السبت، 24 نوفمبر 2018

مسائل نحوية متفرقة

نُشر مفرَّقًا في تويتر وملتقى أهل اللغة وفسبك في أوقات مختلفة.
- المقالة المشهورة (سكِّنْ تسلم) ليست بصحيحة، إذ لا يجوز تسكين اللفظ الذي لم يُنقَل عن العرب تسكينُ مثله في الوصل، وذلك أن السكون علامة على الجزم كما أن الضمة مثلًا علامةٌ على الرفع، ووضعُكَ الجزمَ موضعَ الرفع أو النصب أو الجرّ يُعدّ لحنًا. 
وإنما يسكَّن المحرك في مواضع مخصوصة كالفعل الماضي المختوم بالياء نحو (نسيْ)، والمدغم إدغامًا كبيرًا نحو (يدرسْ سَعد)، والاسم والفعل إذا اتصل بهما ضمير في لغة تميم وأسد نحو (رسلْنا) (يعلمْهم).
- لا فرق بين (مقدّمة) و(المقدّمة) في أول الكتاب، فالتنكير على مجرَّد إرادة الفصل بينها وبين سائر أبواب بالكتاب ببيان جنسها، فهي (مقدّمة) وليست بابًا آخر من أبواب الكتاب. والتعريف بأل فيه زيادة معنًى، وهو العهد الذهنيّ المتعارَف، فكأن الكاتب يقول للقارئ: (المقدّمة التي قد عهدتَّ الكتُب تُصدَّر بها هي هذه).
- لاستعمال (كي) الداخلة على المضارع صور كثيرة، تقول في الإثبات: (جئت كي أتعلم) (ولكي أتعلم) و(كي أن أتعلم) و(كيما أتعلم) و(كي لِأتعلم) و(لكي أن أتعلم) و(لكيما أتعلم) و(لكيما أن أتعلم) و(كيما أن أتعلم) بالنصب، و(كيما أتعلمُ) بالرفع. وتقول في النفي: (جئت كي لا أتعلم) و(لكي لا أتعلم) و(كيما لا أتعلم) و(لكيما لا أتعلم).
- نسبَ ابن مالك وأشياعه إلى الزمخشري أنه يرى أن (لن) تفيد التأبيد. والثابت عنه أنه يراها تفيد التوكيد، قال في «المفصل»: (و"لن" لتأكيد ما تعطيه "لا" من نفي المستقبل)، وقال في «الأنموذج»: (و"لن" نظيرة "لا" في نفي المستقبل، ولكن على التأكيد)، وقال في «الكشاف»: ("لا" و"لن" أختان في نفي المستقبل إلا أن في "لن" توكيدًا وتشديدًا). فلعل لفظ (التأكيد) تصحّف على ابن مالك .على أن دلالتها على التأبيد في رأيي صحيحة إذا فهمنا أن المراد بالتأبيد أنها تدلّ عليه في الأصل ما لم ينتقض ذلك بقيد مذكور نحو ((فلن أكلم اليوم إنسيًّا)) أو مقدّر مدلولٍ عليه بالسياق نحو ((لن تراني)). ودلالة السياق في هذه الآية على التقييد هي وقوعه جوابًا لسؤاله الرؤيةَ في الحال، لأن موسى حين قال: (أرني أنظر إليك) إنما كان يطلب الرؤية في الحال لا في الآخرة، فكان نفي الرؤية مصروفًا إلى ذلك، كما لو قال لك صاحبك: (أنا في البيت، فهل لك أن تأتيني؟) فقلت: (لن آتي) فإنه سيفهم من ذلك نفيك الإتيان ذلك اليوم لا آخر الأبد.
- إذا وقعت كلمة (بنت) صفة بين علمين فالوجه عند يونس وسيبويه تنوينها إن كانت مصروفة. وذكر يونس أنه سمِع هذا عن العرب. فيقال: (هذه هندٌ بِنت زيد) على وجه صرف (هند)، وذلك لأن علة حذف التنوين قبل (ابن) نحو (محمدُ بْن زيد) هو التقاء الساكنين التنوينِ والباءِ مع كثرته في الكلام، ولم يلتقِ ساكنان في (بنت). والوجه عند أبي عمْر التنوين لأن العلّة عنده كثرتها في الكلام وإن لم يلتق ساكنان.
فتقول: (تزوج ابنُ الزبير أمَّ عمْرٍ بنتَ منظورِ بن زبّانَ الفزاريةَ) على مذهب يونس وسيبويه. وتقول على مذهب أبي عمْر: (تزوج ابنُ الزبير أمَّ عمْرِ بنتَ منظورِ بن زبّانَ الفزاريةَ).
- س: هل يجوز إسكان آخر الفعل الماضي إذا كان ياءًا نحو (لقِيْ)؟
ج: اختلف النحاة في ذلك فعده ابن عصفور من الضرائر وأجازه ابن مالك في الكلام. وهو الراجح. ومن شواهده قراءة الحسن ((وذروا ما بقيْ من الربا)) والأعمش ((فنسيْ ولم نجد له عزمًا)) وأبيات من الشعر معروفة.
- س: هل يجوز كسر همزة (إن) في نحو (أشهد إِنك مجتهد)؟
ج: الفتح في مثل ذلك هو الأصل. ويجوز الكسر على أن تكون (شهد) بمعنى (قال). وهي لغة لقيس حكاها مؤرج. أو تكون جارية مجرى القسم. وقرأ ابن عباس والحسن البصري ((شهد الله إِنه لا إله إلا هو)) بالكسر.
- س: أيُجرّ ما بعد (مذ) و(منذ) أم يرفع؟
ج: أخصر جواب لذلك أن نقول: الأجود جرّ ما بعدهما سواء كان ماضيًا أو حالًا إلا في (مذ) إذا كان ما بعدها ماضيًا، فالأجود رفعه. فمثال الجر (ما رأيته منذ اليومِ ويومين) و(ما رأيته مذ اليومِ). ومثال الرفع (ما رأيته مذ يومان) لأن (مذ) دخلت على ماض.
- س: أجد في كثير من كتب التراث نحو هذا المثال: (الأصمعي: كل مضيقٍ بين جبلينِ مأزِمٌ)، فكيفَ أقرؤه؟ أأقول: (قال الأصمعي) أم أقول: (عن الأصمعيِّ) أم ماذا؟
ج: في رأيي أنه يجوز أن يُقرأ مثلُ هذا بوجهين:
الأول: أن تضيف قبله عند القراءة كلمة (قال) على تأويل حذف المصنف لهذه الكلمة اختصارًا كما يكتبون (ص) وهم يريدون (صلى الله وعليه وسلم) ويقرءونها (صلى الله عليه وسلم). ولا تُقرأ (صاد). وكذلك سائر الاختصارات.
الثاني: أن تقرأه كما هو من غير إضافة شيء إليه، وذلك على تقدير (الأصمعي) ونحوه فاعلًا محذوفًا فعلُه لدلالة الحال.
ولا يصح تقدير حرف الجرّ كـ(عن) لأن حرف الجرّ لا يجوز حذفه في غير الضرورة.
- س: قرأت بيتًا لبعض الشناقطة الأقدمين يقول فيه:
أهلًا به من صالحٍ طامحٍ ** للخير لم -لغيره- يطمحِ
فهل يجوز هذا الفصل بين (لم) الجازمة والفعل المجزوم؟
ج: نعم، يجوز هذا في ضرورة الشِّعر. ومنه قول ذي الرّمة:
فأضحت مغانيها قفارًا رسومُها ** كأن لم –سوى أهلٍ من الوحشِ- تُؤهَلِ
- يُكتب في بعض بطاقات الأعراس (الداعيان: فلان وفلان). والأصوب أن يقال: (الداعي فلان وفلان) لأنه ينبغي أن يكون المبتدأ معروفًا لدى المخاطَب ومستقرًّا في نفسه، وكالجواب عن سؤال سأله، كأنه قال: (من الداعي إلى العرس). وهو لا يقول: (من الداعيان إلى العرس؟) لأن هذا لم يشِع بحيث يكون هو الأصل وهو العادة. وإذن تقول أيضًا: (رئيس ذلك البلد فلانة) و(معلّمنا امرأة) و(الكتب المقترحة عليك كتاب سيبويه فقط) و(الماشطة رجل) و(الشاهد الأول في تلك القضية فلانة).
- الصحيح في رأيي جواز الابتداء بالنكرة مطلقًا إذ لا فرق بين (في الدار رجلٌ) و(رجلٌ في الدار)، ولكنه ضعيف بلاغيًّا لأن الابتداء للمهمّ، و(رجل) نكرة.
- س: هل يصِحّ أن يقال: (معرفة حالِ بعضِهم البعض)؟ 
ج: نعم، يصِحّ هذا على أن يكون المصدر (معرفة) مضافًا إلى مفعولِه، ويكون (البعض) فاعلًا له مرفوعًا. وقد أجاز هذا سيبويه وغيرُه، ومنعه بعضهم.
والأجود إضافتُه إلى فاعله وذكرُ مفعولِه بعدَه منصوبًا به، فيقال: (معرفة بعضِهم حالَ بعضٍ) أو (البَعضِ).
- س: هل قال أحد بجواز إثبات حروف العلة في فعل الأمر أو المضارع المجزوم نحو (صلِّي يا رجل) و(لم تصلِّي يا رجل)؟ 
ج: أجاز ذلك الفراء في "معاني القرآن". وفيه نظر لأنه لم يقطع بسماعه عن العرب في كلامهم المنثور، وإنما ساق لذلك شواهد من الشعر. 
- تسمية الكلمة حرفًا اصطلاح شائع جدًّا في القرون الأولى عند اللغويين والنحاة. وهو الوجه الراجح الذي ينبغي أن يُحمل عليه قول النبي عليه السلام: (.. ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف).
- س: ما الذي ينقسم إلى اسم وفعل وحرف؟ أهو الكلمة أم الكلام؟ 
ج: إن شئتَ جعلتَه الكلِمةَ. ويكون ذلك من انقسام الشيء إلى جزئياتِه، أي: أنواعِه. وذلك أنَّ الاسم والفعل والحرف كلُّ واحدٍ منها يسمَّى (كلِمة). وإن شئتَ جعلتَه الكلامَ، أي: جعلتَ الكلامَ ينقسِم إلى هذه الثلاثة. ويكون من انقسام الشيء إلى أجزائِه. والمرادُ أنَّ كلامَ العرب قائمٌ على هذه الأقسام كلِّها. وليس المراد كلامَ المتكلِّم، فإنّه ربَّما قامَ ببعض هذه الأقسام كقولك: (محمد كريم) و(جاء محمد). 
ومن مّن جعلها أقسامًا للكلمةِ الزمخشري (ت538هـ) في (المفصل) وابن الحاجب (ت646هـ) في (الكافية) وابن مالك (ت672هـ) في (التسهيل). وعليه جمهور المتأخِّرين. 
ومن مّن جعلها أقسامًا للكلام المبرّدُ (ت285هـ) في (المقتضب) وابن السراج (ت316هـ) في (الأصول) والزجاجي (ت340هـ) في (الجمل) وأبو علي الفارسي (ت377هـ) في (الإيضاح) وابن جني (ت392هـ) في (اللمع) وغيرُهم. وهو أكثرُ صنيع المتقدِّمين.
- تقول عند إضافة (سنين) على إعراب جمع المذكر: (سِنُوْك). وهو الأجود. وعلى إعراب جمع التكسير:(سنينُك). وتقول: (سُنِيُّك) على لغة من يجمعها على (سُنِيّ). 
- يجوز أن تقول: (ابنُ قيسِ الرقيَّاتِ) فتضيف (قيسًا) إلى (الرقيّات). ويجوز أن تقول: (ابن قيسٍ الرقياتُ)، تجعلها بدلاً من (ابن). 
- تقول: (الله أكبرُ الله أكبر) فتضم الراء الأولى. وهو الأصح. ويجوز أيضًا (الله أكبرْ ألله أكبر)، و(الله أكبرَ الله أكبر)، فتسكن وتفتح. أما الإسكان فعلى إجراء الوصل مجرى الوقف. وأما الفتح على نقل حركة الهمزة بعد الإسكان على قياس (منَ انت). 
- أجاز ابن جني تسمية النبي عليه السلام (المُحمَّد). وأل هذه للمح الصفة. ولم يرِد هذا اللفظ وصفًا إلا في بيت واحد: 
* إذا ما قتلنا بالمحمَّد مالك * 
- س: كيف أقف على الضمير (أنتِ) للأنثى؟ هل أقف عليها بالسكون مع أن ذلك ملبِس بـ(أنتَ) للمذكّر؟ 
ج: يوقف على (أنت) بالسكون سواء أكانت لمخاطبة مذكر أم مؤنث. ويجوز أيضًا الوقف عليها بهاء السكت فتقول: (أنتَهْ) و(أنتِهْ). وهذا رافع للّبس الذي قد يعرض، وهو قليل لأنّ في قرينة الخطاب الذي يقتضي في الغالب المواجهة والإقبال ما يدلّ على نوع المخاطب. ولا يجوز الوقف عليها بالحركة كما يفعله بعض الناس. وليس لتجويز بعضهم (أنتي) وجه من السماع ولا القياس. 
- قولُ الناس: (إليك الخبرَ) ونحوُه بمعنى (خذِ الخبرَ) جائز في قول الكوفيين. أما البصريون فلا يجيزون استعمال (إليك) إلا لازمًا بمعنى (تنحّ). 
- س: ما وجه تنوين نحو كلمة (هدًى) وفتحها أبدًا في جميع أحوال إعرابها؟ 
ج: إنما نُوّنت لأنها اسم منصرف كـ(رجل) و(قلم). والألف في آخرها مبدلة من الياء، وليست ألف تأنيث. وأما فتحها أبدًا بقولك: (هذا هدَن) و(رأيت هدَن) و(علمت بهدَن) خلافًا لكلمة (رجل) مثلًا، فإنك تُحرك آخره بحسب محلّه من الإعراب فتقول: (هذا رجلُن) و(رأيت رجلَن) و(مررت برجلِن) فذلك أن الفتحة اللازمة في (هدى) هي فتحة الدال، وليست حركة الإعراب. أما حركة الإعراب فحُذفت مع الياء المحذوفة. والأصل (هُدَيُنْ)، فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا فصارت (هُدَانْ) فالتقى ساكنان الألف المبدلة من الياء، والتنوينُ فحُذفت الألف فصارت (هُدَنْ = هُدًى)، فيقال في إعرابها في نحو (هذا هدًى): خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة. 
- س: ما الصواب (لا داعيَ لكذا) أم (لا داعٍ لكذا)؟ 
ج: الوجه (لا داعيَ) من غير تنوين لأنه مبنيّ على الفتح. والأصل (داعيًا) فحُذف التنوين من أجل البناء. ولا يصح (داعٍ) لأن الياء إنما تُحذف إذا كانت ساكنة بسبب التقاء الساكنين الياء والتنوين، ولا تسكن إلا إذا كانت في محل رفع أو جرّ، وهي هنا مفتوحة في محل نصب. 
أما (لا داعٍ) فجائزة عند من يرى إعمالها عملَ ليس أو عند مَن يرى لَحاقها مهمَلة غيرَ مكرّرة. والأصل فيها حين إذ (لا داعيٌ = داعيُنْ) ثم أُعلّت إعلال (قاضٍ) فصارت (داعيْنْ) فالتقى ساكنان فحُذفت الياء فآلت إلى (داعنْ = داعٍ).
- يجوز أن تقول: (جاءت المرأتان كلتاهما وكلاهما). والأول أجود. 
- في (امرئ) ثلاث لغات
1- إتباع الراء حركة الإعراب (هذا امرؤ، رأيت امرَءًا، مررت بامرئ). وهي أجودها. 
2- فتح الراء مطلقًا (امرَأ). 
3- ضم الراء مطلقًا (امرُؤ). 
- في حركة نون المثنّى ثلاث لغات
1- كسرها أبدًا (جاء رجلانِ، رأيت رجلينِ، مررت برجلينِ). وهي الجيدة العالية. 
2- فتحها في النصب والجر (شكرت رجلينَ ولرجلينَ) عن الفراء. 
3- ضمها في الرفع (جاء رجلانُ) عن أبي عَمر الشيباني. 
- يجوز أن تقول: (عليك الصبرُ) و(عليك الصبرَ) و(عليك بالصبرِ) بالرفع والنصب والجرّ. 
- تقول: (عَمْرَك اللهَ) بمعنى أسألك باعتقادك تعميرَ اللهِ، أي بقاءَه. وهو الوجه. ويجوز (عَمْرَك اللهُ) و(عَمْرُك اللهَ). 
- الاعتلالُ لجعلهم حركة نون المثنى الكسرة وحركةَ نون جمع المذكر الفتحة، وليس العكس، اعتلال غيرُ واجبٍ لأنه اعتلالٌ للوضعِ، والأصلُ في الأوضاعِ أن لا يُعتلَّ لها لأنه مفضٍ إلى امتناعِ الحُكْمِ أو التناقضِ عندَ عدَمِ المزيَّةِ، ألا ترَى أنَّك لو أردتَّ أن تخبرَ عن مجيء أخَوينِ توءمينِ أحدُهما اسمُه محمدٌ والآخَر اسمُه خالدٌ، ولا تعلَمُ بينَهما فرقًا ولا تدري أيُّهما أكبرُ، فقلتَ: (جاءَ محمدٌ وخالدٌ) لقيلَ لك: (ولِمَ قدَّمتَ محمَّدًا؟). ولو قلتَ: (جاء خالدٌ ومحمدٌ) لقيلَ لك: (ولِمَ قدَّمتَ خالدًا؟). فلمَّا لم يكن لأحدِهما عندكَ مزيَّة علَى الآخَر وكنتَ معتقِدًا وجوبَ تقديمِ ما له مزيَّةٌ كانَ هذا يُسلِمُك إلى أحدِ أمرين: 
أحدُهما: أن تنقطِع عن الكلامِ. وهذا بيِّنُ البُطلانِ لأنَّ به فواتَ الغرض. 
والثاني: أن تقدِّمَهما جميعًا أو تؤخِّرَهما جميعًا. وهذا من المستحيلاتِ العقليَّة لأنَّ فيه تناقضًا لأنَّك لا تقدِّم الشيء على غيرِه إلا إذا كانَ غيرُه مؤخَّرًا عنه. وكذلكَ العكس. 
وإذن فلا يجبُ أن يكونَ لكلِّ شيءٍ من هذا القبيلِ عِلَّة. 
على أنّه لو أرادَ امرؤ أن يلتمسَ العِلَّة في اختيارِهم الكسرَ للمثنَّى والفتحَ للجمعِ أمكنَه أن يخمّنها، ولكنَّها عِلَّة ضعيفةٌ غيرُ مستحكِمةٍ لأنَّها قاصِرةٌ لا أفرادَ لها يُعرَف بها اطِّرادُ الحُكْمِ من عدمِه. ولذلكَ فإنَّ من العربِ -وهم بنو أسد- من يفتحُ نونَ المثنَّى كما حكَى الفرَّاء، قالَ الشاعر: 
على أحوذيَّيْنَ استقلت عشيَّةً ** فما هيَ إلا لمحةٌ وتغيبُ 
وقد فعلُوا العكسَ فكسرُوا نونَ الجمعِ اضطرارًا كما قالَ ذو الإصبَع العَدواني: 
إني أبيٌّ أبيٌّ ذو محافظةٍ ** وابنُ أبيٍّ أبيٍّ من أبيِّينِ 
وأصحُّ العِلل لذلكَ أنّهم استثقلُوا كسرَ نونِ الجمعِ فكرِهوا أن يقولوا: (جاءَ الزيدونِ) و(رأيتُ الزيدينِ) فاختارُوا الأخفَّ، وهو الفتحُ، ثم اختاروا للمثنَّى الكسرَ ليَفرُقوا بينَ النوعينِ. وبعضُهم يختارُ الأخفَّ في المثنَّى فيفتحُه كما فتحَه في الجمعِ ولا يبالي بعِلَّة الفرقِ. 
- زعم سيبويه أن حذف ياء المنقوص غير النكرة ضرورة. والصحيح جوازه. وفي القرآن ((يدع الداعِ)) ((ينادي المنادِ)) ((فهو المهتدِ)). ومنه عَمر بن العاصِ. 
- قال سيبويه: (وأما بايعته يدًا بيدٍ، فليس فيه إلا النصبُ) [الكتاب 1/ 391]، فمنعَ الرفع لأنك لا تريدُ أنك بايعتَه ويدُك في يدِه حقيقةً، وإنما تريدُ أنك بايعته بالتعجيلِ سواءٌ وضعتَ يدَك في يده أو لم تضعها. 
وفي هذه العلة نظر، وذلك أنه يجوز أن يكون هذا الكلام كنايةً غالبةً يُراد ملزومُها وإن لم يقع لازمُها في جميع أحوالها كما تقول: (فلان جبان الكلب) تريدُ أنه كريمٌ وإن لم يكن لديه كلبٌ. (قرَعَ الرجلُ سنَّه) تريدُ أنه ندِمَ وإن لم يفعل هذا. وكما جاز هنا أن يرادَ المعنى الكنائيُّ دونَ المعنى الحقيقيّ فإنه يجوز هذا أيضًا في (يدٌ بيدٍ) إذ كانَ الأصل في التعجيلِ أن يكونَ ويدُ البائع في يدِ المشتري ثم غلبَ هذا حتى صارَ كنايةً فلم يتعيَّن من بعدُ أن يوجدَ اللازم. 
ولو صحّت هذه العلّة لامتنع أن تقول: (كلمتُه فوه إلى فيَّ) إذا كلمتَه وقد مِلتَ بوجهِك عنه قليلاً لأن فاك حينَ إذٍ ليس قِبَل فيه. 
والذي أراه أن الرفع إنما امتنع لأنه ليس في الجملة رابط يعود على صاحب الحالِ. ولا مسوِّغَ لتقديرِ ضميرٍ محذوفٍ لأنَّه إنما يُقدَّر إذا كان ما قبلَه دالاًّ عليه وكان يقتضيه أيضًا كما فعلوا هذا في الخبر، قالوا: (السمن منوان بدرهم) أي: منه، لأن المنا مكيالٌ من مكاييل السمن، فكأنك قلت: (السمن جزء بدرهم)، فهو بعضُ المبتدأ، فالدلالةُ فيه إذن دَلالة الكلِّ على الجزء. هذا مع اقتضاء المبتدأ الخبرَ وطلبِه له بخلافِ الحالِ، فلا يقتضيها صاحبُها ولا يدلّ عليها. فلذلك وجبَ أن تكونَ الدّلالة عليها بالقرائنِ اللفظية. وقد عرف العربُ هذا فجعلوا لها رابطينِ رابطَ الواو ورابطَ الضمير كما قال: ((فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون)) ، وليس كذلك جملةُ الخبرِ. وربّما استغنوا عن أحدِهما اكتفاءًا بالآخَر. فأمَّا أن يستغنوا عنهما جميعًا فلا يَكونُ. 
- إن سمعت أحدًا يقول: (كان زيدٌ قائمٌ) فلا تعنّفه، فقد أجاز ذلك الجمهور على تقدير ضمير الشأن، وابن الطراوة على إلغاء عمل (كان). وله شواهد. 
- س: لم لا نعرب اسم (كان) وأخواتها فاعلًا، وخبرها مفعولًا به؟ 
ج: لأن المفعول هو الذي يقع عليه فعل الفاعلِ، فإذا قلت: (ضربَ محمدٌ زيدًا) فإن الفعل وهو الضرب وقع من محمدٍ على زيدٍ، وهذا لا يسوغ في (كان) وأخواتها لأنك إذا قلت: (كان محمدٌ كريمًا) فالفعلُ وهو الكون لم يُوقعه محمدٌ بـ(كريم) لأن الكون فعلٌ لازمٌ لا يتعدّى، والكريم هو محمدٌ نفسُه. ويزعم بعض النحاة أنه لا يدلّ على حدثٍ، وإنما يدُلّ على مجرّد الزمانِ لأنك تقول: (محمدٌ كريمٌ)، فإذا أدخلت عليه (كان) فإنك لا تعدو أن تكون نقلتَ زمان الجملةِ الاسميّة من الاستمرار إلى المضيِّ. 
- س: (لمَ) (لما) (لمَهْ) هل هذه الأوجه جائزة في الاستفهام؟ 
ج: نعم، كلها جائزة. وذلك أنه يجوز لك أن تقول: (لِمَا فعلت ذلك؟) بإثبات الألف. وقد قُرئ: ((عن مّا يتساءلون))، وقال حسان: 
على ما قام يشتمني لئيم ** كخنزير تمرّغ في رمادِ؟ 
والأكثر حذفها. فإن حذفتها فلك في الوقف عليها وجهان: 
الأول: أن تقف عليها بهاء السكت فتقول: (لِمَه). فعلى هذا تكتبها بالهاء وإن وصلت لأن الرسم موضوع على الوقف والابتداء. 
الثاني: أن تقف عليها بغير الهاء فتقول: (لِمْ) فتكتبها كذلك للعلة السابقة. 
- س: أشكل عليّ مثال التنازع (ضربني وضربت زيدًا)، فما شرحه؟ 
ج: إن أعملتَ الأول في (ضربني وضربتُ زيدًا) وجبَ رفع (زيد) فتقول: (ضربني وضربتُ زيدٌ) لأنه يطلبُه على جهة الفاعلية. والأصل إضمار المفعول،فتقول: (ضربني وضربتُه زيدٌ). وهو الأحسن. ويجوز الحذف لأنه فضلة فتقول: (ضربني، وضربتُ زيدٌ). 
وإن أعملتَ الثاني فقلتَ: (ضربني وضربتُ زيدًا) فلا يُشكِل عليه ذكر المفعول، وهو ياء المتكلم في (ضربني) لأنه إنما يجبُ حذفه إذا كان يعودُ إلى المتنازَع كقولك: (ضربتُه وضربني زيدٌ) لما يلزم منه من الإضمار قبل الذّكر لغير ضرورة لأن المفعول فضلة. أما (ضربني وضربتُ زيدًا) فياء المتكلم في (ضربني) إنما تعودُ إلى المتكلّم لا إلى المتنازَع (زيد)، فيجب ذكرُها. 
وأنصح لك بقراءة هذا الباب في (الإيضاح في شرح المفصل) لابن الحاجب، فقد أجاد في عَرضِه وتِبيانه.

هناك تعليقان (2):

  1. جزاكم الله خيرا،
    بقي عليكم من أوجه الوقف على أنتِ الوقفُ بروم الحركة.

    ردحذف
  2. السلام عليكم..
    شيخَنا أحسن الله إليكم
    هل قرأتم ردّ د. رياض الخوام على رسالتكم في تدليس ابن مالك رحمه الله؟

    ردحذف