الجمعة، 21 يوليو 2017

مقدمة تعريفية بعلم الإملاء

نُشر في ملتقى أهل اللغة في 30/ 7/ 1429هـ مقدمةً لدروس الإملاء.
- تعريفُه :
هو علمٌ تُعرفُ بهِ أصولُ رسمِ الحروفِ العربيةِ من حيثُ تصويرُها للمنطوقِ.
- أسماؤه:
يسمَّى قديمًا (الكِتَابَ) و(الكِتابةَ) و(الخطَّ) و(الهِجاءَ) و(الرَّسمَ) و(تقويمَ اليدِ). واصطلحَ المتأخِّرونَ على تسميتِهِ بـ(الإملاءِ) لأنَّ الإملاءَ من قِبَلِ المعلِّمِ من مَّا يُمتحَنُ بهِ المرءُ في أماكنِ التعليمِ ليُعرفَ مبلغُ إتقانِهِ لهذا العلمِ.
- واضعُه:
لا يُعرفُ على وجهِ القَطْعِ واضعُ الحروفِ العربيةِ. وكانتِ الحروفُ العربيةُ قبلَ الإسلامِ خاليةً من النَّقْطِ معَ تشابهِ صُوَرِها، وذلكَ لقلةِ الكتابةِ يومَئذٍ وقلَّةِ أهلِها. وكانوا يستعينونَ على التفريقِ بينَها بزيادةِ بعضِ الأحرفِ ككتابتِهم (مئة) هكذا (مائه) وكتابتِهم (ألئك) هكذا (أولئك).
فلما جاءَ الإسلامُ وانتشرتِ الكتابةُ وخِيفَ اللَّبسُ ابتدعَ أبو الأسودِ الدؤليُّ (69 هـ) صورَ الشَّكْلِ الفتحةَ والضمةَ والكسرةَ وصورةَ التنوينِ غيرَ أنها كانت جميعًا على هيئةِ نُقَطٍ معيَّنةٍ (.).
فلمَّا جاءَ نصرُ بنُ عاصمٍ الليثيُّ (90 هـ) ويحيا بنُ يعمَرَ العَدوانيُّ (129 هـ) ابتدعَا بأمرٍ من الحجَّاجِ بنِ يُوسفَ نَقْطَ الحروفِ، فبدَلَ أن كانتِ الباء والتاء والثاء لها صورةٌ واحدةٌ أضحَى لها ثلاثُ صُوَرٍ. وهكذا سائرُ الحروفِ. وبذلكَ أصبحتِ الحروفُ نوعينِ: حروفًا منقوطةً. وتسمَّى مُعْجَمةً. وحروفًا غيرَ منقوطةٍ. وتسمَّى مُهمَلةً.
ثمَّ خلفَهم الخليلُ بنُ أحمدَ (170 هـ) فابتدعَ الهمزةَ (ء) والشدَّةَ ( ّ) وغيَّرَ صُوَرَ الحركاتِ والتنوين إلى الصورِ المعروفةِ الآنَ ( َ ُ ِ) و ( ً ٍ ٌ) حتى لا تلتبسَ بالنُّقَطِ. وكان المصحفُ الشريفُ مرسومًا بغيرِ شَكلٍ ولا نَقطٍ. فلما تمَّت صورةُ الرسمِ بنُقطهِ وشَكلِهِ أُجريَ هذا على المصاحفِ من بعدُ وانتشرَ في الكتابةِ عامّةً.
- أهمّ كتبه :
لعلَّ أقدمها "أدبُ الكاتب" لابنِ قتيبةَ، فقد أفردَ للإملاءِ فصلاً سمَّاه "تقويمَ اليدِ". ومنها "الخط" لابن السراج، و"الجمل في النحو" للزجَّاجيِّ، ففيه بابٌ سمَّاه "باب أحكام الهمزة في الخط"، وله أيضًا كتاب مفرد اسمه "كتاب الخطّ". و"كِتاب الكِتَابِ" [هكذا، وليس الكُتَّاب] لابنِ دُرستويهِ، و "باب الهِجاء" لابن الدهَّانِ. هذا غيرُ كتبِ رسْم المصاحفِ ككتابي "النَّقط" و"المقنع"، كلاهما لأبي عمْر الداني. وغيرُ كتبِ النحوِ والتصريفِ التي عرَضتْ له كـ"شافيةِ" ابن الحاجب ، و"تسهيل" ابنِ مالكٍ ، و"همع الهوامعِ" للسيوطيِّ.
أما العصرُ الحديثُ فمن أهمِّ كتبه كتابُ "المطالع النصرية" لنصر الهوريني و"كتاب الإملاء" لحسين والي و"رسم المصحف" لغانم الحمد.
- فضلُه:
ليس شيء من العلوم يحتاج إليه الناس كحاجتهم إلى الإملاء، وذلك أن الجهل بها لا يغضُّ في الغالب من قدرِ المرء ولا يضَع من شأنِهِ. أمَّا الإملاءُ فالخطأ فيهِ عيبٌ لصاحبِهِ ودلالةٌ على نَقصٍ فيهِ. لذلكَ كانَ حقًّا على كلِّ مَن يعرفُ الكتابةَ أن يضبطَ أصولَهُ ويتحفَّظَ من الزللِ فيهِ .
- أنواعُه:
للإملاءِ أنواعٌ ثلاثةٌ:
1- رسمُ المصحفِ. ولا يُقاسُ عليهِ وإن كانَ أصلَ الإملاءِ الذي عليهِ الناسُ. وذلكَ لخروجِه عن القياسِ مراعاةً لأمورٍ:
الأول: بناء الكلمة على وجهٍ يمكن معَهُ تعدّدُ القراءةِ.
الثاني: أنّه كان قبل ظهور الشكل والنقط، فربما زُيدَ فيه بعض الأحرفِ دلالةً على حركةِ ما قبلها.
الثالث: أنّ الصحابة لما رسموا المصحفَ كانوا في بداءته، فلا عجب أن تظهرَ بعض الشواذّ والآراء غيرِ المحكَمة إذ الرسمُ اجتهادٌ من الصحابة رضيَ الله عنهم وليس وحيًا من الله.
2- رسمُ العَروضِ. وهو خاصٌّ بتقطيعِ الشِّعْرِ. وهو يكتب كل ما يُنطق دون ما لا يُنطق.
3- الرسمُ القياسيُّ. وهو الذي يَعنينا. وفرقُ ما بينه وبينَ رسم العروض أنَّ هذا الرسمَ تدخلُه الزيادةُ والحذف ومراعاةُ الأصلِ وأشياءُ أخَرُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق