في رواية الشعر والأدب
أصله تعليق على نقاش جرى في ملتقى أهل اللغة في هذه القضية، وذلك في 13/ 6/ 1433هـ.
اللامية المنسوبة إلى الشنفرى هي من القصائد الجِيادِ المحبَّرَة، لا أنازع في ذلك، ولكنِّي أرى أنها مصنوعةٌ، صنعَها خلفٌ الأحمرُ (ت180). وكانَ أقدرَ الناس على قافيةٍ. وهذا رأيٌ مسلوكٌ وقولٌ مطروقٌ. ويشايِعُه شواهدُ كثيرةٌ بعضُها يتَّصِل بالرِّواية وبعضُها يتَّصِل بالمتنِ. وشرحُ ذلك طويلٌ لا يسعُه هذا الموضعُ. وجملةُ القولِ أنَّ هذه القصيدةَ لا تكادُ تعرَف عندَ الرعيلِ الأوَّلِ من الرُّواةِ، وقلَّما وجدتَّهم يستشهِدون بشيءٍ منها. وإنما اشتهرت وذاعت من بعدهم. ولو كانَت للشنفرَى وهي ما علمتَ من طولٍِ وجودةٍ لعرضوا لها ودلُّوا عليها. ولم نرَهم فعلُوا ذلك. وأمرٌ آخَر، وهو أنَّ أبا عليٍّ القاليَّ (ت356) روَى في أماليه عن شيخِه ابن دريدٍ (ت321) أنها لخلَفٍ الأحمرِ. وابن دريدٍ بصريٌّ، فلا يُظنُّ به البَهْت والطَّعنُ على خلَفٍ. كما أنكرَ نسبتَها أيضًا أبو رِياشٍ القيسيُّ (ت339).
فأمَّا متنُ القصيدةِ فإنك لتقرؤها فتعجَب من طولِها مع ترتيبِ معانيهَا وأنَّ التحوُّلَ فيها من معنًى إلى معنًى لا يكونُ إلا بعدَ استيفائه على نحوٍ لا يشبِه شعر الشنفرَى ولا يكادُ يشبه شعرَ الصعاليك ولا شعرَ الجاهليين عامَّةً. وكأنَّ واضعَها أرادَ أن يُفرِغ فيها جميعَ ما يعرِفه من أحوالِ الصعاليكِ وطرائقِ معيشتِهم وضروبِ أخلاقهم. ولذلكَ لا تجِد لها مناسبةً ولا ترَى فيها أخبارًا، والأعلامُ المذكورةُ فيها قليلة بالنسبة إلى الأعلام المذكورة في تائيته، إذ نجد في كل نحو 14 بيتًا علمًا واحدًا، أما تائيته فإنا نجد في كل نحو 3 أبيات منها علمًا، وذلك أن عدّة أبيات تائيته 36 بيتًا، وفيها 13 علمًا بالتكرار. وهي مع ذلك أعلام خاصة كأميمة وأم عمْر وحَلي ومشعل والجبا وسلامان ومفرج والبريقين وغيرها، وعدة أبيات اللامية 68 بيتًا، وليس فيها إلا 5 أعلام بالتكرار اثنان منها لقبه (الشنفرى)، وواحد (الشعرى) نجمٌ معروف، وواحد (أحاظة) بلد في اليمن ليس من مواضع الشنفرى، جرَّه إلى ذكرِه طلب التشبيه لا لصلةٍ له به. فبين القصيدتين كما ترى بونٌ بعيدٌ يلقي الشكَّ على هذه القصيدةِ.
هذا مع أنَّ الصنعةَ اللفظيَّة ظاهِرةٌ فيها، إذْ ترَى فيها كثيرًا من البديعِ وعطفِ اللفظِ على اللفظِ والتقسيمِ وقِلَّةِ الزِّحاف أيضًا.
فأمَّا متنُ القصيدةِ فإنك لتقرؤها فتعجَب من طولِها مع ترتيبِ معانيهَا وأنَّ التحوُّلَ فيها من معنًى إلى معنًى لا يكونُ إلا بعدَ استيفائه على نحوٍ لا يشبِه شعر الشنفرَى ولا يكادُ يشبه شعرَ الصعاليك ولا شعرَ الجاهليين عامَّةً. وكأنَّ واضعَها أرادَ أن يُفرِغ فيها جميعَ ما يعرِفه من أحوالِ الصعاليكِ وطرائقِ معيشتِهم وضروبِ أخلاقهم. ولذلكَ لا تجِد لها مناسبةً ولا ترَى فيها أخبارًا، والأعلامُ المذكورةُ فيها قليلة بالنسبة إلى الأعلام المذكورة في تائيته، إذ نجد في كل نحو 14 بيتًا علمًا واحدًا، أما تائيته فإنا نجد في كل نحو 3 أبيات منها علمًا، وذلك أن عدّة أبيات تائيته 36 بيتًا، وفيها 13 علمًا بالتكرار. وهي مع ذلك أعلام خاصة كأميمة وأم عمْر وحَلي ومشعل والجبا وسلامان ومفرج والبريقين وغيرها، وعدة أبيات اللامية 68 بيتًا، وليس فيها إلا 5 أعلام بالتكرار اثنان منها لقبه (الشنفرى)، وواحد (الشعرى) نجمٌ معروف، وواحد (أحاظة) بلد في اليمن ليس من مواضع الشنفرى، جرَّه إلى ذكرِه طلب التشبيه لا لصلةٍ له به. فبين القصيدتين كما ترى بونٌ بعيدٌ يلقي الشكَّ على هذه القصيدةِ.
هذا مع أنَّ الصنعةَ اللفظيَّة ظاهِرةٌ فيها، إذْ ترَى فيها كثيرًا من البديعِ وعطفِ اللفظِ على اللفظِ والتقسيمِ وقِلَّةِ الزِّحاف أيضًا.
وبحسبِك أن توازِن بينها وبينَ تائيتِه الثابتةِ النسبةِ إليه بشيءٍ من التأمُّلِ والأنَاةِ لتتعرَّفَ مقدارَ اختلاف ما بينهما في المعانِي والألفاظِ وغيرِها. وهو أمرٌ سيوصِلُك بلا شكٍّ إلى أن قائلَهما ليس واحدًا.
***
قد علِمنا احتيالَ أبي إبراهيم حينَ سمَّى هذا التذاكرَ والمباحثَة (مناظرةً) ثمَّ جعلَ يحشُّها وينفُخ فيها إذْ علِمَ أنَّ له غُنمَها وعلينا غُرمَها. وما هذه بمناظرةٍ. وما أردنا أن تكونَ كذلك لأنَّ المناظرةَ لا بُدَّ أن يتفقَ عليها المتناظران ثمَّ لا بُدَّ أن يكون رأيُ كلٍّ منهما الذي يخالف به الآخَرَ بيِّنًا معروفًا. ولم يكن شيءٌ من هذا في ما ذكرْنا.
ولو شئنا أن نجعلَها مناظَرةً لأحْوَجنا ذلك إلى أن ننقطعَ عن شغولِنا ونفرِّغَ أنفسَنا لبحثِها ودرسِها وتقصِّي شُعَبِ القولِ فيها لأنَّ هذه المسألةَ، أعنِي نسبةَ القصيدةِ لا يكادُ يفي بها مجلَّدٌ كبيرٌ في ما أرى. ولستُ أستحسِنُ التسرُّع في الأحكامِ إلا بعدَ التروِّي والتثبُّت الشديدِ. وليس هذا في طاقَتي الآنَ.
غيرَ أني أقولُ: إني عجِبت للإخوةِ الكرامِ كيف انصرفوا عن القولِ في تحقيق نسبةِ القصيدةِ - وهو قطبُ الكلام ولبُّ القضيَّة - إلى القولِ في خلَفٍ ووصفِ حالِه. وذلك أنَّا لو برَّأنا خلفًا من وضعِها وقامَ الدليلُ الصَّريح والشاهِد العَدْلُ على ذلك لما امتنعَ أن يكون واضعُها غيرَه ولجازَ أن تكونَ لغيرِ الشنفَرَى من المولَّدين.
على أن الحكمَ بوضع خلَفٍ لهذه القصيدةِ لا يقتضِي أن يكونَ كذَّابًا، فقد يكذِب الرجل الصادقُ في بعضِ أحوالِه وأوقاتِه لعلَّةٍ تعرِضُ ولا يسمَّى كذَّابًا ولا يخرِجه هذا من اسمِ الصدقِ، إذْ كان هو الأغلبَ عليه والألزمَ له. وقد يجوزُ أن يضع الرجلُ القصيدةَ ولا ينسُبها إلى أحدٍ ثمَّ يلتبِس الأمرُ على مَن بعدَه فينسُبها إلى غيرِه ثم لا يكونُ بذلك كاذبًا لأن خطأ النِّسبة لم يأتِ من جهتِه. وليسَ كلُّ تعديلٍ لأحدٍ مقبولاً بالجملةِ كما أنَّه ليس كلُّ جرحٍ مقبولاً كذلك. وللنفوسِ أسرارٌ وخلائقُ خفيَّةٌ قد يهتدِي إلى معرِفتها الناسُ وقد تخفَى عليهم وتوصَد دونهم. وليس من سَدادِ الرأيِ أن نسلِّم بمقالةٍ من المَقالاتِ لحجَّة مَّا حتَّى نعرِضَها على غيرِها من المقالاتِ ولا سيَّما إذا كانَت كثيرةً وكانَ ظاهرها يوهِم التدافعَ والاختلافَ.
وأنا أعلَمُ أن هذا كلامٌ مجمَلٌ، ولكن عذرِي أنِّي لا أجِد الوقتَ لتفصيلِه وبيانِه.
***
ثم كُتبت هذه التعليقة في 8/ 8/ 1440هـ ونُشرت في تويتر وفسبك.
وقد أعدت النظر في لامية العرب قبل أيام وأطلت المكث عليها وقايستها بصحيح شعر الشنفرى وصحيح شعر خلف فما زادني ذلك إلا ثقة بأنها منحولة على الشنفرى وأنها بشعر خلف أشبه وتكشّف لي فيها من آيات الصنعة ما لم أذكره في هذه الكلمة الموجزة.
وهذا بحث وقفت عليه البارحة فرأيته أجادَ في تفصيل أدلة نسبة لامية العرب ونسبةِ أختها (إن بالشعب الذي دون سلع) إلى خلف وأتى على كثير من ما في نفسي، على هنوات فيه وشيء من الخلل في إقامة بعض الحجج لا يقدح في عمود القضية:
جزاك الله خيرًا أستاذنا الكريم، ورفع الله قدرك في الدارين! 🌷
ردحذفمُحبك: أبو عاصم، يحيى بن فتحي
خلف الاحمر مولي اعجمي متعرب من أهل البصرة مستحيل ان يقول مثل هذا شعر جاهلي
ردحذف