السبت، 13 يونيو 2020

تأصيل لفظَي (اللبن) و(الحليب) في الاستعمال الحديث

في التأصيل
نُشر في تويتر وفسبك في 21/ 10/ 1441هـ.
(اللبن) في اللغة اسمٌ يشمل كلّ ما يخرج من الضرع سواء الطريُّ منه والرائبُ. 
والناس اليوم يسمُّون الطريّ الذي لم يُمخَض (حليبًا). وهو جائز، إذ أصله (اللبنُ الحليبُ) أي المحلوب، (فعيل) بمعنى (مفعول)، سمّي (محلوبًا) لأنه حديث الحلب وإن كان كلّ لبن محلوبًا. ونظيره قولهم: (ثوب جديد) أي مجدود، والمجدود المقطوع، كأن الحائك جدَّها حديثًا. وهو استعمال فصيح، ومنه قول الشاعر: 
وقعْب وجِيئةٍ بُلّتْ بماءٍ ** يكون إدامَها لبنٌ حليبُ 
فحذفوا الموصوف استغناءًا عنه. وذلك كثير جدًّا في كلام العرب كقولهم: (الطبيعة) و(الخليقة) و(الحاجب) لحاجب العين، والباب، و(المارّة) و(الكَريهة) للحرب، و(الدنيا) و(الآخرة). 
وقد سُمِع عن العرب استعمالهم (الحليب) مستغنيًا عن موصوفه كقول الشاعر: 
رويدَك حتى ينبُت البقلُ والغضَى ** فيكثرَ إقْطٌ عندهم وحليبُ 
ويسمّون الرائب المَخيض (لبنًا) مع أن لفظ (اللبن) في أصل اللغة يشمل الطريّ أيضًا. وذلك جائزٌ أيضًا، إذ ليس فيه أكثر من تغليب استعمال اللفظ على بعض أفراده. وله نظائر كثيرة، منها قولهم: (مصيبة) لما يصيب من النوائب المؤذية مع أن مقتضى لفظها أن يُطلق على كل ما أصاب، وتغليبُهم (الزكاة) على الفرض دون النافلة، و(الحجّ) على قصد مكة والمشاعر بصفة مخصوصة، و(الجِهاد) على قتال الكفّار، و(اللقيط) على الصبيّ الملقوط دون سائر ما يُلقَط، و(الذَّفَر) على الرائحة المنتنة مع أنه في الأصل يشمل الرائحة الطيّبة، و(العَرف) على الرائحة الطيّبة دون المنتنة مع أنه يشملهما أيضًا، و(الطرَب) على خفّة الفرح دون خفّة الجزع، على أنه في الأصل يشملها. ومثله تغليب العامة اليوم (الهلاك) على موت المستراح منه مع أنه في الأصل دالّ على كل موت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق