الجمعة، 2 يونيو 2017

مسائل إملائية في الألف اللينة

نُشرت في تويتر وفسبك وآسك في أوقات مختلفة.
- س: هل تختلف كتابة (يحيا) الفعل عن الاسم العلم؟
ج: القياس كتْب (يحيى) العلم كـ(يحيا) الفعل لأنه وإن كان قد أجري مُجرى الأسماء العربية فأُميل في بعض القراءات فقد وقع قبل آخره ياء فانبغى كَتْبه على ألف (يحيا) كما يكتب (استحيا) و(سُقيا). وذلك كراهية لاجتِوار ياءين إحداهما مستعارة لا أصل، ولكن المعروف في الإملاء كتابته (يحيى) بالياء. ثم احتجّوا لذلك بعلة الفرق بينه وبين الفعل. وهذه العلة تئول إلى علّة خشية اللبس لأنهم لم يلتمسوا التفرقة إلا بعد خشية اللبس بينهما، وإن لّا كان مجرد التفرقة بين شيئين مختلفين لغير لبسٍ عبثًا محضًا.

وهذا القول فاسد. ويُردّ من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه ليس من شأن الرسم الفصل بين المتشابهات لأن الرسم نائبٌ عن اللفظ وصورة له، فما لم يبيّنه اللفظ بنفسه فلا ينبغي أن يبيّنه الرسم. وهما في اللفظ شيء واحد كما هو معلوم.
الثاني: أن اللبس إنما يعرض بين المتماثلين اللذين تكثر بينهما الخلطة ويستعمَلان في مواضع متشابهة. وشتان ما الفعل يحيا والعلم يحيى. وما أظنهما يلتبسان قط في موضعٍ لأن الفعل لا يُسند إليه ولا يقع مواقع الأسماء، فإذا قلت: (يحيا كريم) لم يتوهّم أحدٌ أنك تريد الفعل. وإذا قلت (يا يحيا) لم يسبق إلى فهم أحد أنك ناديتَ الفعل إذْ كان الفعل لا ينادَى. وقِس على هذا ما شئتَ.
الثالث: أنه لو صحّ هذا المزعم وسلّمنا بوقوع اللبس بين العلم الموافق للفظ الفعل والفعلِ لكان يجب أن يُفصل بين كل ما كان على هذا النحو بعلامةٍ ما يُحدثونها فيفرقوا بين أحمد العلم وأحمد الفعلِ. وكذلك يزيد ويشكر وغيرها.
ثم يلزمهم أن يفرقوا أيضًا بين كل علم وما نُقل منه فيخالفوا بين محمود العلم ومحمود اسم المفعول، وبين صَخر العلم وصخر اسمِ الجنس. وكذلك فضل وصالح ومحمد وكل علم منقول إذ لا فرق بين القبيلين!
فتبين بهذا سقوط هذه الحجة التي أدلَوا بها وزيفُها.
والحقّ أن مجيء (يحيى) على هذه الصورة منبتًّا عن نظائره ليس إلا اتّباعًا لرسم المصحف. ورسم المصحف ليس كله جاريًا على القياس.
ولهذا أرى كتابة (يحيا) العلم هكذا كما يُكتب الفعل.
- س: هل من وجه لرسم الفعلين (دعَا) و(عفَا) بالياء (دعَى)، (عفَى) كما في بعض المخطوطات؟ 
ج: أما (دعَا) فالمشهور أنه واويٌّ. وما كان كذلك فإنه يُرسم بالألف، غير أن بعض اللغويين حكى أن من العرب من يقول: (دعيت) فيجعل لامها ياءًا. فعلى هذه اللغة يجوز رسمُها بالياء أيضًا (دعَى).
وأما (عفا) فواويّ لم يرد فيه غيرُ ذلك، فلا يُرسم إلا بالألف بإجماع العلماء إلا ما كان من أبي الطيب الوشَّاء (ت325)، فإن ظاهر قولِه إجازة رسم ما أصلُه الواوُ بالياء وإن لم يكن مكسور الأول ولا مضمومه. ولا وجه لذلك، خلافًا لما كان أصلُه الياء كـ(بنَى) و(مشَى)، فقد أجاز رسمه بالألف (بنَا) و(مشَا) جماعة من العلماء، واختاره أبو علي الفارسيّ لأن فيه رجوعًا إلى الأصل.
- س: ما الصواب في رسم جمع (قوّة) أهو (قُوَى) أم (قُوَا
ج: مذهبُ جمهورِ النّحويين والصرفيّين واللُّغويّين أن تركيب (القُوّة) من (ق و و)، فالواو الثانية أصلٌ لا بدَلٌ. وما كان كذلك فإنه يُرسمُ عند البصريِّين بالألف مطلقًا كـ(العِدا) و(الرِّبا) و(الضُّحا) و(العُلا) ونحوِهنّ. فعلى هذا ترسمها (القُوا).
ويجوز رسمها بالياء (القُوى) على ثلاثة أوجه من التأويل:
١- موافقة صاحب العين وبعضِ من قفَّى على أثرِه من أصحابِ المعاجم من من يرى أن ألفها بدل من الياء، إذ هي عندهم من تركيب (ق و ي) لا من (ق و و).
٢- متابعة رسم المصحف لقوله تعالى: ((علّمَه شديدُ القوى)). وإنما رُسمت في المصحف بالياء لتشاكلَ جاراتِها كما فعلوا في (الضُّحى) و(سجى) ونحوِهما، وحدُّهما أن يُكتبا بالألف (الضُّحا) (وسجا) لأنَ أصلهما الواو.
٣- الأخذ بقول الكوفيين إذ يرون رسمَ كل ما كان على (فُعَل) بضمّ الفاء أو (فِعَل) بكسرها على ياء وإن كان أصل ألفه الواو.
وإذن يجوز أن ترسمَها (القُوا) بالألف. وهو الوجه الشريف الجيِّد. وأن ترسمها (القُوى) بالياء. وهو صالحٌ وإن كانَ دون الأوّلِ. وقد نصّ على ذلك ابن خالويه (ت370هـ) مبيِّنًا الوجهَ الأخيرَ المذكورَ فقال: (فعلى مذهب الكوفيين يُكتب [القُوى] بالياء لانضمام أوله. وعلى مذهب البصريين بالألف [القُوا] لأن ألفَه مبدلة من واو) [شرح مقصورة ابن دريد ص185].
- تُرسم (الضُّحا) بالألف على مذهب البصريين لأن أصلها واو. وتُرسم بالياء (الضُّحى) على مذهب الكوفيين لأنها مضمومة الأول وإن كان أصلها واوًا. وهي في الحالين تُسمى ألفًا مقصورة. وتسميتها ممدودة إذا رُسمت ألفًا (الضحا) خطأ، وإنما الممدودة نحو (الضّحاء)، قال ابن خالويه: (أهل الكوفة يكتبون ذوات الواو إذا انضم أول الاسم أو انكسر بالياء نحو (الضُّحى) و(الرِّضى) و(العِدى) بالياء. وأهل البصرة بالألف على القياس). وقال المبرد البصري: (والضحا يكتب بالألف لا غير).
قلت: بعض من يأخذ بمذهب البصريين هنا يرسم (الضحا) بالياء فيلفق بين المذهبين!
- زعم ابن خالويه أن (الصَّدا)، وهو الصوت الذي يجيبك في بهو، ونحوِه يكتب بالألف لأنهم قالوا: صدا يصدو إذا صاح. ثم قال: وهذا غريب، فاعرفه!
- س: ما الصحيح في رسم جمع (دُنيا) أهو (دُنا) أم (دُنَى
ج: يجوز فيها الوجهان:
١-(دُنا). وهو الأصح لأن أصلها واو.
٢-(دُنَى). وهو مذهب الكوفيين، يكتبون كل ما كان مكسور الأول أو مضمومه على صورة الياء وإن كان أصله الواو، نحو (العِدى) و(الرُّبى).
- قولهم: (لَحَى فلانٌ فلانًا) بمعنى (لامَه) يائي اللام وواويّها. والياء أجود. ويجوز أن ترسمها أيضًا (لحَا) على لغة الواو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق