الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

أيّ اللفظين أفصح (الإشاعة) أم (الشائعة)؟

في الأفصح
كُتب في 2/ 12/ 1437هـ في نجوى خاصّة ولم يُنشر من قبل.
س: أيّ اللفظين أفصح: (الإشاعة) أم (الشائعة)؟ وهل (الأراجيف) تؤدي معنى الشائعات اليوم ؟
ج: (الأراجيف) جمع المصدرِ (إرجاف). وقد يجوز قياسًا أن تكون جمع (أرجوفة). وهي مستعملة في كلام الجاحظ وغيرِه بمعنى الشائعاتِ.
أما استعمال الناس للفظ (الإشاعة) بمعنى الخبر الكاذب أو الظَّنين أو غير المستوثَق من صحّته فقد تأتَّى لهم ذلك من خلال أمرين:
الأول: أنهم أخرجوه عن حاقِّ معناه، وهو الدلالة على الحدَث إذْ هو مصدر (أشاعَ)، فجعلوه دالًّا على لازم الحدَث، وهو المفعول به، فأمسى بمعنى (المُشاع). وإطلاق المصدر بمعنى المفعول به كثير في كلامِ العرب كقولهم: (درهم ضربُ الأمير) أي مضروبه. و(هذا الثوب نَسج اليمن) أي منسوجه و((هذا خلق الله)) أي مخلوقُه. وهو من باب المجاز المرسل ذي العلاقة التلازمية. ويجوز أن يكون إيجازًا بالحذف فيكون التقدير (الخبر ذو الإشاعة). وأَضيف إلى المصدرِ الإشاعةِ لأنه وقعَ عليه. ويجوز أيضًا أن يكون استعارةً، كأنك جعلت الخبر نفسَه، وهو الخبر الرائج في الناس، هو معنى الإشاعة نفسَه مبالغةً وتهويلًا كقولهم: (رجل عدْل) مبالغةً في نعتِه بهذا المعنى. وهذا كلُّه قياس متى وُجِدت القرينة.
الثاني: أنهم خصّصوا عموم الإشاعة بإشاعةِ الخبر الكاذب أو الظّنين دون الخبر الموثوق به واصطلحوا عرفًا على ذلك. وهذا من ما يجوز للمولَّد لأنه ليس فيه أكثرُ من تغليب استعمالِ اللفظ على بعض أفرادِه الثابتة سماعًا عن العرب، وليس فيه تغيير لدلالته أو إخراج له عن أصلِ وضعِه اللّغوي. ونظير هذا غلبة لفظ (الحاجب) على حاجب العين لأنه يحجب شعاع الشمس أو غيرَه، أو على البوّاب مع أنه ينطلق لغةً على كلّ ما يحجب غيره.
وأما لفظ (الشائعة) ففيه عملان:
الأول: تخصيص العموم كالذي عمِلوه في (الإشاعة).
الثاني: إلحاق التاء. وهذه التاء للنقل من الوصفيّة إلى الاسمية بسبب التخصيص كما في قولهم: (الطبيعة) و(السجية) و(المصيبة) وكقول الناس: (القائمة) و(المعلومة) ونحوها. وهو جائز كثير.
فقد رأيت صحة استعمال هذه الألفاظ الثلاثة، غير أن لفظ (الأراجيف) أجودُ وأحلَى لعتقِه واستعمالِه قديمًا في كلام البلغاء كالجاحظ، ولخلوِّه أيضًا من كُلفة الخروج عن الأصل.
أما الموازنة بين (الإشاعة) و(الشائعة) فهما متقاربان. وقد يقال: إن الشائعة أحسنُ لأنه اسم فاعل، فلم يخرج عن أصلِ دلالة بنيته حين دلَّ على هذا المعنى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق