الأحد، 14 يناير 2018

إعراب (نحو) و(مثل) ونظائرهما

نُشر في ملتقى أهل الحديث في 2/ 12/ 1429هـ وفي ملتقى أهل اللغة في 6/ 12/ 1429هـ.
لـ(نحو) و(مثل) ونظائرهما حالتان:
الأولى: أن تأتيَ بعد تمامِ الكلامِ.
الثانية: أن تأتيَ قبلَ تمامِ الكلامِ.
فإن جاءت بعدَ تمامِ الكلامِ كقولِك: (الفاعل مرفوعٌ نحو" ذهبَ الرجلُ") فيجوزُ فيها الوجهانِ الرفعُ والنصبُ.
أما النصبُ فلأنَّها كلمةٌ واقِعةٌ في جملةٍ مكمِّلةٍ لجملةٍ قبلَها، وما كان كذلكَ جازَ نصبُه سواءٌ أكانَت الجملةُ توكيديَّةً نحوَ (هذا ابني حقًّا). ومنه قوله: ((وعدَ الله لا يخلف الله وعدَه)) وقوله: ((صنع الله الذي أتقن كلَّ شيء)) أو تشبيهيةً نحوَ قولِ امرئ القيس:
نطعنُهم سلكَى ومخلوجةً ** كرَّك لأمينِ على نابلِ
وقولِ عُروةَ بنِ الورْدِ العبْسيّ:
وإن بعُدوا لا يأمنون اقترابَهُ ** تشوُّفَ أهلِ الغائبِ المتنظَّرِ
أو تمثيليةً. ويدخُلُ في التمثيليةِ موضِعُ المسألةِ (نحو) و(مثل). وتُعرَبُ في هذه الأنواعِ مفعولاً مطلَقًا عاملُه فِعلٌ محذوفٌ حذفًا واجبًا، وتقدِّرُه من جنسِ المصدرِ، فعلى هذا تقدِّره في موضِع المسألة (ينحو). وهذه الأنواعُ يجمعُ بينَها أنَّها تفصيلٌ لكلامٍ مجمَلٍ قبلَها فيهِ دَليلٌ عليها ولو باللزومِ، ألا ترَى أنَّك لو سمعتَ قائلاً يقولُ: (الفعل المضارع يُجزم إذا دخلت عليه "لم") ثم سكَتَ لأمكنكَ أن تستخرجَ لذلكَ مِثالاً وإن لم يكن لك بذلك سابقُ علمٍ إذا عرفتَ معنَى الجزْمِ. فإذا قالَ بعدَها: (نحوَ لم يذهبْ) لم يزِد إلى علمِك علمًا، ولكنَّه أطنبَ وفصَّلَ ودرأ الرِّيَبَ وحملَ عنك مئونةَ النظرِ في اللوازمِ، فلذلكَ امتنعَ ذِكر الفعلِ فيها إذ كان ذكرُه لغوًا.
ويجوزُ أن تعربَه حالاً وتُئوِّله بمشتقٍّ نكرةً كما أولتَه في قولِك: (مررتُ برجلٍ مثلِك) أي مماثلٍ لكَ.
أما إعرابُها مفعولاً بهِ لفعلٍ محذوفٍ تقديرُه (أعني) فلا يصِحُّ لأنَّه تقديرٌ غيرُ جارٍ على كلامِ العربِ ولا موافقٍ أقيستَها. ولو أجزناه لجاز أن يقال: (جاء رجلٌ محمدًا) على تقديرِ (أعني محمدًا).
وأما الرفعُ فعلى أن تعربَه خبرًا لمبتدأ محذوفٍ تقديرُه (وذلك) أو (وهذا). وإنما جازَ حذفُ المبتدأ هنا للقرينةِ المقاليَّة لأنَّ في ما تقدَّم من الكلامِ دَليلاً عليهِ. وقد قرئ: ((ذلك عيسى بن مريم قول الحقِّ)) برفعِ (قول) ونصبِهِ، فالرفع على أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، والنصبُ على أن يكون مفعولاً مطلَقًا لفعلٍ محذوفٍ. وقرئ أيضًا: ((صبغة الله))  برفع (صبغة)  ونصبها. وقرئ أيضًا: ((وابن السبيل فريضة من الله)) برفع (فريضة ونصبها)، كلُّها على التقدير المتقدِّمِ.
فإن جاءت قبلَ تمام الكلامِ فإنك تعربُها بحَسَب موقِعِها، تقولُ: (الاسمُ مثلُ زيدٍ دالٌّ على ذاتٍ)، فتعربُ (مثل) نعتًا لـ(الاسم) وإن كانَ غيرَ موافقٍ له إذ (مثل) و(غير) و(نحو) من الكلمات الموغلة في الإبهامِ، فلا يُشترَط فيها ذلكَ، ألا ترى أنك تقولُ: (مررت برجال مثلِك) و(رجلين مثلِك) على تأويلِها بمشتقّ نكرةٍ موافقٍ. وحكى سيبويه من الصفةِ: (ما يحسن بالرجلِ مثلِك أن يفعلَ ذاك). وتئوِّلُه بالمعرفةِ المشتقّة، أي بالرجلِ المماثلِ لك. ومنه قوله: ((صراط الذين أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم)). ويجوز أن تجعلَه بدلاً من (الاسم). ويجوز أيضًا أن تجعلَه حالاً على تأويلِه بالنكرةِ.
وتقولُ أيضًا: (هذا الشيءُ مثلُ ذلك الشيء) فتعربُ (مثل) خبرًا. وتقولُ: (سرتُ نحوَ البيت) فتعربُ (نحو) ظرفَ مكانٍ. وعلى هذا القياسُ.

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيكم أخي الدكتور ونفع بكم.
    كنت أتمنى لو ووشحتم هذا البحث القيم بالإحالة إلى المراجع اللغوية.

    ردحذف