الأحد، 28 يوليو 2019

منهج تعلم علم متن اللغة

في تحصيل علم متن اللغة
نُشر مفرَّقًا في آسك في أوقات مختلفة. وبعضه لم يُنشر من قبل.
- س: ما المنهج الذي تقترحه في قراءة المعاجم؟
ج: ينبغي أن نعلم أولًا أن متن اللغة ليس من أوّل علوم اللغة التي يفضَّل البدء بها لمن كان عنده حظّ من العلم واطلاعٌ على كتب الأدب لأن كثيرًا من ألفاظ اللغة ستعرض له في قراءته للقرآن والحديث النبوي وفي كتب الأدب ودواوين الشعر، فإن كان مع هذا حافظًا لقدر جيّد من الشعر القديم عارفًا بمعاني ما حفظه كان هذا في حقّه أجدر لأنه سيحصّل بحفظه للشعر معرفة كثير من ألفاظ اللغة من غير تكلّف منه لقراءة معجم أو حفظه.
وإذن فينبغي الاشتغال بالعلوم المقنّنة كالنحو والصرف والإملاء والبلاغة ثم النظر في المعاجم بعد ذلك.
فإذا أراد أن يقرأ معجمًا فليبدأ بـ"تهذيب الصحاح" للزنجاني أو "مختار الصحاح" للرازي. والطريقة الجيدة السهلة للاستفادة منه أن يضع خطًّا تحت الألفاظ الغريبة التي قد تُستعمل، ويدع الألفاظ المعروفة التي لا يحتاج إلى حفظها، ويدع أيضًا الغريب الوحشي الذي لا يكاد يُستعمَل. فإذا فرغ من قراءته كرّ عليه وحفظ ما اختاره منه. ثم ينتقل بعد ذلك إلى "إصلاح المنطق" لابن السكيت. ويُستحسَن أن يقرأه مرتين أو أكثر من ذلك حتى يعيَه. ثم يقرأ بعده "فقه اللغة" للثعالبي.
فإن أراد الانتقال للمرحلة المتوسطة فليقرأ "الصحاح" للجوهري أو "المجمل" لابن فارس أو ما يقاربهما.
ونهاية ذلك أن يقرأ "لسان العرب" لابن منظور. - س: هل ترى حفظ "الفصيح" لثعلب؟ وما أحسن شروحه؟ وما الذي يُقرأ بعده من كتب التصحيح اللغوي؟
ج: رأيي أنه لا يلزم حفظه، وإنما يكفي تخوّلُه بالقراءة مرارًا.
وأهمّ من "الفصيح" شروحُه، فإن فيها من الاستدراكات والنّكت والذخائر شيئًا كثيرًا. وأجلها من جهة الدراية شرح ابن درستويه "تصحيح الفصيح". وأوفاها من جهة الرواية "تحفة المجد الصريح" للّبلي، ولكن المطبوع منه لا يزال ناقصًا. ومن أيسرها "لباب تحفة المجد الصريح" للبلي أيضًا. وهو كامل. وهو غزير الفائدة على صغره. و"إسفار الفصيح" لأبي سهل الهروي. وأوسع منهما شرح ابن هشام اللخمي. 

وأنا لا أعدل بكتاب ابن درستويه وكتابَي اللّبلي شيئًا من شروح "الفصيح". 

وهنا مسألة مهمة، وهي أن "الفصيح" ليس مناسبًا للمبتدئ كما يُظن لأن المبتدئ إلى أن يعرف جواهر الألفاظ أحوج منه إلى أن يعرف الأعراض التي تعرض لها من اللحن والخطأ ومخالفة الأفصح. وهو بعد ليس خالصًا في الألفاظ التي يلحن فيها الناس، ففيه كثير من الألفاظ جاءت على خلاف الأفصح. وقد نبّه على ذلك ثعلب في مقدمته. ولذلك لا يستطيع قارئه أن يعلم هل اللفظ الذي اختاره ثعلب صحيح لا يجوز غيره، أو هو الأفصح الذي يجوز غيره إلا بمراجعة شروحه. وهذا يقلّل من فائدته. 
على أنه ألّفه لأهل عصره. وقد جدّت بعد ذلك مئات اللحون والأخطاء لم يحوِها هذا الكتاب، فينبغي إذن أن يوضع في مكانته اللائقة به من غير غلوّ ولا جفاء.
ومن أهمّ كتب التصحيح اللغوي التي تُقرأ بعده "درة الغواص" للحريري مع شرحه للخفاجي و"المدخل إلى تقويم اللسان" لابن هشام اللخمي وكتاب "تصحيح التصحيف وتحرير التحريف" للصفدي. وقد جمع الصفدي في كتابه هذا تسعة كتب ووضع لها رموزًا ورتبه على حروف المعجم.
وأما كتب المعاصرين فكثيرة. ومنها "معجم أخطاء الكتاب" لزعبلاوي و"لغويات وأخطاء شائعة" لمحمد علي النجار. وهما من أجودها نظرًا. ويُضمّ إليها على حذرٍ كتابا العدناني "معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة" و"معجم الأخطاء الشائعة" وكتاب "معجم الخطأ والصواب" لإميل يعقوب و"معجم الصواب اللغوي" لأحمد مختار عمر. وهذا الأخير أوسعها جمعًا، ولكن لا يوثَق بأحكامه.
س: كيف ترتيب قراءة شروح "الفصيح" لثعلب؟

ج: للمبتدئ: "التلويح" أو أصله الذي اختُصر منه، وهو "إسفار الفصيح". وكلاهما لأبي سهل الهروي.
وللمتوسط: "شرح الفصيح" لابن هشام اللخمي، و"لباب تحفة المجد الصريح" للّبلي.
وللمنتهي: "تحفة المجد الصريح" للبلي من جهة النقل (لما يُطبع كاملًا)، و"تصحيح الفصيح وشرحه" لابن درستويه من جهة العقل.

- س: هل توصي بحفظ "موطأة الفصيح" لابن المرحل؟
ج: لا أرى حفظ "موطأة الفصيح" لأمرين:
الأول: أني لا أستحسن حفظ المنظومات. وقد كتبت في بيان هذا.
الثاني: أن "الفصيح" على ما فيه من النفع أقلّ وأيسر من أن يحفظ فيه ألف وثلاث مئة بيت! فهو لا يتجاوز منثورًا ستين ورقة. وإنما تكفي قراءته مرارًا. واعلم أن ما شغلت من وقتك وعقلك وجهدك في غير المهمّ أزرى بك في المهمّ كما يقول ابن المقفع، فإعطاء الكتب الرديئة أو القليلة الفائدة فوق قدرها يَشغل ولا بدّ عن الكتب النافعة العظيمة الفائدة لأن جهد الإنسان محدود وساعاته معدودة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق