الاثنين، 4 ديسمبر 2017

إعراب بعض الأعلام المشكلة

[نُشر أصله في كتاب "مجيء أبو في موضع نصب أو جر على الحكاية" لإبراهيم المديهش في ذي القَعدة عام 1437هـ]
- س: هل ثبت عن العرب قديمًا إلزام (أبو) الواو رفعًا ونصبًا وجرًّا؟
ج: زعم ذلك كثير من المتأخرين. واحتجوا بأنهم وجدوا بخطّ علي رضي الله عنه: (علي بن أبو طالب) ووجدوا أيضًا بخطّ بعض المتقدّمين نحوًا من ذلك في ما شاكلَه من الأعلام. وقد غلِطوا في ذلك، فإنهم كانوا يرسمونها واوًا ويقرءونها بحسب إعرابها، نصّ على هذا الفراء. وناهيك به، قال: (وبلغني أن كتاب علي بن أبي طالب رحمه الله كان مكتوبًا "هذا كتاب من علي بن أبو طالب" كِتابها (أبو) في كل الجهات، وهي تُعرب في الكلام إذا قرئت) "معاني القرآن 3/ 114". وهذا نصّ بيّن كافٍ. ويُفهمه أيضًا قول ابن قتيبة: (ولذلك كانوا يكتبون "علي بن أبو طالب" و"معاوية بن أبو سفيان" لأن الكنية بكمالها صارت اسمًا. وحظّ كل حرف الرفع ما لم ينصبه أو يجرّه حرفٌ من الأدوات والأفعال، فكأنه حين كُنّي قيل: أبو طالب. ثم تُرك ذلك كهيئته وجُعِل الاسمان واحدًا) "تأويل مشكل القرآن 257". وقد احتجّ بهذا النصّ بعضهم على صحة إلزام (أبو) الواوَ. ولعله حجة عليهم، فإن الظاهر أن ابن قتيبةَ يقصر ذلك على الخطّ دون اللفظ، ولهذا قال: (يكتبون).
ولو كان الأمر كما ادَّعوا لعرفه المتقدّمون. ولو عرفوه لنقلوه، وذلك لكثرة ذكر أبي طالب وأبي سفيان وأبي لهب وأمثالهم.
ولو كان عليّ بن أبي طالب إنما كتبها بالواو لأنه كان يلزِمها الواو في جميع أحوال الإعراب لكانت هذه لغته. ولو كانت لغته لكانت لغة قريش ولغة النبي ص على الأقلّ. ولو كان الأمر كذلك لكان حكم كنية أبي لهبٍ كحكم كنية أبي طالب. ولو صحّ هذا لقرأ جميع القراء أو أكثرهم ((تبت يدا أبو لهب وتبّ)) لأن القرآن نزل على لسانهم في الغالب. وهذا علَم، وحقّ الأعلام أن تُحفظ ولا تغيّر. ونحن لا نجد أحدًا قرأ بذلك إلا ما حكاه ابن خالويه من أنه قُرئ بذلك من غير أن ينسبها إلى قارئ بعينه.
فأما هل يجوز أن نُلزم العلم في زماننا الواو إذا كان لا يعرف إلا بها مثل (أبو ظبي)؟  فهذه مسألة أخرى. وأجدني أميل إلى تصحيح ذلك لأنه صار جزءًا من العلمية وتغييره قد يخلّ بذلك. ومثله قولك: (أرسطو) و(خوفو) بالواو وإن لم يكن في العربية اسم معرب آخره واو قبلها ضمة، وذلك حفاظًا على صورة العلم من التغيير. 
وقد يشهد لهذا لزوم الواو في نحو (سورة المؤمنون) للعلة نفسها.
[نُشر في آسك في 4/ 1/ 1437هـ]
- س: ما الأوجه الجائزة في إعراب نحو (محمود شاكر)؟  
ج: يجوز فيه وجهانِ: 
الأول: البدَل. وكذلك أسماء الأسَرِ. وهو بدَلٌ يعُمّ كلّ أفراد الأسرةِ لأنك تقول لكلّ منتسب إلى أسرة شاكرٍ: (قال شاكرٌ وفعل شاكرٌ)، فهو بدل كلّ من بعضٍ. 
الثاني: الإضافة إن كان مفردًا كما في (محمود شاكر). وقد وجدت بيتًا رواه المفضَّل يشهد لهذا مع أن عموم القياس كافٍ في تصحيحه، وهو قول الحُصين بن الحُمام: 
جزَى الله عنّا عبد عَمْرٍ ملامةً ** وعُدوانَ سَهمٍ ما أدقّ وألأما! 
وعُدوان هو ابن سَهم. 
فعلى هذا تقول: (قال محمودٌ شاكرٌ) و(محمودُ شاكرٍ).
[نُشر في ملتقى أهل اللغة في 18/ 2/ 1433هـ وفي المجلة الثقافية في 24/ 3/ 1433هـ]
- هذه الأسماءُ (شوقِي وحمدِي ورمزي وحُسني وجِنِّي [والد أبي الفتح عثمان بن جنِّي. وهو منقول عن الرومية، وليس منسوبًا إلى (جِنٍّ)] وأمثالُها أسماءٌ منقولةٌ من الأعجميَّةِ إمَّا بلفظِها وإمَّا بطريقةِ تركيبِها، وذلك أنَّه ليس في العربيَّةِ اسمٌ معرَبٌ مختومٌ بياءٍ في جميع أحوالِه، فإذا أردتَّ أن تحكيَها باللِّسانِ العربيِّ وجبَ عليكَ أن تجريَها مُجرَى الأسماءِ العربيَّةِ.
وأنت حينَ إذٍ بينَ أمورٍ ثلاثةٍ:
أحدُها: أن تلحِقَها ببابِ قاضٍ فتقولَ: (جاءَ شوقٍ ورأيتُ شوقِيًا ومررتُ بشوقٍ). وهذا ضعيفٌ مرذولٌ لأنه يوجِبُ إحالةَ الاسمِ عن وجهِهِ والإخلالَ بصورتِه بالحذفِ.
والثاني: أن تلحِقَها بالمختومِ بياءِ النّسب فتقولَ: (جاءَ شوقيٌّ ورأيتُ شوقيًّا ومررتُ بشوقيٍّ). وهذا أيضًا يقتضِي تغييرَ صورةِ الاسمِ بالزِّيادةِ.
والثالثُ: أن تلحِقها بالمسمَّى بالمضافِ إلى ياءِ المتكلِّمِ نحو رجلٍ سمَّيته بـ(غلامي). وهذا أشبَه بالصَّوابِ إذْ كان أحفَظَ للاسمِ من التصرُّف والتغييرِ، فتقول: (جاءَ شوقِيْ ورأيتُ شوقِيْ ومررتُ بشوقيْ) وتعرِب الياءَ بالحركاتِ المقدَّرةِ على آخِرِه التي منعَ من ظهورها الحكايةُ. وإنَّما لزِمتَ الحكايةَ ولم تجعَلْ آخِرَه مُعْتَوَرًا للإعرابِ لأنه معمولٌ فيه قبلَ التسميةِ، وما كان معمُولاً فيه قبلَ التسميةِ فإنه يَبقَى على حالِه بعدَ التسمية إذا كانَ عامِلُه بعضَ الاسمِ وكان ثابِتًا غيرَ محذوفٍ، قال أبو بِشر رحمه الله: (ولو سمَّيتَ رجلاً بـغلامه أو غلامهما لم تحرّف واحدًا منهما عن حاله قبلَ أن يكون اسمًا ولتركتَه على حالِه الأوَّلِ في كلِّ شيء) [الكتاب 2/ 227]، وقالَ أبو العباس المبرّد رحمه الله: (إذا سمَّيتَ رجلاً لِتَقُمْ أو لم تقُمْ أو إن تقُمْ أقُمْ، فالحكاية لأنه عامل ومعمول فيه إذا جئتَ بالعاملِ معه) [المقتضب 1/ 35] وقد يجوز لك أن تفتَح الياءَ فتقولَ: (جاءَ شوقيَ ورأيتَ شوقيَ ومررتَ بشوقيَ) كما تقولُ: (جاءَ غلاميَ ورأيتُ غلاميَ ومررتُ بغلاميَ) لأنَّك لما ألحقتَه بنحو (غلامي) جازَ لك فيه ما يجوز في يائه من الفتحِ والإسكانِ إلا أنَّ الإسكانَ أعْدَلُ وأبقَى لصورةِ الاسمِ. وهو مقصَدٌ من المقاصِدِ المرعيَّةِ في العربيَّةِ.
[نُشر في تويتر في 22/ 8/ 1434هـ]
- (ابن سيده) و(ابن ماجه) ونحوهما لا يجوز في رأيي إلزام أواخرها السكون، بل يجب أن تخضع لقانون العربية فتعرب إعراب ما لا ينصرف. ويجوز إبدال هائها تاءًا.
[نُشر في ملتقى أهل اللغة في 28/ 3/ 1432هـ وفي المجلة الثقافية في 12/ 4/ 1432هـ]
- س: ما الأوجه الجائزة في (الاثنين) علمًا على اليوم؟
ج: يجوز في (الاثنين) علَمًا أربعةُ أوجهٍ، وهي باختصار: 
الأوَّل: إعرابُه بالألفِ رفعًا وبالياءِ نصبًا وجرًّا لأنَّ لفظَه لفظُ المثنَّى، تقولُ: (الاثنانِ [الرفع] – الاثنينِ [النصب]– الاثنينِ [الجرّ]). 
الثاني: إلزامُه الألفَ وإعرابُه بالحركاتِ الظاهرة على آخِرِه لأنَّ مدلولَه واحدٌ، تقولُ: (الاثنانُ – الاثنانَ – الاثنانِ)، قالَ الشاعرُ: 
ألا يا ديارَ الحيِّ بالسبُعانِ ** أملَّ عليها بالبِلَى المَلَوانِ 
و(السَّبُعان) اسم موضع. وهو تثنية (سبُع). 
الثالث: إلزامُه الياءَ وحكاية كسر النونِ فيه، تقول: (الاثنينِ – الاثنينِ – الاثنينِ). وإنما جازَ هذا لكثرةِ ذكرِه مضافًا إليه في نحو (يوم الاثنينِ)، فلما أوقَعُوه موقِع رفعٍ كرِهُوا أن ينقلُوه عن مَّا ألفُوه. ومثلُ هذا (المؤمنونَ) للسورة المعروفة، فإنَّه كثُر دورانُها في كلامِهم مرفوعةً، فلما أدخلوا عليها (سورة) وأضافوها إليها لم يشاءوا أن يغيِّروا صورتَها فقالُوا: (سورةُ المؤمنونَ). وتقولُ أيضًا: (هذا كتابُ الاختيارين للأخفش الأصغر). فإذا حذفتَ كلمة (كتاب) ووقعتِ (الاختيارين) في موضعِ رفعٍ جازَ لك أن تقولَ: (هذا الاختيارينِ). وهكذا في حالِ النصبِ والجرّ. 
الرابعُ: إلزامُه الياءَ مع تركِ حكايته وإعرابُه بالحركات الظاهرة على آخِره، تقولُ: (الاثنينُ – الاثنينَ – الاثنينِ)، وذلكَ أنه طالَ عليهم استعمالُه محكيًّا حتى نسُوا أصلَه واعتدُّوه مفردًا على وَفق مدلولِه، يدلُّك على هذا قولُهم: (البحرينُ – البحرينَ – البحرينِ) للبلد المعروف. وأصلُ هذا قولُهم: (بلد البحرينِ) ثمَّ (البحرينِ)، ثمَّ (البحرينُ). وذلك في حال الرفع. 
وكلُّ هذه الأوجه صحيحٌ إن شاء الله. والمتَّفق عليه منها الوجه الأول ثمَّ الثاني. أما الثالث والرابع فاجتهادٌ منِّي.

هناك تعليق واحد:

  1. الحَمْدُ للهِ أَوَّلًا ثُمَّ الشُّكْرُ لَكَ عَلَى مَا تُفِيضُ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ عِلْمِكَ. أَرَدْتُ أُنْ أُعْلِمَكَ أَنَّ وَرَاءَكَ عَطْشَى يَتَسَقَّطُونَ مَا تَنْثُرُ فَاسْتَمِرَّ زَادَكَ اللهُ.
    نِزَارٌ شِهَابُ الدِّينِ

    ردحذف