نُشر في فسبك وتويتر في 17/ 7/ 1440هـ و 24/ 7/ 1440هـ.
هذه النشرة لـ«شرح اللمحة البدرية» مخيبة للآمال، فهي مشحونة بالتصحيف والتحريف، وقلما يخلو بيت فيها من ذلك! ولم يعتمد محققها إلا على مخطوطة واحدة ليس لها كبير قيمة وعلى الطبعتين السابقتين من غير أن يرجع إلى مخطوطاتهما الثلاث، ولم يخرج أبياتها ولا نصوصها، وخللًا غيرَ ذلك كثيرًا.
وهذا تفصيل القول فيها:
سألني بعض أصحابي أن أفصِّل ما أجملته من القول في ذمّ النشرة الجديدة لـ«شرح اللمحة البدرية» لابن هشام التي أخرجها (صالح سهيل حمودة) وأن أدلّ طلاب العلم على أخطائها، فقلت: إن هذه النشرة قد بلغت من الفساد مبلغًا لا ينفع معه التقويم. وقد حكوا أن رجلًا قرأ على الأصمعي فجعل يغلَط والأصمعي ساكت لا يردّ عليه. فقيل له: لم لا تردّ عليه؟ فقال: لو علِمت أنه يفلح لرددت عليه.
ولكني سأقتصر على بيان بعض الأصول الفاسدة التي أقيمت عليها هذه النشرة تحذيرًا للناس أن ينخدعوا ببعض المحققين الذين يتخذون من كتب التراث مرتعًا لعبثهم وجهلهم واستخفافهم ثم يحتالون لترويج ذلك بنمنمة الغلاف وتزويقه وبالأوراق الصقيلة وببعض الألفاظ الموهِمة ككَتْب بعضهم على الغلاف: (يُحقَّق على عشر نسخ خطية) أو (يُطبع كاملًا لأول مرة) أو (يُحقَّق على نسخة مقروءة على المؤلف) أو يَكتب على الغلاف أنه ألحق بالكتاب حاشية سمّاها كذا ليقع في رُوع القارئ أنه من أهل العلم وأنه جار على نهجهم، وهي لا تساوي شيئًا.
فمن هذه الأصول الفاسدة في هذه النشرة لـ«شرح اللمحة» أن المحقق (!) لم يستوف تتبّع نسخها، فلم يكلّف نفسه تحصيل النسخ الثلاث التي اعتمد عليها محقِّقا النشرتين السابقتين لكي يسبرها فيعرف منازلها وأيّها أدنى إلى الصحة وأحقّ بالتقديم فضلًا عن غيرها مع ضرورة ذلك في صناعة التحقيق ومع سهولته أيضًا عليه إذ إن اثنتين منهما محفوظتان في دار الكتب المصرية. وقد وجدت بتفتيش سريع في الشبكة نسخة رابعة مصحَّحة مقابَلة لم تُعتمَد من قبل لا في هذه الطبعة ولا في اللتين سبقتاها.
وإنما اعتمد المحقق (!) على نسخة مخطوطة واحدة وصفها بأنها كُتبت سنة 883هـ وأنها نسخة عتيقة متقنة كاملة. وقد جانب الصدق في هذه الصفات الأربع كلها، فالنسخة إنما كُتبت سنة 983هـ كما رُسِم في آخر المخطوط. وقد نصّ الناسخ على ذلك أيضًا بالحروف في آخر نسْخه للكتاب السابق له في المجموع. ولا وجه لوصفها بالعِتق وهي منسوخة في القرن العاشر! ووصفُه لها بالإتقان عجيبة أيضًا. وهيهات منها الإتقان! وأنّى يكون متقِنًا من يصحّف (المؤلّف) إلى (المواز)، و(الرماني والكسائي) إلى (الزماني والمكاني)، و(ساهيًا) إلى (شاهدًا)، و(باعد أم عمرو) إلى (عدام عمرو)، و(يُشرب) إلى (يسري)، و(النفي) إلى (البقا)، ويلحن فيكتب (وجهان) (وجهين). وأمثال هذا كثير! ووصفُه لها بالكمال ليس بحقّ أيضًا، فإن في مصوّرة النسخة التي عوّل عليها كثيرًا من الأسقاط، بعضها يصل إلى صفحتين كما في ص120 وص23، بل إلى أربع صفحات كما في ص165. على أنه لو تقصّى في البحث لوجد هذه الصفحات الساقطة ثابتةً في مصوّرة أخرى لهذه النسخة كما وجدتُّ أنا، ولكنه الكسل والاستخفاف!
وسرّ اعتماده على هذه النسخة دون غيرها هو أنها منشورة على الشبكة، فلا يحتاج تحصيلها إلى أدنى جهد.
وليته مع ذلك اكتفى بنسخها وإخراجها، إذن لكانت أخطاؤه أقلّ، ولكنه جعلَ النشرتين المطبوعتين المملوءتين بالتصحيف والتحريف نسختين معتمَدتين في نشرته، وقابل نسخته الوحيدة عليهما فتفاحش خطؤه وعظُمت جنايته على هذا الكتاب، إذ ليس من الجائز أن يوثَق بدقّة نقل محققي النشرتين السابقتين لجميع ما في المخطوطات على وجهه من غير ما نقص ولا زيادة ولا تغيير، ولا أن يُطمَأنّ إلى صحّة قراءتهما لجميع ما فيها اطمئنانًا يُغني عن مراجعة مخطوطاتها.
ومتى اعتمد المحقق على النشرات المطبوعة المشحونة بالتصحيف والتحريف ثم لم يُرزق مع ذلك فضلَ علم ولا ثقوب نظر ولا صدق نصح ولا توخّي إتقان فلا عجب أن يخرج النصّ ممسوخًا مشوّهًا على غير ما أراده مؤلِّفه. وقد ظهر ذلك بيِّنًا في أبيات هذا الكتاب إذ قلّما يخلو بيت منها من تصحيف أو تحريف. وقد اغترّ في أكثر ذلك بأخطاء المحقّقَين السابقَين في الضبط مع أنهما نصّا على أن ضبط الأبيات بالشكل إنما هو من عملهما (ط هادي نهر 1/ 228. ط صلاح رواي 1/ 148):
إذا ما الجُرح رُمّ على فسادٍ *** تبيّن فيه تفريط الطبيبِ
وفوق هذا كلّه فإنه لم يخرّج شيئًا من أبياته البتة ولا شيئًا من نصوصه إلا ما ندرَ، ولم يصنع له فهارس تُعين طلاب العلم والباحثين على سهولة الوصول إلى مسائله وشواهده! ثم لا يجد مع ذلك حرجًا أن يكتب على غلاف الكتاب (قدم له وحققه وضبط نصّه ووضع حاشيته فلان). وهذا أغيظ ما يكون كما يقول الجاحظ في شبيه بهذا الصنيع. وقد شغلَ نفسه بدلًا من ذلك بما سمّاه (الذبّ عن أبي حيّان) فكان (معترضًا لعنَنٍ لم يعنِه) كما تقول العرب، وأصبح مثَلُه:
كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت *** بني بطنها، هذا الضلال عن القصدِ
وأكثر المشكلات التي نعانيها إنما سببها إهمال كثير من الناس لأعمالهم الواجبة عليهم وتقصيُرهم فيها واشتغالهم بأعمال غيرهم التي لم يُطالبوا بها ولا يحسنونها وإن حاولوها.
وقد رأيت أن أعرض بعض الأخطاء التي وقعت في الأبيات فقط من هذه النشرة الجديدة. وهي كافية في بيان قيمتها وفي الإنباء عن ما وراءها:
1- ما أنت بالحكم الترضى *** ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل (ص37)
الصواب (الترضى حكومته) كما هو ظاهر. وكذلك هو في المخطوط والمطبوع.
2- ما كاليروح ويغدو لاهيًا فرحًا *** مشمرًا مستديمَ الحزم ذا رشدِ (ص37)
تابع في هذا نشرةَ هـ (وهو اختصار طبعة هادي نهر). وهو خطأ صوابه (مشمّر مستديمُ الحزم ذو رشد) كما في نسخة البلبيسي. وقد أخذت بها نشرة ط (وهو اختصار نشرة صلاح رواي)، أي ليس المشمر الحازم ذو الرشد كالذي يروح ويغدو لاهيًا فرحًا، كما تقول: (ما كزيد عمْرٌ). وهذا البيت من موضوعات ابن مالك. وهو على الصواب في «تخليص الشواهد 154» لابن هشام نفسه. وفي خ (وهو اختصار النسخة التي اعتمدها صاحبنا) (مشمرًا ... ذو). وهو خطأ. فالمحقق (!) هنا لم يتبع ما في مخطوطته على خطئه ولم ينبه على ذلك، ولمّا خالفها لم يُوفَّق إلى اختيار الصواب.
3- وقد بدا هنْكَ من المئزرِ (ص61)
الصواب (هنكِ) لأنه خطاب لامرأة كما هو معروف. وهو في خ (فقد). ولم يأخذ به ولا نبه عليه. و(هنك) فيها غير مضبوطة. وقد ضبطها المحقّقان السابقان بالكسر على الصواب.
4- إذا هوى في جُنّة غادرها *** من بعد ما كانت خسًا وهي زكا (ص64)
الصواب (جُثّة) كما في شروح مقصورته وغيرها، انظر مثلًا «شرح ابن خالويه 243». وكذلك هي في مخطوطتَي حفيد ابن هشام والبلبيسي وفي مخطوطته (خ) التي اعتمد عليها. وقد أخذ بذلك ناشر (هـ) فأصاب. وإنما عدل صاحبنا عن مخطوطته وأخذ بما في مخطوطة الكردي التي اعتمدها روّاي في هذا الموضع لأن روّايًا قطع بتحريف (جُثّة) جهلًا منه بوجهها، فاغترّ محققنا بذلك مع أن روايًا لم يهتد إلى تخريج هذا البيت في المقصورة وشروحها وحرّفَ (زكا) إلى (ذكا) ولم يصب في تفسيره مع أن ابن هشام فسّره قبل البيت!
5- على أحوذيين استقلت عشيةٌ *** فما هي إلا لمحة وتغيبُ (ص66)
الصواب (عشيةً) بالنصب، ظرف زمان. وكذلك هي في (هـ) و(ط) و(خ).
6- ووجوههم كأنها أقمارُ (ص77)
وهو خطأ صوابه (وجوههم) من غير واو. وكذلك جاء في (خ) و(هـ). وقد عرف محقق (هـ) تخريج هذا البيت إذ ذكر أنه وجده في «البحر المحيط»: (كأنما وجوههم أقمار)، ولكنه لم يقطع بأنه هو. وهو هو غيرَ شكّ، فقد رواه ابن داوود في «الزهرة 2/ 660» وغيرُه (وجوههم كأنها أقمار). فلم يأخذ صاحبنا في هذا الموضع بما في مخطوطته ولم ينبّه على عدوله عنها ولم تنبّهه حاشية محقق (هـ) إلى مراجعة البيت ولم يوفَّق إلى الصواب حين أخذ بما في (ط).
7- أبى الله للشمّ الألاء كأنهم ** سيوف أجاد القين يومَ صقالِها (ص97)
كذا. والصواب (يومًا صقالَها). وهي على الصواب في (خ) و(هـ). وكُتبت في (ط): (يومَ صقالَها). وهو خطأ ظاهر. وبسبب عجلة صاحبنا ألّف من هذين الضبطين هذا الضبط المتراكب الخطأ. ولو بحث قليلًا لتبيّن له أن هذا البيت من قصيدة لكثيّر عزّة رويّها لام مفتوحة ساقها ابن ميمون في «منتهى الطلب 4/ 99». وقبله:
إذا النّاسُ ساموها حياةً زهيدةً *** هي القتلُ والقتلُ الذي لا شوى لَها
8- إنما يرضي المنيب ربَّه
ما دام معنيًّا بذكرِ قلبُه (ص117)
في هذين البيتين ثلاثة أخطاء: أحدها (إنما). والصواب (وإنما). والثاني (بذكرِ). والصواب (بذكرٍ). والثالث (قلبُه). والصواب (قلبَه) بالنصب. ولو قرأ تعليق ابن هشام بعده لما تدهده في هذا الخطأ القبيح، قال ابن هشام: (وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مع وجود المفعول به، وهو "قلبه"). وقد سلِمت (خ) من هذه الأخطاء إذ وقع فيها (وإنما)، ولم تضبط الكلمتين المذكورتين. وكذلك سلمت نشرة (هـ). وإنما تابع في ذلك نشرةَ (ط). والظاهر أنه ليس خطئًا من محقّقها، وإنما هو تطبيع بسبب تقدّم حركة هاء الضمير، وذلك لأنه لما أعرب البيتين في حاشيته ذكر أن (قلبه) مفعول به منصوب. وهذا ما يوكّد لك خطر الاعتماد على النسخ المطبوعة. وهذان البيتان من موضوعات ابن مالك. وقد ذكرهما في «شرح التسهيل 2/ 128» و«شرح الكافية الشافية 2/ 610».
9- ما أمُّك اجتاحت المنايا *** كلّ فؤاد عليك أمُّ (ص125)
كذا ضبطها (أمُّك) بالضم. ولو قرأ السطر الذي بعده لوجد ابن هشام يقول: (و"أمك" مفعول مقدّم). وقد انقاد في خطئه هذا لمحقّق نشرة (هـ) في ضبطه. ولم تُضبط في (خ) ولا (ط).
10- لهفي عليك للَهفةٌ من خائف *** يبغي جوارك حين ليس مجيرُ (ص143)
والصواب (لِلهفةٍ) بكسر اللام وجرّ (لهفة). وهو من أبيات الحماسة. ولم تُضبط هذه الكلمة في (خ) ولا (هـ). وضُبطت كذلك في (ط) فتابعها على الخطأ.
11- وقد جعلت قلوص أبي جياد *** من الأكوار مرتعها قريبُ (ص147)
(أبي جياد) تصحيف عن (ابني زياد) تابع فيه (ط) و(هـ). وهذا البيت من أبيات الحماسة. وروايته هناك (ابني سهيل). وربما روي (ابني زياد). ووقع في مخطوطة (خ) التي اعتمدها (بني سهيل). وهي الأصحّ لأنها رواية ابن هشام في سائر كتبه كـ«أوضح المسالك» و«مغني اللبيب، ولم يأخذ بها صاحبنا، ولم ينبه على ذلك أيضًا، ولم يراجع مكتبة هذا النصّ، وآثر أن يواطئ الطبعتين السابقتين على الغلط.
12- بأنك ربيع وغيث مُريع *** وأنك هناك تكوُن الثّمالا (ص159)
في هذا البيت ثلاثة أخطاء: أحدها ضم ميم (مريع). والصواب (مَريع) كما في المعاجم. والثاني (تكوُن). الصواب (تكوْن) كما هو ظاهر. والثالث: أنه ضبط الثاء من (الثمالا) بالضم أو الفتح، ولم يتعيّن أحدهما لأن من المساوي الشائنة لنشرته انطماسَ أعالي الحركات بسبب تقريب الأسطر بعضها من بعض. وكلا الضبطين خطأ، فـ(الثمال) بالكسر كما في المعاجم. وقد تابع في هذه الأخطاء الثلاثة نشرة (ط) حذوَ القذة بالقذة، أي لم يعد عمله في ذلك (النسخ والإلصاق). وقد كانت (هـ) في هذا أحسن حالًا إذا سلمت من الخطأين الأولين دون الثالث.
13- إذا الجود ولم يُرزق خلاصًا من الأذى *** فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقياً (ص162)
في هذا البيت خطآن تابع فيهما (ط) من غير إعمال فكر: أحدهما (ولم). والصواب (لم). وبه يستقيم الوزن. والثاني تنوين (باقياً). وهذه ألف الإطلاق، فلا وجه لتنوينها. وليس هذا بسهو، فقد كرّره في كثير من الأبيات متابعًا في ذلك خطأ (هـ) و(ط). وهو في (خ) على الصواب. وهذا يدلّ على أن صاحبنا المحقق (!) لا يحسن فهم ما ينسخ.
ومرّ هذا البيت في موضع آخر (ص154) فأخطأ فيه خطئًا جديدًا ثالثًا، وهو أنه ضبط (لم يرزقَ) بفتح القاف المجزومة فكسر الوزن والنحو وكسر أذواقنا معه. والله المستعان! ولعل القارئ عرف سبب ذلك، وهو أنها وقعت في (ط) هكذا!
14- خرقاء يلعب بالعقول حُبابها *** كتلاعب الأفعال بالأسماءِ (ص170)
(حُبابها) بالضمّ خطأ. والصواب (حَبابها) بالفتح كما في المعاجم. وقد سلمت (خ) والنشرتان السابقتان من هذا الخطأ.
15- يَخال به راعي الحمولة طائراً (ص172)
هذا البيت من أبيات «كتاب سيبويه». وفيه خطآن: الأول (يَخال). والصواب (يُخال) بضم الياء. وقد نجت من ذلك (هـ) و(ط). والثاني تنوين (طائراً). وقد مضى بيانه.
16- وما عليك إذا ما أخبرتِني دنفًا *** وغاب بعلك يومًا أن تعوديني (ص173)
زيادة (ما) خطأ مخلّ بالوزن كما هو بيّن. وهي على الصواب في مخطوطة (خ) التي يزعم أنه معتمد عليها وفي (هـ) أيضًا. وإنما تابع في ذلك (ط) على الخطأ.
17- وخُيِّرت سوداء الغميم مريضة *** فأقبلت من أهلي بمصر أعُوُدَها (ص173)
في هذا البيت خطآن: الأول (وخُيِّرت). والصواب (وخُبِّرت) كما هو ظاهر. وهو على الصواب في المخطوطة والمطبوعتين. والثاني: (أعُوُدها). والصواب (أعُوْدها) كما لا يخفى. وقد تابع في هذا الخطأ الصريح جدًّا (ط)!
18- ما راعٍ الخِلان ذمة ناكث *** بل من وفى يِـجد الخَلَيِل خليلاً (ص176)
في هذا البيت خمسة أخطاء: الأول (الخِلان). والصواب (الخُلان) بضم الخاء. والثاني (يِجد). والصواب (يَجد) كما هو معلوم. والثالث والرابع (الخلِيْل). والخامس (خليلا) من غير تنوين. ولا يبرّئه أن منها ما قد يكون تطبيعًا لأن من واجب المحقّق أن يخرج النص سليمًا بريئًا من الأخطاء ما وسعه ذلك. وكثرة التطبيعات دليل على قلة المبالاة وعلى التقصير في المراجعة. وكالعادة فقد تابع محققنا (!) في هذه الأخطاء الخمسةِ كلها ضبطَ محقق نشرة (ط). وقد برأت من هذه الأخطاء جميعًا نشرة (هـ). ويا سلام على هذا التحقيق!
19- فرم بيديك الدهر هل تستطع *** نقلًا جبالًا من تهامة راسياتِ (ص183)
أخطأ المحقق (!) في هذا البيت ثلاثة أخطاء: أحدها زيادة (الدهر). وبها ينقصم ظهر الوزن. والثاني (تستطع). والصواب (تسطيع). والثالث جعلُه (نقلًا) أول العجز، وإنما هو آخر الصدر، فمسخ المحقق البيت بذلك مسخًا شنيعًا. وهب أن عنده مخطوطات وأنها أطبقت على ذلك أفلم يكن له من الذوق والحسّ ما ينبّهه على خطئها ويأخذ بيده إلى الصواب! وهل يعلم ما معنى تقويم النصّ في علم التحقيق؟ والصواب:
فرم بيديك هل تسطيع نقلًا *** جبالًا من تهامة راسياتِ
وهذا البيت للفرزدق. وكذلك هو في ديوانه وفي جميع المصادر.
20- تعفّق بالأرطى لها وأرادها *** رجال فهلّت نبلهم وكليبُ (ص195)
و(هلّت) خطأ محض. والصواب (فبذّت). وهذا البيت من قصيدة مفضلية معروفة لعلقمة بن عبَدة. وفي (خ) (قيدت). وظاهرٌ أنه تصحيفُ (فبذت). وهو في نشرة (هـ) على الصواب. وفي (ط) كأنها (فبلّت)، وليست بواضحة، ولكن محققها (!) أعرب في الشرح (فبذّت)، فقرأها محققنا (فهلّت)! ولقد عجبت له أنّى أُفِك عن الإصابة في هذه المسألة! أفما يصيب ولو بالغلط! وهذا يدلّك على أثر استهانته بأهمية مراجعة ما يكفي من النسخ الخطية واستهانته أيضًا بتخريج الشعر وعرضه على المصادر.
21- يا أم عمرو، جزاك الله صالحة *** ردي عليّ فؤاديَ كالذي كانا (ص200)
(فؤاديَ) بالفتح خطأ ينكسر به الوزن. وقد سلمت النشرتان السابقتان والمخطوطة من ذلك.
22- أيا جبلي نُعمان، بالله خليا *** نسيم الصبا يخلص إلي نسيمَها (ص202)
في هذا البيت خطآن: الأول (نُعمان) بالفتح. وضمه خطأ. والثاني (نسيمُها) بالرفع، فاعل. وقد سلمت نشرة (هـ) من هذين الخطأين. ووقعت فيه نشرة (ط) فقلّدها صاحبنا تقليدًا أعمى.
23- يبكيك ناءٍ بعيد الدار مقترب *** يا للكهول وللشبان للعجبِ (ص203)
(مقترب) تصحيف تابع فيه (ط). وفي (هـ): (مفترب). وفي (خ): (معترب). والصواب (مغترب) كما في جميع المصادر وكما يقتضيه المعنى. وصاحبنا كما ترى لا يكاد يُخيَّر بين أمرين إلا اختار أبعدهما عن الصواب!
24- ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأشياءِ (ص231)
نعم (الأشياء)، هكذا أثبتها المحقق (!). والصواب كما هو معروف في جميع المصادر (الأحياء). وكذلك هي في النسخة (خ) التي اعتمدها وفي الطبعتين السابقتين.
25- إلى رُدْح من الشيزى مُلاءٍ *** لباب البرَّ يُلبَك بالشَّهادِ (ص234)
في هذا البيت أربعة أخطاء: الأول (رُدْح). وصوابها (رُدُح) لأن (فَعالًا) يُجمع على (فُعُل). والثاني: (مُلاء). والصواب (مِلاء) لأنه جمع (ملآن). والثالث (البرَّ). والصواب (البرِّ)، مضاف إليه. والرابع (الشَّهاد). والصواب (الشِّهاد) بالكسر، جمع (شهد). وجميع المعاجم والمصادر على ذلك. ولم تخطئ نشرة (هـ) في هذه المواضع، وإنما أخطأت نشرة (ط) في موضعين من هذه الأربعة، فاستلبها صاحبنا منها وزاد عليها خطأين آخرين وكأنه يقول لصاحب تلك النشرة: أنا أحق بكثرة الأخطاء منك!
26- بدا لي أني لست مدرك ما مضى *** ولا سابق شيئًا إذا كان جاثياً (ص262)
هكذا (جاثياً) بالثاء والتنوين. وهذان خطآن. أما التنوين فقد مرّ بيانه. وهو متابع فيه لنشرة (ط). وأما (جاثيا) فصوابه (جائيا) كما هو معروف. وقد ثبَت هذا اللفظ على الصواب في (خ) وفي الطبعتين السابقتين.
27- من عهد عاد كان معروفًا لنا *** أمر الملوك وقتلها وقتالُها (ص264)
(أمر) خطأ. وقد خالف في ذلك مخطوطته (خ) ونشرة (هـ). وكذلك نشرة (ط) أيضًا. وكتبَ محقّقنا (!) في الحاشية: (هـ: اسر). وأقول: بل هي كذلك في مخطوطتك وفي (ط) أيضًا، ولكنك لم تحسن قراءتها. وانظر في إعراب محقق (ط) لها في الحاشية. وكذلك هي في جميع المصادر. وهو الذي يقتضيه المعنى. وهذا يوكد ما بينته من ضرورة مراجعة المخطوطات وتخريج الشواهد وعرضها على المصادر. فمن لم يفعل هذا ولا سيما إذا لم يكن له من العلم وجودة النظر ما يعتصم به فإنه مسيء عابث.
28- فلا بك ما أسألُ ولا أغاما (ص276)
كتبها (أسألُ) بهمزة وبضمة على اللام. والصواب (أَسالَ). وهي على الصواب في (خ). ووردت في (هـ): (أسأل)، وفي (ط): (أُسالُ) فأخذ صاحبنا من كل نشرة خطأها فاجتمع له خطآن لأن محقق (هـ) جعلها همزة فكسر الوزن، ومحقق (ط) لم يكسر الوزن، ولكنه جعله فعلًا مضارعًا فأفسد المعنى. وصاحبنا جمع كسر الوزن وإفساد المعنى! وهذا البيت مشهور معروف الضبط في المصادر. و(أسال) فعل ماضٍ من السيل.
ولا بد أن أقف هنا وأن أصدّ عن النظر في سائر أبيات الكتاب لأني لو فعلت ذلك لاسترسلت في الكلام استرسالًا طويلًا، فما ذكرته هنا ما هو إلا قليل من كثير. وأنا أكره أن أضيع وقتي ووقت القارئ في تبيين مساوي تحقيق لا قيمة له فأكون في نقدي لهذا التحقيق كمثل رجل أراد أن يبين ضلال ملحدٍ من الملاحدة فذكر أنه يشرب بيده اليسرى ولا يسمّي عند الأكل.
وأظنّه صار بيّنًا بلا شكّ أن هذه النشرة فاسدة من كلّ وجه أصلًا وفرعًا. ولا أحسب أن قارئًا أو طالب علم يمكن أن يثق بعد ذلك بتحقيقات هذا الرجل الذي ادّعى أنه حقّق هذا الكتاب وهو لم يجمع نسخه الخطّية مع سهولة الوصول إليها ولم يصدُق في وصف النسخة الوحيدة التي اعتمد عليها ولا أصاب في تنزيلِها منزلتها الصحيحة، وعوّل على مطبوعتين مملوءتين بالأخطاء فقابل عليهما مخطوطته تلك فتضاعف خطؤه، ثم لم يكلّف نفسه مع تقصيره الشديد هذا تخريجَ شواهد الكتاب ولا نصوصِه ولا كان من همّه أن يقرّب الكتاب للقرّاء والباحثين بصنع الفهارس الكافية له! وليس له مع هذا كلّه من حسن النظر ولطف الذوق ما ينبّهه على مواضع الزلل ومكامن التصحيف.
ولو ترك القطا لنام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق