في معاني الشعر
نُشر في ملتقى أهل اللغة في 24/ 1/ 1431هـ.
من معاني الشِّعر ما أقِف عنده أردِّد النظرَ فيه وأتأمَّل وجوهَ الحسنِ في مطاويه. ومنها معنًى رأيتُه شائعًا عندَ الشعراء كثيرَ الدروان في شعرِهم، وهو حبُّ المرءِ الشيءَ لعَلاقةٍ تربطه بالمحبوبِ.
فمن ذلكَ:
حبُّ الأرضِ التي يسكنها المحبوب كما قال مجنون بني عامر:
أمرُّ على الدِّيار ديارِ ليلَى ** أقبِّل ذا الجدارَ وذا الجدارا
وما حبُّ الدِّيار شغفنَ قلبي ** ولكن حبُّ مَن سكنَ الدِّيارا
وقالَ سَوَّارُ بن المضرَّب السَّعدي:
أحبُّ عُمان من حبِّي سُليمى ** وما طِيِّي بحبِّ قُرَى عُمانِ
وقالَ نُصيب:
لقد زادني للجفْرِ حبًّا وأهلِه ** ليالٍ أقامتهنَّ ليلى على الجَفْرِ
وقالَ الآخَر:
أُحِبُّ الأرضَ تسكنُها سُليمَى ** وإن كانت توارثُها الجُدوبُ
وما دهري بحُبِّ ترابِ أرضٍ ** ولكنْ مَن يحُلّ بها حبيبُ
وقال الآخر:
وأنتِ التي حبَّبتِ شغبًا إلى بدا ** إليَّ وأوطاني بلادٌ سِواهما
ومنه حبُّ ممَن يجتمِع والمحبوبَ في نسبٍ كما قالَ جميلٌ أيضًا:
وقالوا: يا جميل، أتَى أخوها ** فقلتُ: أتى الحبيبُ أخو الحبيبِ
أحبُّك أن نزلتَ جبالَ حِسمَى ** وأن ناسبتَ بثنةَ من قريبِ
وكما قالَ الحسينُ بنُ مطيرٍ الأسديُّ:
ومِن بيِّناتِ الحُبِّ أن كانَ أهلُها ** أحبَّ إلى قلبي وعينيَّ من أهلي
وكما قال الآخر:
أحِبُّ بني العوَّام من أجل حبِّها ** ومن أجلها أحببتُ أخوالَها كلبا
ومنه حبُّ مَن يجتمعُ والمحبوبَ في صفةٍ كما قالَ مسلمُ بنُ الوليدِ:
وأحببتُ من حبِّها الباخليـ ** ـنَ حتى ومِقتُ ابنَ سلمٍ سعيدا
على سبيلِ الذمِّ لابنِ سلمٍ. وهو بيتٌ طريفٌ.
وكما قالَ الآخَر:
أحبُّ لحُبِّها السودانَ حتى ** أحبُّ لحبِّها سودَ الكلابِ
وكما قالَ جميلٌ:
أحبُّ الأيامَى إذْ بثينةُ أيِّمٌ ** وأحببتُ لما أن غنِيتِ الغوانيا
وقالَ الحماسيُّ:
فأقسمُ لو أني أرَى شبَهًا بها ** ذئِابَ الفلا حبَّت إليَّ ذئابُها
وفي رواية المرزوقي والتبريزي: (أرَى نسَبًا لها).
وقد شطَّ الهوَى أبعدَ الشططِ بأبي الشيصِ الخُزاعيِّ حين قالَ:
أشبهتِ أعدائي فصِرتُ أحبُّهم ** إذْ صارَ حظِّي منكِ حظِّي منهمُ
وهو في الحقِّ بيتٌ طريفٌ جارٍ على مذهبِ الشُّعراء في حبِّ المبالغة وتطلُّبِ الإغرابِ!
ومنه حبُّ مَن يُحِبُّ المحبوبَ كما قال دِعبِل الخزاعي:
أحبُّ قَصيَّ الدارِ من أجلِ حبِّهم ** وأهجُرُ فيهم زوجتي وبناتي
ومنه حبُّ اسمِ المحبوبِ كما قالَ جميلُ بنُ معمرٍ:
أحبُّ من الأسماء ما وافقَ اسمَها ** أو اشبهَه أو كان منه مدانيا
ومنه حبُّ تابعِ المحُبِّ لتابعِ المحبوبِ كما قالَ المنخَّل اليشكريُّ:
وأحبُّها وتحبُّني ** ويحبُّ ناقتَها بعيري
وما هذه إلا أمثلة لهذا المعنى. ولو تتبع أحدٌ شواهده لوجدها أكثر من ذلك.
رائع. بارك الله فيك
ردحذفجميل
ردحذفانت رائع بحق