263): (ولا بدّ ما دامت التقيّة من التواكل والتخاذل وإن اتّفق رأي الجميع في المغيَّب على النصرة. وليس يُنتفع باتّفاق أهوائهم ما لم يتشاعروا)، أي ما لم يُشعر به بعضُهم بعضًا. وفسّر هارون (يتشاعروا) في الحاشية بقوله: (في أساس البلاغة مادة (شعر): «وتقول: بينهما معاشرة ومشاعرة»). وهو غلط، إذ لا مدخل للمعاشرة هنا كما يدلّ على ذلك معنى الكلام. 
وشاهدٌ آخر على ذلك قولُه في «الحيوان 1/44، تح هارون»: (ثم تعبّد الإنسان بالتفكّر فيها... ووصل معارفَهم بمواقع حاجاتهم إليها، وتشاعرهم بمواضع الحكم فيها بالبيان عنها). أي تعالمهم وتخابرهم. وضُبِطت (تشاعرِهم) بالجرّ. ولعل الصواب النصبُ. أي ووصل تشاعرَهم. 
وقولُه في رسالة «كتمان السرّ وحفظ اللسان» [رسائل الجاحظ 1/143، تح هارون]: (وبذلك ثبتت حجّة الله على من لم يشاهد مخارج الأنبياء ولم يحضر آيات الرسل وقام مجيءُ الأخبار من غير تشاعر ولا تواطؤ مَقام العِيان). وعلّق في الحاشية: (المراد بالتشاعر المخالطة والملابسة والمعاشرة)، وأحال إلى الموضع السابق من «العثمانية» وإلى «أساس البلاغة» و«لسان العرب». وهو خطأ كما أنبأتُك. 
ومثلُه أيضًا قول الجاحظ في رسالة «حُجج النبوة» [رسائل الجاحظ 3/248]: (... العدد الكثير لا يتفقون على تخرّص الخبر الواحد في المعنى الواحد في الزمن الواحد على غير التشاعر فيكون باطلًا). وعلّق هارون في الحاشية: (التشاعر: تفاعُل من قولهم: شعَر بكذا: أحسّ به)، وأحال إلى الموضع السابق من «العثمانية». وبيِّنٌ هنا أنه قد شعَر بخطئه في التفسير السابق لمعنى التشاعر فرجع عنه وقارب الصواب ولم يبلغه، لأن التشاعر لا يراد به الإحساس، بل إنّ مرجعَه لَإلى الإعلام كما مضى بيانه. 
وقد وردت هذه الكلمة مرةً أخرى في الرسالة نفسها «حُججِ النبوة» [رسائل الجاحظ 3/270]. وأحال هارون إلى الموضع الأول من هذه الرسالة. 
ولهذه الكلمة ذِكرٌ قليل في كلام أهل ذلك العصر ومَن بعدهم، من ذلك ما حكاه عصريّه ابن طيفور (ت280هـ) في كتاب «بغداد 45» عن إبراهيم بن السندي الذي يروي عنه الجاحظُ في كتبه. 
وقد دلّني بعض الأصدقاء – وجرى ذِكر لهذه المسألة – على كلام لمحمود شاكر في تعليقه على «تفسير الطبري 6/127» قال فيه: (في المطبوعة: «التشاغر» بغين معجمة، وهو خطأ غثّ. والصواب من المخطوط. و«تشاعروا الأمر أو على الأمر»، أي تعالموه بينهم. من قولهم: «شعر» أي «علم». وهي كلمة قلما تجدها في كتب اللغة، ولكنها دائرة في كتب الطبري ومن في طبقته من القدماء. وانظر الرسالة العثمانية للجاحظ: 3، وتعليق: 5، ثم ص: 263، وصواب شرحها ما قلت. وانظر ما سيأتي ص: 155، تعليق 1). 
وهو تصحيح موافق لما ذكرتُه. وقد احتجّ له بعين الموضع الذي أومأت إليه من «العثمانية»، وما كنت أدري به من قبل. 
2- قال في (ص10): (والناسُ بين معاند يحتاج إلى التقريع، ومُرَادٍّ يحتاج إلى الإرشاد، ووليّ يحتاج إلى المادّة، وغُفل يحتاج إلى أن يُكثر له من الحجّة ويُتابَع له بين الأمارات والدلالات). 
علّق هارون في الحاشية على (مرادّ) بقوله: (ب: «ومرتاد»). 
قلت: (مرادّ) لها وُجيه. وقد جاءت في كلام للجاحظ آتٍ بعدُ (ص247) قال فيه: (... وتولّيَ مكانه الخاملَ القليل المقصِّر، فلا يُرادّ ولا يُدافَع)، ولكنّ أكثرَ مناسبةً للمعنى أن يقال هنا: (ومرتابٍ يحتاج إلى الإرشاد) لأن الشاكّ هو الذي يحتاج إلى أن يُبيَّن له ويُرشَد، وليس المرادّ المدافِع، إذ المدافع أشبه بالمعاند الذي حقُّه التقريع. ويؤنس بهذا رسمُ اللفظ في نسخة (ب). ويسدّده أيضًا قول أبي عثمان في الكتاب نفسه (ص79): (أنقذ الله به من الضلالة والناس بين ساكت لا غَناء عنده، أو خائض مستريب يحتاج إلى التعريف، أو موقن يحتاج إلى المادّة وتلقين الحجّة). 
والموقن هنا هو الوليّ هناك. وقد جعله في الموضعين محتاجًا إلى المادّة. والتعريف هو الإرشاد. وقد قرنَ به المستريب. فينبغي أن يكون اللفظ المختار هنا هو (المرتاب) لأنه بمعنى المستريب، وليس (المرادّ). 
3- قال في (ص24): (ولذلك قال النبي لحسان مع سنّ حسانٍ وعلمه). وصرفَ هارونُ (حسان) وجرَّه مع أنه لم يُضبط في المخطوط. والحقّ أن النحويين حين يذكرون أن في (حسان) الوجهين الصرفَ والمنعَ فإنهم يعنون ما يحتمله اللفظُ من جهة اشتقاقه لا حقيقةَ الاستعمال، فأما في الاستعمال فإنه لا يكاد يوجَد في كلام العرب إلا ممنوعًا من الصرف. ومن شواهد ذلك في اسم حسان بن ثابت رضي الله عنه خاصّةً إذ هو المذكور في نصّ الجاحظ، قولُ حسان نفسِه: 
ما هاجَ حسّانَ رسومُ المَقامْ ** ومظعنُ الحيّ ومبني الخيامْ 
وقول أبي قيس بن الأسلت الأنصاري يخاطب حسان: 
ألا من مبلغٌ حسانَ عني ** أسحرٌ كان طبّك أم جنونُ 
4- قال في (ص37): (ألا ترى إلى قوة شهامته وجلَده وصدقِ نيته في كشف القناع والمبادأة لرأس الكفر وسيّد البطحاء عند نفسه ورهطه). 
قلت: (المبادأة) لعلّ صوابها (المباداة) بالألف لا بالهمز. يريد الإظهار والمجاهرة والمصارحة وترك المداراة، من (بدا يبدو)، يدلّ على ذلك ذكرُه لـ(كشف القناع). وهي مع ذلك غير مهموزة في المخطوط. وهذا اللفظ من لغة الجاحظ، قال في رسالة «التربيع والتدوير» [رسائل الجاحظ 3/95]: (وأمر بالمداراة كما أمر بالمباداْة، وجوّز المعاريض كما أمر بالإفصاح) فجعلها ضدَّ المداراة، وقابلها بـ(الإفصاح). وقال بعده (ص101): (ولا ترضى بأن يكون أولًا حتى تكون آخرًا، ولا بالمداراة دون المباداْة). هكذا ضُبِطت في الموضعين، وبذلك فسّرها هارون. وجاءت أيضًا في رسالة «مناقب الترك» [رسائل الجاحظ 3/173]، قال: (ومنا الدعاة قبل أن تظهر نقابة أو تُعرف نجابة وقبل المغالبة والمبادأَة وقبل كشف القناع وزوال التقيّة). هكذا ضبطها هارون بالهمز، وعلّق في الحاشية: (في الرسائل: «والمباراة» وبالراء). وأحسب صوابها (المباراة) بالراء والألف لأنها نظير (المنازعة) إذ معنى المباراة: المعارضة والمجاراة. وقد يجوز أن تكون (المباداة) بالدال والألف لولا أنه فصَلَ بينها وبين (كشف القناع) بلفظ (قبل)، فكأن ذلك يقضي أنها تخالفها في المعنى. فأما الهمز فغيرُ متّجِهٍ في ما أرى. 
5- قال في (ص39): (إن أبا بكر وإن لم يقاتِل قبل الهجرة فقد قُتِل مرارًا وإن لم يمت قبل الهجرة، ولأنه لو جُمِع جميع المكروه الذي لقي أبو بكر ثلاث عشرة سنة لكان أكثر من عشرين قتلة). 
قلت: قوله: (ولأنه) كذا جاء في النشرة، وكذا وقع في المخطوط. وأرى الواو مقحمة هنا لإخلالها بالمعنى لأن المراد تفسير قتل أبي بكر مرارًا من غير أن يموت. 
6- قال في (ص40): (وأبو بكر مفتون مفرد [ومطرود مشرّد، ومضروب معذَّب]). 
وذكر هارون في الحاشية أن ما بين المعقوفين من نسخة ب. وذكَر بعضَ الاختلافات التي تدلّ على اضطراب هذا الموضع. 
قلت: لعل وجه الكلام أن يقال: (وأبو بكر مفتون مشرّد ومضروب معذّب) لقوله بعد أسطر: (ولا سواءٌ مفتون مشرَّد لا حيلة عنده، ومضروب معذَّب لا انتصار به ولا دفع عنده...). 
7- قال في (ص47): (واعلم أن المشي إلى القِرن بالسيف ليس هو على ما يتوهمه الغِمر من الشدّة والفضل وإن كان شديدًا فاضلًا... ولكنْ معه في وقت مشيه إلى القِرن أمور تَنفَحه مشجِّعة). 
علّق هارون في الحاشية: (تنفَحه: تدفعه. ولم يُعجم من تلك الكلمة في الأصل إلا الفاء. وكلمة «مشجعة» رسمت في أصلها «مسحز». وانظر سياق الكلام). 
قلت: هذا رسمها في المخطوط:
وقد قرأها هارون: (أمور تَنفحه مشجِّعة). وأرى أن تُقرأ (أمور منفِّجة مشجِّعة)، أي تَحمله على النَّفْج، وهو الخيلاء والتعاظم. وهو من معروف لغة الجاحظ، منه قوله في «البيان والتبيين 1/273، تح هارون»: (وما نشك أنه عليه السلام قد نهى عن المراء، وعن التزيد والتكلف، وعن كل ما ضارع الرياء والسمعة، والنفج والبذخ)، وقوله في «الحيوان 3/158»: (ومن المصّ والرّشف، ومن التنفّخ والتنفّج، ومن الخيلاء والكبرياء). 
و(مشجّعة) لفظ وَفقٌ لهذا الموضع. وقد جاء في بعض كلام الجاحظ، وذلك قوله في «الحيوان 7/133»: (وإذا قوي الجاموس مع هذه الأسباب المجبّنة على الأسد مع تلك الأسباب المشجّعة). وأنصعُ من هذا قوله في «العثمانية 48»: (وإذا كان مع صاحب الإقدام من الأمور المشجّعة أمور فاضلة...) فقرنها بـ(الأمور) كما هي ها هنا. 
فأما (تَنفحه) فلا أعرفها من لغة أبي عثمان. هذا مع أنّ في انتظامها في هذا الأسلوب شيئًا من النكارة لأن العادة أن يقال في مثل هذا: (أمورٌ مشجِّعة) فقط أو (أمورٌ مشجعةٌ تنفحه). فأما توسيطها بحيث يكون الكلام (أمورٌ تنفحه مشجِّعة) فيشبه لغة الشعر لا لغة النثر. هذا مع قلّة فائدتها، خلافًا للفظ (منفِّجة) لأن فيها زيادة بيان، إذ التنفيج غير التشجيع. 
8- قال في (ص55): (وبين أن يُفردُ الله الآي ويخصُّه). 
الصواب (يفردَ) و(يخصَّه) بالنصب كما هو ظاهر. 
9- قال في (ص58): (مع أنكم تُزيدون في كثرة القتلى). 
الصواب (تَزيدون) بفتح التاء لأن ماضيه (زادَه) كما قال تعالى: ﴿فزادوهم رهقًا﴾. ولم يُسمع (أزادَه). 
10- قال في (ص111): 
(إذا تذكرتَ شجوًا من أخي ثقةٍ ** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا 
التاليَ الثانيَ المحمودَ مشهده ** وأولُ الناس منهم صدّق الرسلا). 
قلت: (وأول) لم تُضبط في المخطوط. وقد ضبطها هارون بالرفع. والوجه نصبها على الإتباع لأنه الأصل، ولا سيما أنه عطف عليه بعدُ بالنصب فقال: (وثانيَ اثنين...). 
11- قال في (ص119): (ولو كان الأمر كما قالوا ما كان أحد أعلمَ به من ابن عباس ولا أشعرَ به منه). 
علق هارون في الحاشية على (أشعر) بقوله: (في الأصل: «أسعد»). 
قلت: ما في الأصل أدنى أن يكون هو الصواب. ومعنى (أسعد) في مثل هذا الأسلوب هو (أحظّ) أو (أحقّ). ومنه قول ابن المقفع (ت145هـ) في «كليلة ودمنة 337، 338، تح عزام»: (فإن الآمر بالخير ليس بأسعد من المطيع له فيه، ولا الناصح بأولى بالنصيحة من المنصوح له بها ولا المعلّم بأسعد بالعلم من من تعلّمه منه)، وقول أبي حيان التوحيدي (ت414هـ) في «البصائر والذخائر 7/249»: (وقد تحلّى منه بأشياء كثيرة ليست خطئًا منه، وليس المعارض له بالتكفير بأسعد منه في نقل الاسم إليه). 
وأما (أشعر) فمعناها (أعلم). ولا يُعرف استعمالها في كلام أبي عثمان وأضرابه بهذا المعنى، على أنها تَكرار لمعنى (أعلم). 
12- قال في (ص128): (وإذا قال حسان بن ثابت والعجاج والحارث بن هشام وأشباههم من من ذكرنا في القَدَم والقدر...). 
قلت: لم تُضبط قاف (القدم) في المخطوط. وضبطها هارون بالفتح. والأصحّ أن تُضبط بالكسر (القِدَم) لأنه أراد نعتهم بفضيلة التقدّم في الزمان مع سموقهم في القَدر أيضًا ليكون هذا أدلّ على صحّة الاحتجاج على عراقة اسم (الصدّيق) والردِّ على من زعم (ص123) أنه مولَّد موضوع محدَث. أما (القَدم) بفتح القاف فمعناها التقدّم والسابقة. وهو قريب من معنى (القدر)، فتكون كالتكرار له. 
13- قال في (ص130): (حيث أمره أن يؤمّ الناس ويقوم مقامه في صلاته وعلى منبره حتى أن عائشة وحفصة أرادتا صرف ذلك عنه...). ومثله ما وقع في (ص176): (حتى أنه كان يطويه). 
قلت: الصواب (حتى إِن) بكسر (إِن) لأنها جملة ابتدائية. 
14- قال في (ص138): (... وإن لم تكن خُصوصيته موجودة في لفظ الحديث). 
قلت: لم تُضبط (خصوصيته) في المخطوط. وضبطها هارون بضم الخاء. والفتح أفصح من الضمّ. وقد لخّص الزَّبيدي في «تاج العروس، خصص» الكلامَ على هذا اللفظ بقوله: (والفتح أفصح كما نقله الجوهري. وبه جزم الفَناري في «حاشية المطوَّل». وهو الذي في «الفصيح» وشروحه). 
15- قال في (ص142، 143): (... وتركُ ما سوى ذلك من ما لا يُبرئ من سقم ولا يُبرِد من حيرة. وإنما الخبر الصحيح الذي لا يعتمد بضعف الإسناد ولا يُترك لضعف الأصل ولا يوقَف فيه لكثرة المعارض والمناوئ كنحو ما روينا من مآثرهم...). 
وعلّق هارون على (يعتمد) بقوله: (كذا في الأصل). 
قلت: ضبَطَ هارون (يُبرِد) هكذا. وهي لغة رديئة. والأفصح (يَبرُد) من (بَرَده). وهي من ألفاظ «الفصيح». وكذا ضُبطت في المخطوط. ومنه قول الحماسيّ: 
فإن أكُ قد بَرَدت بهم غليلي ** فلم أقطع بهم إلا بناني 
وأما (يعتمد) فهي تصحيف. والصواب (يُغتمَز)، أي يُعاب ويُطعَن فيه. ومن شَكله ما جاء في الخطبة البتراء لزياد بن أبيه (ت53هـ) التي رواها الجاحظ في «البيان والتبيين 2/63»: (فإذا تعلقتم عليّ بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، وإذا سمعتموها مني فاغتمزوها فيّ). ومنه أيضًا قول أبي عثمان في «العثمانية 167»: (... لو وجدوا غميزة أو خلافًا أو معصية لم يدَعوا الاحتجاج به والخوض فيه). 
16- قال في (ص151): (فإن كان أنس كما تقولون فقد ركب أمرًا عظيمًا وذهب مذهبًا قبيحًا. وكيف يصدُق على النبي صلى الله عليه من خُلُقه بهذا وكذَبَه في وجهه...). 
علّق هارون على (خُلُقه) بقوله: (كذا في الأصل. ولعله وجه). 
قلت: لعلّ صوابه (من خَلَفَه بهذا) أي ناب عنه وقام مقامه. وهو ما يقاوِد سياق الكلام. 
17- قال في (ص152): (حتى أقمتم خبره وحده مقام خبر من يكذب آيًا به). 
قلت: لعل صواب (آيًا به) هو (آياته). 
18- قال في (ص156): (أو يكون وزيره على جهة المؤازرة والمكاتفة والتعاون على أن كل واحد منهما وزير صاحبه ومعاونه ومكاتفه). 
قلت: كذا وقعت (المكاتفة) بالتاء مرتين. وهو خطأ، صوابه (المكانفة) بالنون، وهي المعاونة والمعاضدة. وهي ذائعة في كلام الجاحظ، منه قوله في «العثمانية 36»: (ولا كان من رهطه دُنيا فيُسبَّ بترك مكانفته ومعاونته وإرفاقه»، وقوله في «الحيوان 2/117»: (وأنّ الذي قسم ذلك لا يحتاج إلى المشاورة والمعاونة، وإلى مكانفة ومرافدة، ولا إلى تجربة ورويّة)، وقوله في «مناقب الترك» [رسائل الجاحظ 3/172]: (وعلى حسب ذلك التقارب تكون الموازرة والمكانفة). 
وقد علّق هارون على هذا الموضع الأخير بقوله: (المكانفة، بالنون: المعاونة. ومثلها المكاتفة بالتاء، كما في المعجم الوسيط). وهذا غلط منه، فإن (المكاتفة) بالتاء لفظ مولّد لا يعرفه القدماء. وربما تصحَّفَتِ (المكانفة) بالنون في بعض الكتب إلى (المكاتفة) بالتاء. 
وقد رسمها بهذه الصورة الخاطئة في «مناقب الترك» [رسائل الجاحظ 1/14] وفي «رسالة في نفي التشبيه» [رسائل الجاحظ 1/292]. 
ولفظ (المكانفة) بالنون فاشٍ أيضًا في لسان أهل ذلك العصر، من ذلك قول يزيد بن الوليد (ت126هـ) في خطبته التي نقلها الجاحظ في «البيان والتبيين 2/142»: (فإن أنا وفيت فعليكم السمع والطاعة وحسن الموازرة والمكانفة)، وقولُ هارون الرشيد (ت193هـ): (... بما التمس به أمير المؤمنين اجتماع ألفتهما ومودّتهما وتواصلهما وموازرتهما ومكانفتهما على حسن النظر لأنفسهما) [تاريخ الطبري 8/284، تح محمد أبو الفضل إبراهيم]. وقد اجتمع في كلا النصين لفظا (الموازرة) و(المكانفة) كما في نصّ الجاحظ. 
19- قال في (ص169): (فإذا كان ذلك كذلك فمَن أولى بأن يكون من المخاطبين المطاعين من أبي بكر وخليله وصفيّه). 
وعلّق هارون على (وخليله): (في الأصل: «وخاله»). 
قلت: الواو مقحمة هنا لأن أبا بكر هو (خليله). 
20- قال في (ص169): (... لو جهِدتَ أن تجد...). 
كذا ضبط هارون (جهِدت) بكسر الهاء. ولم تُضبط في المخطوط. وهو خطأ شائع. والصواب (جهَدت)، من باب (نَفَع). 
21- قال في (ص170): (وادّعوا أن هذه الأخبار كلَّها باطلٌ). 
والصواب (كلُّها) بالرفع ليكون (باطل) خبرًا لها لأنها إذا نُصبت توكيدًا لـ(الأخبار) وجب أن يقال: (باطلة) ليقع التطابق بين المبتدأ والخبر لوقوعها حين إذ خبرًا عن (هذه). 
22- قال في (ص173): (إن كنت على يقين أنك أولى بها فاجعلها شورى، بيعه وحق دعواك من باطله). 
وعلق هارون على آخر هذا الكلام بقوله: (كذا في الأصل). 
قلت: هذا رسمها في المخطوط:
وقد تكون محرّفة عن (فاجعلها شورى يتميز (أو يتبين) حقّ دعواك من باطله) أو (باطلها). 
23- قال في (ص176): (فهذا إلى أن يكون حجةً عليكم أقربَ). 
والصواب (أقربُ) بالرفع لأنه خبر (هذا). 
24- قال في (ص178): (فأقبل عليهم سهيل بن عمرو واعظًا ومعرِّبًا ومذكّرًا). 
وعلق في الحاشية: (التعريب: التبيين والإيضاح). 
قلت: لفظ (التعريب) ليس من معهود كلام الجاحظ. ولعل الصواب (ومعرِّفًا)، يشهد بذلك قوله قبلُ (ص79): (أو خائض مستريب يحتاج إلى التعريف). وهو بمعنى تفسير هارون للتعريب. وقوله أيضًا بعدُ (ص199): (فبدرهم بالخطبة محتجًّا عليهم ومعرّفًا لهم مواضع غلطهم). وقال في «الحيوان 1/37»: (وهذا كتاب موعظة وتعريف وتفقّه وتنبيه)، فجمع بين (الموعظة) و(التعريف) كما جُمع في موضعنا هذا بين (الواعظ) و(المعرِّف). وقال أيضًا في «الحيوان 1/44»: (وهو البيان الذي جعله الله تعالى سببًا في ما بينهم، ومعبّرًا عن حقائق حاجاتهم، ومعرّفًا لمواضع سدّ الخلّة ورفع الشبهة). 
25- قال في (ص197): (ومن رجل شديد في بأسه ضعيف في دينه مخِفّ في ذات يده بعيد الهمّة حاملٍ في هدوء الناس وأمنهم). 
قلت: (حامل) تصحيف، صوابه (خامل) بالخاء، يدلّ على ذلك قوله في السطر الذي يليه: (يرى أن في الهْيج ظهور نجدته وخروجه من الخمول إلى النباهة). وليس لـ(حامل) معنًى. 
26- قال في (ص200): (فما معنى قول أبو بكر). 
صوابه (أبي بكر). وكذا هو في المخطوط. 
27- قال في (ص204): (ولو أن الأنصار كانوا قد سلّموا للمهاجرين في البدء فلم يفارقوا، ولم يتمادَوا...). 
قلت: (ولم يتمادوا) تصحيف. والصواب (ولم ينحازوا)، يشهد بذلك قوله في «مقالة الزيدية والرافضة» [رسائل الجاحظ 4/315]: (ثم الذي كان من اجتماع الأنصار حيث انحازوا من المهاجرين وصاروا أحزابًا). ويجوز أن تُقرأ أيضًا (ولم ينمازوا) أي لم يتميزوا عنهم وينفصلوا. وهو من ألفاظه، فقد قال بعدُ (ص264): (وإنما البلية العظمى والداهية الكبرى أن تنماز العامّة حتى يصير بعضها مع الخاصة، وبعضها مع البغاة والظلمة). ويجوز أن يكون اللفظان لفظًا واحدًا فتصحّف في أحد الموضعين المذكورين. 
28- قال في (ص205): (كما ترى من فضل حال المنيع الرهط الجميل الرُّواء والمعافى في بدنه الكثير المال على الذليل الرهط الذميم في رُوائه المبتلَى في بدنه القليل ذات اليد). 
قلت: (الذميم) كذا في النشرة، وكذا هي في المخطوط. وهي تصحيف، صوابها (الدَّميم). وكثيرًا ما يقع الخلط بين (الذَّميم) و(الدَّميم). وفرقُ ما بينهما أن (الدّميم) بالدال: القبيح الصورة. و(الذميم) بالذال: المذموم لأي سبب كانَ. والمراد هنا (الدّميم) لأنه قال: (في رُوائه). والرُّواءُ: المنظرُ. وقابله أيضًا بالجميل الرُّواء. 
ومثلُه البيت المشهور لأبي الأسود الدّؤَليّ: 
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ** حسدًا وبغيًا: إنه لدميمُ 
فإن صواب روايته (دَميم) بالدال. 
29- قال في (ص211): (وكان لا يرى أن الفروسية أصل للإمامة). 
قلت: (الفروسية) كذا كتبها هارون، وكذلك هي في المخطوط. وهي تصحيف، صوابها (القُرَشيّة) كما هو ظاهرٌ من المعنى. 
30- قال في (ص214): (إنما هذا زَبْد من زَبْد الشيطان). 
وعلق هارون في الحاشية: (الزَّبد، بالفتح [أي فتح الزاي وسكون الباء]: الرفد والعطاء). 
قلت: صوابه (زَبَد من زَبَد الشيطان) بفتح الزاي والباء، أي هو مثلُ زبد السيل لا محصول له ولا بقاء، بل يذهب جفاءًا. 
31- قال في (ص221): (والذين نحلوا عمر العصبية رجلان: رافضي أحبّ أن يَمْقُته إلى العجم والموالي...). 
صوابه (يُمقِّته) أي يجعله ممقوتًا. 
32- قال في (ص238): (... وجعل إليه طلاق نسائه وأنه قسـم النار). 
وعلّق هارون في الحاشية: (كذا في الأصل). 
قلت: صوابه (قسيم النار). وهو حديث يُنسب إلى عليّ رضي الله عنه. والتمسْه مع تأويله في «غريب الحديث 2/150، تح الجبوري» لابن قتيبة وفي غيرِه. 
33- قال في (ص239): (إن أبا بكر كان مع النبي في الغار، وقد نطق به القرآن وثبّته الإجماع). 
قلت: (وثبّته) غير منقوطة في المخطوط. ويجوز أن تُقرأ (وبيّنه). ولعله أليقُ. 
34- قال في (ص240): (فلم يُنكِر ولم يحتجّ ولم يفرَق ولم يتعجّب). 
علّق هارون في الحاشية على (يفرق) بقوله: (الفرق: الجزع. في الأصل «ولم يعرف»). 
قلت: ما في الأصل هو الصواب. وتُضبط هكذا (ولم يُعرِّف)، أي لم يبيِّن حقيقة الأمر. وانظر الكلام على هذا اللفظ في الملحوظة (24). 
35- قال في (ص241): (إن في تسمية بنيه بأسمائهم دليلٌ على تعظيمه لهم). 
والصواب (دليلًا). 
36- قال في (ص245): (وحكم الإسلام غالٍ). 
قلت: تابع هارونُ في رسم (غالٍ) بالغين المخطوطَ. والصواب (عالٍ) بالعين. 
37- قال في (ص254): (... لم يبق حمّال أغثر ولا يطاف غثّ ولا خامل غُفل ولا غبيّ كهام ولا جاهل سفيه إلا وقف عليه ولاحاه...). 
وعلق هارون على (يطاف) بقوله: (كذا في ب. والحرف الأول مهمل في الأصل). 
قلت: لعل صوابها (بَطّال). ثم وجدت هارون أصلح ذلك إلى (بطّال) في «مقالة العثمانية» [رسائل الجاحظ 4/40] وعلّق على ذلك بقوله: (البطّال: ذو الباطل... وفي النسختين وع [وهو رمز نشرته من كتاب العثمانية]: «يطاف»، ولعل وجهه [ما] أثبتُّ). 
38- قال في (ص271): (فإن كانوا إنما حكموا على الله بفعل ذلك لأنه أسلم لهم من الخطأ وأبعد لهم من الغلط إلا أنهم قد وجدوا بذلك خبرًا قائمًا...). 
الصواب (لا أنهم وجدوا ...) وليس (إلّا) كما يوجب ذلك تفهّمُ معنى الكلام. 
وقد تمّ بذلك ما وقفت عليه من الملحوظات على هذه النشرة.