الثلاثاء، 9 يونيو 2020

إضاءات في طلب العلم والقراءة والنحو والأدب

نُشر في تويتر وفسبك في 16/ 10/ 1441هـ.
إضاءات في طلب العلم 
o لا تكن قراءتك للكتب من غير تدبّر، ولا تقتنعْ بما يُلقى إليك حتى تمتحنه، وكن بصيراً بالفَجَوات والإشكالات التي تقع في ما تقرأه من كلام. 
o يجب أن تشكّ في ما تقرأ، ولكن الشك لا يعني أن تكذّب بما تقرأ، بل الشكّ المراد هو ألا تراه حقّاً وإن بدا حقًّا، ولا باطلاً وإن بدا باطلاً، وإنما تبدأ نظَرَك فيه مُتوقِّفاً مُتحيِّراً، فليس هو عندك حقّاً ولا باطلاً حتى تعرضه على الدرس والفَحص وتستوثق من صحة أدلّته. 
o لا بدّ أن تكون عندك جرأة شديدة مَحفوفة بالحذر الشديد، وذلك بأن تكون جريئاً في مَوضع الجُرأة والإقدام حَذِراً في مَوضع الحَذَر والإحجام. ولا بدّ أن تَزِنَ هذا فلا تُغلِّب أحدهما، فمَن غلَّبَ الجرأة كان مُتهوِّراً، ومَن غلَّبَ الحَذَر كان جامداً مُقلِّداً. واعلم أنّ كثيراً من أقوال العلماء مبنية على الظنّ وأن أكثر أحكام المسائل ليست قطعيّة. 
o بعض أهل العلم يخشى أن يتجرّأ في الاجتهاد في بعض المسائل فيُخطئ. والذي ينبغي له أن يُقدِم إن كان عنده أداة العلم والنظر والاستنباط، ونحن نجد في هذه الكتب التي بين أيدينا أقوالاً كثيرة غُلِّطَت ورُدَّ عليها وهي مع ذلك تُعدّ مَذاهب ولا تزال تُحكى. وقد يكون قولٌ من الأقوال التي قال بها العالِم الفُلانيّ كان خَطَرَ على أحدٍ منّا، لكنّ ذلك العالم كان أجرأَ فقال به فصار مَذهباً وإن ضُعِّفَ أو غُلِّط بحقّ أو بباطل، ونحن كنّا أجبَنَ فصمَتنا. 
o عند بعض الناس خطأٌ في فهمه لطريقة القراءة، فهو يظنُّ أنّ القراءة يجب أن تكون على مستوىً واحد وأنّ الكلام كلّه يجب أن يُقرَأ إما قراءةً بطيئةً أو سريعةً. وهذا غير صحيح، إذ يمكن أن تمكث على صفحةٍ واحدةٍ يوماً كاملاً، ويمكن أن تقرأ مئة صفحة في يوم، وذلك أنك ستجد في غالب ما تقرأه من الكتب أنّ الكتاب يتكوّن من كلامٍ مهِمّ وكلامٍ متوسّط الأهمّيّة وكلامٍ ليس مهمّاً، فأمّا الكلام المهمّ فعليك أن تدقّق فيه وأن تتأمّله، وأمّا الكلام المتوسّط الأهمّيّة فأعطِه من العناية دون ذلك، وأمّا الكلام الذي ليس مهمّاً كالمُكرَّر والمعروف والذي فيه حشو فاقرأه قراءةً سريعة أو تجاوَزْه. وهذا أمرٌ مهمٌّ، وقد لا يُنبَّه عليه كثيراً. 
o لا يَكُن همُّك أن تقرأ الكتاب كلمة كلمة حتى تقول: إنّي قرأت الكتاب كله. فإنّك تُعَدُّ قارئاً للكتاب في رأيي إذا قرأت ٨٠٪ منه، فلا بأسَ إذن أن تتجاوز بعض الصفحات التي لا تزيدك علماً، إذ العمر قصير والكتب كثيرة. وهذا سرٌّ من أسرار القراءة. 
o إذا أردت أن تَصقُل مَلَكتك وتقوّيها فيُستحسَن أن تُكِبّ في بعض أحيانِ دهرك على علمٍ من العلوم لا تقرأ إلا فيه، فيمكن أن تتفرّغ في شهرٍ مّا للقراءة في كتاب (الأغاني) مثلاً أو للقراءة في كتاب من كتب النحو، ولا تقرأْ في أيّ كتاب آخر غيرِه ولا تَشتغِل بأيّ شيءٍ دونه، فتقرأ كلّ يومٍ مئة صفحةٍ من (الأغاني) أو مئة صفحةٍ من النحو فقط. وهذه مسألة مهمّةٌ، فاصنَعْها كلّ حين لتقوّي بها مَلَكَتك. 
o ممّا يُفيد في طلب العلم عموماً أن يكون لك اطّلاعٌ على الكتب المُوَسَّعة في العلم، فينبغي أن تقرأ فيها وألا تكتفي بالكتب التعليميّة الصغيرة المُختصَرة التي فيها كَزازة في اللفظ والتركيب، فإنّ كثيراً من طلبة العلم يَقتصِر عليها فتجدُه لا يعرفُ حقيقةَ العلم ولا مقدار سَعَته ولا يكون قادراً على التجديد فيه، ففي النحو عليك أن تطَّلع مثلاً على الكتب الموسّعة في الخِلاف والعِلَل والمُناقَشات، كـ(التذييل والتكميل)، فتقرأه مرّةً أو مرّتين بتأمّل وبتقييد للفوائد وبإعمال نظر في ما يمرّ بك من الخلاف والعِلَل، وقِس على هذا في جميع العلوم، فإنّ لهذا أثراً كبيراً. والكتب المُوَسَّعة ممتعة جدّاً لأنّك ترى فلاناً من العُلَماء يقول كذا وآخرَ يردّ عليه وثالثًا يؤيّده أو يُعارِضه، فتستمع إلى هذا وتستمتع به حتى كأنّك وإياهم في مَجلس واحد. 
o لا تكن قراءتك فوضويّة، بل لا بدّ أن يكون عندك خطّة تسير عليها وجدول فيه قائمةٌ مرتّبة من الكتب والعلوم تقرأها بالترتيب ويكون لك وِرد تسير عليه، ولا تُضِف إلى الكتب التي وضعتَها في الجدول كتابًا ليس منها إلا نادراً. 
o ينبغي في مبتدَأ طلبك للعلم أن تعرف أولًا ما أنت؟ وما طباعك؟ وما الذي يناسبك؟ وما عندك من الوقت؟ وما قدر صبرك؟ وما قوّة حفظك؟ وما الذي تحبّ من العلوم؟ 
o لا تظنّ أنّه سيُبعَث فيك النشاط والحيويّة بعد سنين وأنك ستُخلَق خلقاً آخر، لن يكون هذا بحال، بل ربما ازددت كسلاً لما سيأتيك من أشغال، فابدأ الطلب من الآن بعد أن تعرف طبيعة نفسك وما يناسبها وبحسب وسعك. 
o محبّة العلم ليست كافيةً في الاشتغال به، بل ينبغي أن تعرف هل أنت صادق الرغبة فيه جادٌّ أم لست كذلك؟ 
o اطرحْ من خيالك أن تكون عالمًا مجدّداً في عدد من العلوم المتباعدة، فإنّ ذلك لا يكاد يتأتّى لأحد، حتى من تظنّ أنه قد تأتّى له ذلك من العلماء هو في الحقيقة ليس كذلك، فغالباً تجده محقّقاً في بعضها ومُقلّداً في بعضها، وهَبْ أنه تأتّى لواحدٍ أو اثنين، فما شأننا بالنوادر؟! نحن إنما نُعنى بما يطّرد وما يُعرَف. 
o حدّدِ العلوم التي تريد أن تكون محقّقاً فيها، ولا تتعدّ علمين أو ثلاثةً على الأكثر، وحدّد العلوم التي تريد أن تكون مُشارِكاً فيها، وحدّد العلوم التي تريد أن تكون مُلِمّاً بها بعض الإلمام، ثمّ انظر في ما عندك من الوقت والهمّة والقوّة، وبناءً على ذلك ضع لك جدولاً تحرص فيه على أن تركّز بنسبة ٧٠٪ أو ٨٠٪ أو ٩٠٪على العلم الذي تريد أن تكون راسخاً فيه محقّقاً، ولا تقسّم الوقت بالتساوي بين العلم الذي هو غايتك وبين غيره، بل اجعل الغلبة لعلمك ، وأعطِ العلم الذي هو دونه ٢٠٪ وأعط غيرهما ١٠٪، وهكذا. 
o لا يأتينّك الشيطان من قِبَل الإطماع فيقولَ لك: اجعل همّتك عاليةً، ولا ترضَ من العلوم بالعلم الذي هو غايتك، بل لا بدّ أن تكون عالمًا كل العلم بتفسير كتاب الله تعالى، فهو علم شريف عظيم، ولا بدّ أن تكون في حفظك للشعر كالأصمعي، ولا بدّ أن يكون أسلوبك كابن المقفّع والجاحظ، وهكذا دواليك، فإيّاك وهذا. 
وأحسب أنّ كثيراً من طلبة العلم لو سَلِموا من هذا الخاطر لرَسَخوا في علومٍ عِدّة، لكنّ كثيراً منهم يريد أن يكون شيئاً عظيماً في كلّ شيء، فلا يكون شيئاً! 
o ركّز على علومٍ معيّنة ولا تتشتّت، ولا تترك العلوم البعيدة عن علمك، بل أخّرها إلى أن تُحكِم علمك وتجد عندك فراغاً في ما بعد. 
o لا يستخفنّك الشيطان بالأمانيّ الكاذبة، ولا تُباعِد بين واقعك وبين أمانيّك وأحلامك، بل اجعل أمانيّك قريبةً من واقعك بحيث ترتفع لها قليلاً، ولا تجعلها بعيدةً فتَهلِك. 
o لا بدّ من التخلية قبل التحلية، ففرّغ أولاً من ذهنك ما يَشغله ولا سيّما وسائل التواصل والتوافه، ومن كلّ ما يَحول بينه وبين تفهُّم العلم، فبهذا يكون ذهنك مهيَّأ ومُتقبِّلاً للعلم. 
o اجعل برنامجك وطُرائقك في الطلب سهلةً خفيفةً، ولا تشقّ على نفسك فيَثقُلَ عليك العلم، وفتّتِ الهدف الكبير إلى أهداف صغيرة، فإن هذا أحرى أن يهوّنها عليك فتدركها. 
o المتأخِّرون جمَّدوا المسائل وجعلوها قَطعِيّةً وجعلوا أحكام العلم في قَوالِب ثابتة. 
o لا يلزمُ أن تحفظَ كلّ يوم، بل قيّد كل يومٍ ما تريد حفظه وحدّد لنفسك يوماً أو يومين للحفظ ومراجعة المحفوظ. 
o لا أنصح بحفظ مختارٍ كامل أو ديوانٍ كامل وإن كان هذا جيّداً إلا أنه ليس مهمّاً، ولستَ مُلزَماً بذلك، بل احفظ ما يُعجِبك وما ترى أنه يستحقّ أن يُحاضَر به، ومع الوقت ستجد أنّك حفظت مئات الأبيات أو آلافها! ولو أنّك حفظت في كلّ يومٍ بيتين فقط لحفظت في عامٍ واحدٍ نحو ٧٠٠ بيت! 


آفات القراءة 
هذا شرح لآفات القراءة، وهي خمس، سأذكرها لك ثمّ أبيّن لك كيف تتجنّبها. 
١. ضعف التأمّل لما تقرأه
فإذا قرأت في كتابٍ ما فيجب أن تحفظ ما تصادفه فيه من لفظٍ فصيحٍ، وإن وجدت أسلوباً عالياً فيجب أن تقف عنده وأن تَطرَب له وتحفظَه أيضاً، وإن وجدت تناقُضاً من المؤلّف فيجب أن تنتبه له وتقيِّدَه، وإن وجدت تصحيفاً أو تحريفاً أو خطأً أو كلاماً له نظائر مرّت بك فيجب أن تنتبه لذلك كلّه، ويجب أن تكون قراءتك دقيقةً. وكثير من الناس يقرأ الكلام ولا يدقّق فيه ولا يفطن لإشكالاته. والدليل على هذا أنه قد تمر به تصحيفات مُخِلّة بالمعنى فلا يحسّ بها لأنه يفهم المعنى العام ويكتفي بذلك ولا يتأمل ويسأل: لماذا قال المؤلف كذا ولم يقل كذا؟ 
٢. إغفال الحفظ للمهمّ
فإذا مرّ بك شيءٌ مهمٌّ فاحفَظه. وبعض الناس في عصرنا يظنّ الحفظَ مَقصوراً على حفظ القرآن والحديث والمَنظومات، وهذا غير صحيح، بل ينبغي أن تحفظ أيضاً الشعر وتحفظ اللطائف كالمَقولات والحِكَم والإحصاءات والأمثال ومذاهب المسائل وخلافاتها، فمثلُ هذا يُحفَظ ولا يُقرَأ فقط. وطريقة الحفظ لذلك أن تضع تحته خطّاً بقلم الرصاص، ثمّ إذا انتهيت من الكتاب رجعت إلى ما وضعتَ تحته خطّاً فكررته. 
٣. ترك التقييد للنادر
إذا مرّ بك نادر في قراءتك فقيِّدْه ولا تتّكلْ على حفظك. واعتبِرْ بابن جِنّي الذي شكا مرةً من أنّه خَطَرت له خواطر فلم يُقيِّدها فنسِيَها ونَدِم، فقيِّد النادر الذي يُوجَد في غير مَظانّه، والذي يمكن أن تَبنِي عليه وتَرُدّ به وتستشهد به وتستنبِطَ منه. وطريقة التقييد بأن تتخذ لك دفاتر بحسب اهتماماتك، فإن كنت مثلاً مُشتغِلاً بالنحو مَعنِيّاً بأصوله فاجعل لك دفتراً فيه، واجعل لك دفتراً خاصّاً بالمُولَّد إن كنت مَعنِيّاً به، وهكذا، ومع الوقت تزيد الدفاتر، ولكن لا تقيِّد إلا المهمّ، ويجوز أن يمرّ أسبوع وأسبوعان وأنت لم تقيِّد شيئاً في هذا الدفتر، ولا تَشغَل نفسك بتقييد كلّ شيء، واترك المعروفَ الموجودَ في مظانّه. وإن مرّت بك فائدة عامّة أو مُستملَحة لا تحبّ أن تترَكها وليست من الفوائد التي تُقيَّد في دفاترك فقيِّدها في الصفحة الأولى من الكتاب، ولا تُكثِر. 
٤. ترك المراجعة للمحفوظ والمُقيَّد
لا بدّ أن تراجع ما حفظته كلّ حين، وذلك بأن يكون لك موعد كلّ أسبوع أو أسبوعين تُراجِع فيه ما حفظت. وأمّا ما قيّدته فأنصح لك بأن تُراجِعه رأسَ كلّ شهر، وعوِّد نفسك هذا حتى لا تنسى. وربطُه برأس الشهر مما يعين على تذكره. 
٥. قلّة تكرار الكتاب الجيّد
إذا قرأت كتاباً جيّداً هو أصلٌ من الأصول وعُمدةٌ من العُمَد فينبغي أن تكرّره مرةً أو مرّتين بل مئة مرّة إن كان يستحقّ ذلك وكنتَ ترى أنك لا تزال تستفيد من قراءته في كل مرة. 

إضاءات في النحو 
o من أراد أن يكونَ عالماً بالعربيّة فعليه أولاً أن يكون عارفاً بالقرآن حافظاً له أو لكثيرٍ منه متقناً لتجويده مطّلعاً على قراءاته، إذ القرآن هو الغاية في الفصاحة، وبمعرفته تتعرّف الأسلوب العالي وتعرف نطق الأصوات ومَخارجها. 
وقلتُ: (مطّلعاً على القراءات) لأنّه يكفيه من القراءات اطّلاعه عليها، أما التخصّص فيها فيستغرق وقتاً طويلاً ويقتضي أن تفرّغ لها ذهنك من غير شِرْكة. 
ثمّ لا بدّ أن يكون لك نصيبٌ من الأدب والشعر، فتحفظُ شيئاً من الشعر قلّ أو كَثُر على ألا يشغلك ذلك عن اهتمامك وعن علمك الأوّل. والذي أنصح به أن يكون عندك دفتر كدفتر الأصمعيّ تقيّد فيه رؤوس محفوظاتك (أوّل بيت من القصيدة مثلاً) التي تُصادِفها في كتب الأدب وغيرها، ثمّ انظر ما كتبته في هذا الدفتر كلّ يوم أو يومين أو أسبوع أو بحسَب ما يلائمك فاحفظْه في مكانه، فإنّه أيسر وأحرى لقوّة الحفظ، لأنّك إذا حفظته في مكانه وبنوع خطّه وفي صفحة معيّنة وبلون معيّن قَوِيَ عندك الربط البصريّ. أمّا إذا كتبته في دفترك فستتشابه عليك الصفحات ولن يكون هذا مُقوّياً لحفظك. 
o ليست غاية النحويّ شرحَ الآجرّوميّة والألفيّة كما يُتوهَّم، فإنّ النحو أعظم من ذلك، إذ ينبغي للنحويّ أن يُجدِّد في النحو وأن يُعيد النظر في الأصول وأن يُعالِج جميع ما يستعمله العامّة والمُوَلَّدون المُحدَثون وما يَرِد علينا من التراجِم من الألفاظ والأساليب الحديثة ومن الإشكالات اللغوية. 
o النحو في غاية اللّذاذة لمن عرفَ كيف يتأتّى له وكيف يُعامِله وكيف يتجرّأ عليه، وإلا فهو من أثقل العلوم بصدقٍ، وأنا لا ألومُ أحداً من الناس يقول: إن النحو ثقيل. بل لو قال غيرَ ذلك لكذّبته، لأنّ النحو الذي ندرسه نحوٌ ثقيلٌ جداً، لكنْ إذا درستَه على أنّ لك حَقّاً في أن تنظر فيه وتُجادِل وأن تختار من الأقوال وتستدرك من الشواهد فإنّه سيكون في غاية اللّذاذة. 
o قراءتي في مطلَع الصِّبا في (كتاب سيبويه) و(الأغاني) و(تبيان العكبري) و(لسان العرب) أفادتني إفادةً كبيرة، فقد عرّفتني العوالم الواسعة في هذه العلوم وبدأت أعرف أساليب القدماء وكيف يُباين أسلوب سيبويه مثلاً أساليب المتأخرّين وعرفت طرائقه في الاستدلال والنظر، وكانت قراءتي قديماً في الكتب التي يشتغل بها المتأخّرون قليلةً، وهذا مما جعلني أرى أنه لا يلزم أن يسير الإنسان على الطريقة المعهودة، بل إنها قد تضرّه أحياناً. 
o من المشكلات أنك تجد كثيراً من المعاصرين شرّاحاً ودارسين للنحو مَن يقول بقولٍ وهو يجهل لوازِمه، وتجد منهم من يرجّح كيفما اتّفق، وهذا قد يؤدّي إلى مشكلات، منها التناقض. فلا بدّ أن تكون له أصول واضحة مطّردة محقَّقة، ولا يتأتّى له إدراك هذه الأصول وضبطها والتمكّن منها إلا بعد سنوات، ثمّ لا بدّ من عرض فروع العلم على هذه الأصول وإجراء الأصول عليها والاطمئنان إلى صحتها واستقامتها. 
o من مشكلات تدريس النحو أن أكثره معنيٌّ به المبتدئون لا المتقدّمون، وانظر في دروس النحو على الشبكة تجد أن عامتها للمبتدئين. والمبتدئون قد شبِعوا من هذه الدروس الموجودة، وليس لمبتدئٍ عذرٌ اليوم. ثم نسأل: لماذا ليس لدينا نحاة؟! 
o يجب أن تُصرف همَمنا لتعليم المتقدّمين في النحو وأن تُنبَش مسائل النحو التي جمَدت وهمَدت وأن يُنفَض عنها الغُبار ويُنظَر في صحّتها. 
o في وسائل التواصل ألفاظٌ مُتكاثرةٌ كلّ يوم تحتاج إلى علماء باللغة والنحو والصرف يدرسونها ويقضون فيها. 

إضاءات في الأدب 
o الشعر يحتاج إلى قوّة في الشعور وإلى فَراغٍ في الذهن بحيث تظلّ تُدِيره في ذهنك وربما شغلك أياماً. وقوّة الشعور هي لِقاح الشعر. 
o لا يمكن أن تكون نحويّاً راسِخاً وشاعِراً مُفلِقاً، بل لا بدّ أن يغلِب أحدُهما الآخر. 
o المبتدئ يَبهَره اللفظ أكثر ممّا يَبهَره المعنى. 
o شوقي من عجائب هذا الزمن ومن النوادر الذين لا يتكرّرون بسهولة. 
o لا تدع القراءة في كتب الأدب أبداً، بل اقرأ كلّ يومٍ ولو عشر صفحات على ألا يَشغلَك هذا عن علمك. وعشرُ صفحاتٍ لا تَشغَل عادةً. 
o يُستحسَن أن تكون قراءتك في كتب الأدب بعد استيقاظك من النوم وبعد قراءتك للقرآن، إذ لا بدّ أن يكون لك أولًا نصيبٌ من القرآن يوميٌّ ولو صفحتين. والسبب في اختيار هذا الوقت أنّ الذهن يكون فيه صافياً. وبقراءتك لكتب الأدب فيه تطبَع عليه الكلام العالي البليغ، ثمّ خذ بعد ذلك في شأنك، وإن كان عندك وقت فاقرأ في نفس الكتاب قبل أن تنام عشر صفحاتٍ أو عشرين، واجعل باقي اليوم لعلمك. 
o مهما غُلِبتَ على شيءٍ من كتب الأدب فلا تُغلَبْ على أن تقرأ في كتاب من كتبه ولأديب من أدبائه، وهما يغنيانك عن غيرهما. أمّا الكتاب فهو (الأغاني)، فإنّه لا يُمَلّ منه ولا تنقضي فوائده، وهو مفيد في التراجم وفي معرفة حياة العلماء والشعراء والخُلفاء وفي إعطائك تصوُّراً صحيحاً لحياة القدماء وعادات العرب، وستجد فيه كثيراً من مختار الشعر، فقيّد رؤوسه لتحفظَه، كما أنّك ستجد فيه كثيراً من الأساليب والألفاظ القديمة والمُوَلَّدة وشيئاً كثيراً من النوادر لا يخطر لك على بال، كما أنّك ستجد فيه من الإمتاع شيئاً عجيباً. 
وأمّا الأديب فهو الجاحظ، فاحرص على أن تقرأ في كل كتبه. ويمكن أن تُعاوِرَ بين كتبه وبين (الأغاني) إن كنت مَلولاً، فتقرأ مُجلَّداً من (الأغاني) ثمّ مُجلَّداً للجاحظ ثم ترجع إلى (الأغاني) فالجاحظ، وهكذا. وإلّا فاقرأ (الأغاني) حتى تنتهي منه ثمّ اقرأ كتب الجاحظ حتى تنتهي منها، ثم ارجع إلى (الأغاني)، وهكذا. 

التقطها وصنّفها ونسقها: 
عبد الحميد هوساويّ 
شوّال 
1441هـ.

هناك تعليق واحد: