الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

تحقيق ثبوت قراءة ((قالوا ساحران تظّاهرا))

في باب الأفعال الخمسة
نُشر في تويتر وفسبك في 19/ 1/ 1442هـ. وهو مستلّ من بحث الدكتوراه.
هذه القراءة ﴿قالوا ساحران تظَّاهرا﴾ [سورة القصص:48] من حجج بعض النحويين المتأخرين على جواز حذف نون الأفعال الخمسة لغير ناصب ولا جازم. وقد تقصيتها فوجدتها معزوّة إلى خمسة من القرّاء، هم: 
1- أبو عَمْر بن العلاء، رواها عنه اثنان: 
أ- العباس الأنصاري([1]). 
ب- أبو محمد اليزيدي([2]). 
وهي مخالفة لجميع الروايات والطرُق عن أبي عَمْر من طريق هذين الراويين عنه وغيرهما، ومنها المتواتر عن راويَيه السوسي والدوري. ومدار التفرد فيها على اثنين، أحدهما أبو محمد الفحام، فهو الذي رواها عن العباس عن أبي عَمْر، وعن اليزيدي عن أبي عَمْر. والآخر أبو خلاد عن اليزيدي، قال الداني: (وأخطأ أبو خلاد في هذا الموضع)([3]). 
2- ابن عامر من طريق ابن مجاهد عن عبد الحميد بن بكار عن أيوب عن يحيا عنه. 
وهي مخالفة للمتواتر عنه. وقد شكّك في صحة نقلها الداني فقال: (ولم يذكر ابن جرير هذا الحرف عن عبد الحميد في جامعه ولا ذكره عبد الحميد في مجرده، فلا أدري من أين نقله ابن مجاهد)([4]). 
3- الحسن البصري من طريق محبوب. حكى هذا أبو حيان في «البحر المحيط»([5]). وأراه أخذه من «اللوامح» لأبي الفضل الرازي (ت454هـ). ولم أقف عليه لأنه غير مطبوع، ولكني أصبت هذه الرواية في منظومته المخطوطة «طوالع النجوم»([6]) لأبي الحسن الديواني (ت743هـ). ورواية محبوب هذه عن الحسن تخالف ما هو أصحّ منها، وهو رواية أبي علي الأهوازي (ت436هـ) في «مفردته» التي رواها عن عيسى بن عمر الثقفي عن الحسن، فإنه لم يرو ذلك، ولا ذكره أيضًا الهذلي (ت465هـ) في «كامله» وقد روى قراءة الحسن عن خمسة من تلامذته غير عيسى، على انقطاع في سنده ذكره المحقق([7]). 
4- يحيا بن الحارث الذماري([8]). وإسناد قراءته الذي ذكره الهذلي منقطع([9]).
5- أبو حيوة([10]). وقد أخذ عن أبي البَرَهْسَم. وقد ذكر الذهبي أن إسناد قراءة أبي البرهسم هذا مظلم([11]). ومع ذلك فإنه قد تفرّد بهذه القراءة، على أنه لم يكن معروفًا بالإتقان أو حذق العربية، فلا يصح إذن الاحتجاج بها. ولهذا خطّأها القراء بله النحويين فقال عنها الكرماني: (وهو بعيد لا وجه له)([12]) وقال الهذلي: (ولا معنى له)([13]) وقال الخزاعي: (وهو غلط)([14]) وقال الداني: (وذلك لحن)([15]) وقال ابن الجزري: (ومثال ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية ولا يصدر إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط ويعرفه الأيمّة المحققون والحفاظ الضابطون... ما رواه أبو علي العطار عن العباس عن أبي عمْر ﴿ساحران تظّاهرا﴾)([16]). ومن النحويين ابن خالويه إذ قال: (تشديده لحن)([17]) والعكبري إذ قال: (وهو بعيد... وهو فاسد في العربية)([18]). 
فلا يصِحّ إذن الاحتجاجُ بقراءة أنكرها القرّاء أنفسهم وشكّوا في ثبوتها وهم أهلُ الصناعة. 
وهذا مثال على حاجة القراءات التي يحتج بها بعض النحويين إلى بحث وتحقيق، وأنه لا ينبغي أن يُقبَل منها شيء إلا بعد الاستيثاق من صحّة نقله. 
________________
([1]) «المستنير لابن سوار 2/351» و«الروضة للمعدَّل 3/292». 
([2]) «المنتهى للخزاعي 2/891» و«الروضة للمعدَّل 3/292». 
([3]) «جامع البيان 663». 
([4]) «جامع البيان 663». 
([5]) «8/312». 
([6]) «ل105 ب». 
([7]) «الكامل 1/455» الحاشية. 
([8]) «الكامل في القراءات 2/1246». 
([9]) «الكامل في القراءات 1/376». وانظر حاشيته. 
([10]) «الكامل في القراءات 2/1246». 
([11]) «تاريخ الإسلام 4/259». 
([12]) «شواذ القراءات 368». 
([13]) «الكامل في القراءات 2/1246». 
([14]) «المنتهى 2/891». 
([15]) «جامع البيان 662». 
([16]) «النشر في القراءات العشر 1/147». 
([17]) «مختصر في شواذ القرآن 114». 
([18]) «إعراب القراءات الشواذ 2/263».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق