الأربعاء، 15 مارس 2017

الألفاظ التي لم تُسمع إلا في بيت واحد من الشعر

من رواية اللغة وكتبها
نُشر في ملتقى أهل اللغة في أوقات متلاحقة أولها 11/ 5/ 1432هـ.
لم يدع سلفنا الكرام من علماء العربيّة سبيلًا ذلولًا ولا وعْرًا يعلمون أن فيه خدمة للعربيّة وحفظًا لها إلا سلكوه، لا يألون في ذلك جهدًا ولا يدّخرون عنه مُنفِسًا. والشواهد على ذلك كثيرة متوافرة أجتزئ منها في هذه المقالة بشاهد واحد، وهو سَرْد ما وقفت عليه من ألفاظ اللغة التي ذكروا أنّهم لم يجدوا اللفظ منها بمعناه الذي استُعمل به إلا في بيت واحد من الشِّعر. وذلك دالٌّ على تمام تقرّيهم وجودة تقصّيهم لأنهم إذا كانوا لم يسمعوا هذه الألفاظ إلا في بيت واحد من الشّعر فمقتضى ذلك أنهم سمعوا غيرَها في أبيات كثيرة.
على أنّي لم أتكلّف البحث عن هذه الأمثلة التي أنا موردُها ولا جمعَها، وإنما كنت أقيّد ما ألقاه منها حينًا بعد حينٍ حتى اجتمع لي منها طائفة صالحة. وقد مرّ بي غيرُها أيضًا فأغفلت تقييدها تفريطًا مني.
فمن ذلك:
- في (شرح المفضليات) لأبي محمد الأنباري عن أحمد بن عبيد:
(ولا يكون التأبين للأحياء. ولم يجئ في شيء من أشعار العرب إلا في بيت الراعي، فإنه قال:
فرفّع أصحابي المطيّ وأبّنوا ** هنيدةَ فاشتاقَ العيونُ اللوامحُ).
- في (المحكم) لابن سيدة:
(قيل: جاء الأخطل بحرفين لم يجئ بهما غيرُه. وهما التِّينانُ الذئب. والعيثوم أنثى الفِيَلة).
- في شرح (ديوان امرئ القيس) للسكري:
(قال: والحال: موضع اللِّبد. قال: ولم أسمع به إلا في هذا).
قلت:
يريد بيت امرئ القيس:
* كُميتٍ يزِلّ اللِّبد عن حال متنِهِ *
على أنه سُمِعَ.
- في (شرح الفصيح) لابن خالويه:
(قال الأصمعي: لم أسمع بالصَّيدن أنه الثعلب إلا أنه في بيت كثيِّر، قال:
كأن خَليفَي زورها ورحاهما ** بَنِي مكَوينِ ثُلّما بعد صَيدنِ).
قلت: وهو في (الوحوش) للأصمعي بقريب من هذا اللفظ.
- في (المحكم) لابن سيدة ذكر أن ابن الأعرابي أنشد قول الفِند:
تركتُ الخيلَ من آثا ** رِ رمحي في الثُّبا العالي
وقالَ: (الثُّبا: العالي من مجالس الأشراف. وهذا غريبٌ نادرٌ لم أسمعه إلا في شعر الفِند).
- في (الشرح المنسوب إلى التبريزي للّامية المنسوبة إلى الشنفرى):
(وأحاظةُ في ما ذكر أحمدُ بن يحيى قبيلةٌ من الأزدِ. وقال لي غيرُه: هي قبيلة من اليمَن. ولم يعرفها أبو العباس محمدُ بنُ يزيد. ولم أسمع باسمها إلا في هذا الشعر).
- في (التمام في تفسير أشعار هذيل) لابن جني قالَ عند قولِه:
إذا ما قتلنا بالمحمَّدِ مالكٍ ** سراةَ بني لأيٍ فزاح غليلي
قال: (المحمَّد الذي يُحمد من الرجال. لم يمرُر بي هذا اللفظ صِفةً إلا في هذا الموضع).
- في (اللِّسان):
(قالَ الأغلب العجليُّ:
* غِرٍّ جُنافيٍّ جميلِ الزِّيِّ *
الجُنافي: الذي يَتجانف في مشيته، فيَختالُ فيها ... وقالَ شمر: ...، ولم أسمع جُنافيًّا إلا في بيتِ الأغلب).
- في (المخصص) لابن سيدة:
(قالَ أبو عليّ: ولم أسمع بالقِنَّسْرِيِّ إلا في شعر العجاج:
* أطَرَبًا وأنت قِنَّسْرِيُّ *
والقِنَّسرِيُّ: الكبيرُ السِّنِّ).
- في (اللِّسان):
(قال ابن بَرِّي: والحَفيضة: الخَليَّة التي يُعسَّل فيها النَّحلُ. وقال: قال ابن خالويه: وليست في كلامهم إلا في بيت الأعشَى، وهو:
نَحْلًا كدَرداقِ الحفيضةِ مَرْ ** هوبًا له حولَ الوَقودِ زَجَلْ).
- في (شرح القصائد السبع) للأنباري:
(قال الشاعر:
لها رطلٌ تكيل الزّيتَ فيه ** وفلاّحٌ يسوق بها حِمارا
ولم يُسمَع (الفلاّح) المُكارِي [أي: بمعنى المُكاري] إلا في هذا البيت).
- وفي (شرح القصائد السبع) أيضًا:
(قال أبو عبيدة: هذه كلمة قلَّما وجدنا لها شاهدًا في كلامهم، أن يقال للنِّعَم: أيامٌ. إلا أن عَمْر بن كلثوم قد قال: وأيامٍ لنا غُرٍّ طِوالٍ، فقد يكون جعلَها غُرًّا طِوالاً لإنعامهم على الناس فيها).
- في (تاج العروس):
(وأنشدَ أبو زيدٍ في نوادره للبَعيث في الشَّمَل بالتحريك:
وقد ينعَش الله الفتى بعد عثرةٍ ** وقد يجمع الله الشتيتَ من الشَّمَلْ
قال أبو عَمْرٍو الجرميّ [كذا. والصواب أبو عُمَر]: ما سمِعتُه بالتحريك إلا في هذا البيت.
- وفي (التاج) أيضًا:
(قيل: أراد بالصَّالبِ الصُّلبَ. وهو قليل الاستعمال. قاله ابن الأثير. قال شيخنا: قلتُ: زعم غير واحد أنه لم يُسمع في غير هذا الشعر. انتهى. قلتُ [القائل الزَّبيدي]: بل قد ورد في شعرٍ غيرِه:
* بين الحيازيمِ إلى الصّالبِ * ).
- وفي (التمام) لابن جني:
(وفيها:
* يمشون بين نابلٍ ودارقِ *
استعملَه كتارسٍ من التُّرس. ولم أسمعه من الدرقة إلا هنا).
- في (الإبل) للأصمعي:
(قال علقمة:
قد عُرّيت زمنًا حتى استطفّ لها ** كِترٌ كحافة كِير القين ملمومُ
قال: ولم أسمع بالكِتر إلا في هذا البيت).
- في (شرح ديوان عدي بن الرِّقاع العاملي) لثعلب:
من اللواتي إذا استقبلن مهمهةً ** نجَّينَ من هولها الركبانَ والثَّقَلا
وزعمَ أنه لم يَسمع تأنيث (المهمهة) إلا في هذا البيت. وهي الأرض البعيدة الأطراف).
- في (شرح مقصورة ابن دريد) لابن خالويه:
(بسَروِ حِميَر أبوالُ البِغال به ** أنَّى تسدَّيتِ وهنًا ذلكِ البِينا؟
أبوالُ البِغال في هذا البيت (السَّراب). وهذا حرفٌ غريبٌ حدّثناه أبو عُمَر الزاهد).
- في (شرح ديوان الحطيئة) لابن السكيت:
(ولم يأت الصَّناع إلا في بيت لصخر الغيّ:
[ولا أرقعنّك رقع الصديـ ** ـع لاءم] فيه الصَّناعُ الكتيفا).
- في (وشي الحلل) للبلي:
(قال النمَري: ليس في كلام العرب بيت مرفوع كلّه إلا قول المتلمس:
فهذا أوانُ العِرضُ حيٌّ ذبابُه ** زنابيرُه والأزرقُ المتلمّسُ).
قلت: في روايةٍ.
- في (التهذيب) للأزهري:
(وأنشد غيره [أي غير الكسائي] عن قُرَيبة الأعرابية:
قعيدَكِ عَمرَ الله يا بنت مالكٍ ** ألم تعلمينا نعمَ مأوَى المعصِّبِ
قالَ: ولم أسمعْ بَيتًا اجتمع فيه العَمْر والقَعيد إلا هذا).
قلت: قد سُمع في بيت أنشده أبو عمْر الشيباني في (الجيم).
- وفي (التهذيب) أيضًا:
(وأنشد ابن الأعرابي لكُثَيِّر:
أَتِيٌّ ومفعوم حَثيث كأنه ** غُروب السواني أترعتها النَّوَاضِح
قال: وهو مثل قوله:
* ألناطق المبروز والمختوم *
قال: ولم أسمعه إلا في هذا).
- وزد على ذلك الألفاظَ التي تفرد بها عمْر بن أحمر الباهلي. وقد عقد لها ابن جني بابًا في (خصائصه) عنوانه (باب في الشيء يسمع من العربّي الفصيح لا يسمع من غيره).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق