نُشر أوله في ملتقى أهل اللغة في 22/ 7/ 1431هـ وآخره في 3/ 2/ 1433هـ.
لا تَزالُ تسمَع ناسًا كثيرًا يطعُنونَ على أهلِ الأدبِ في ما يروونه ويشكِّكون في صحةِ أخبارِهم وينسُبونهم إلى الكذبِ والتزريف [وهو التزيّد في الحديث]. ولسنا نَدفعُ أنَّ في أخبارِهم ما هو كذلكَ، ولكنَّا نزعم أنَّ الأخبارَ التي وقعت إلينا منهم على طبقاتٍ مختلفاتٍ تتفاوَتُ بحسَب تفاوُتِ رواتِها، فمنها الصحيح القائم، ومنها الموضوع الساقط، ومنها المزيد فيه والمُزال عن وجهِه. وسنسوقُ إليكَ بعض الشواهد الدالّة على أنَّ من اللُّغويِّين والأدباء مَن يُعنَى بما يَروي ويُقيمُ التثبُّتَ والضبطَ في ما ينقل.
- روَى أبو محمدٍ الأنباريُّ (ت304) في «شرح المفضليات» خبرَ إغارة تأبَّط شرًّا وصحبِه على بَجيلةَ وذكرَ منه: (فقال لهم تأبَّط شرًّا: إن بالماء رصَدًا، وإني لأسمَع وجيبَ قلوب القوم. قالوا: والله ما نسمع شيئًا، وما هو إلا قلبُك يجِبُ) حتى فرغَ من ذكرِ الخبرِ ثمَّ قالَ:
(وكذا روَى أحمد بن حسين الخبرَ في ما أخبرني عن أبي عَمْرٍ الشيبانيِّ، غيرَ أنه قال: وما هو إلا قلبُك. ولم يقل: يجِبُ. وقال في روايته: فوضعَ يدَه على فؤاده. ولم يقل: على قلبِه) إلى آخر ما فصَّل من الفروقِ الدقيقة بين الرِّوايات.
- روَى أبو عليٍّ القالي (ت356) في «أماليه» عن جَحظةَ البرمكيِّ وأبي بكرٍ الأنباريِّ بسندٍ متصلٍ خبرًا في آخِرِه : (ثمَّ قالَ: لله درُّ أبياتٍ تأتينا بها يا إسحاق! ما أتقن أصولَها وأحسنَ فصولَها! وزاد جحظةُ: وأقلَّ فضولَها!).
- في «أمالي أبي علي»: (وأنشدنا أبو بكر محمد بن السري السراج قال: أنشدني، أو أنشدنا وكيع -الشك من أبي عليّ-).
- وروَى أبو بكر الأنباري (ت328) في (شرح ديوان عامر بن الطفيل) كلامًا، قالَ:
(إن أبا عليٍّ بانَ من الناس بثَلاثٍ:
كانَ لا يعطَش حتى تعطَش الإبِل ولا يضِلّ حتى يضِلَّ النجم ولا يجبُن حتى يجبُن الليلُ ولا يقِف حتى يقفَ السيلُ. والحرف الرابع زيادة أبي العباس).
يريدُ أبا العباس ثعلبًا (ت291)، وكان قرأ ديوان عامرٍ عليه.
- وفي كتاب (الخيل) لأبي سعيد الأصمعي (ت216) تجِدُ الرجلَ الذي روَى هذا الكِتابَ عن أبي عليٍّ الفارسيِّ (ت377) قراءةً عليه شديدَ الاجتهادِ في صحَّةِ الضبطِ وأمانةِ النقلِ. وهذانِ مثالانِ لذلك:
أ- ورد في متنِ الكِتاب: (وله أربع أسنان).. قالَ في الحاشية: (قرأتُ على أبي عليٍّ "أربعة"، وهي "أربع").
ب- وردَ في المتن: (وقال ذو الرمة:
وقرَّبْنَ بالزُّرقِ الجمائلَ بعدما ** تقوَّبَ عن غِربان أوراكها الخَطْرُ).
قالَ الرواي في الحاشية: (أوَّل هذا البيت لم أقرأه على أبي عليٍّ: وقرَّبن بالزُّرقِ الجمائلَ بعدما).
- قال ابن سيدة (ت458) في (المحكم):
(وحَمَّرَ الرجل: تكلم بِكَلام حِمْيَرَ. وَمِنْه قَول الملك الحِمْيَرِيّ ملك ظفار وقد دخل عَلَيه رجل من العَرَب، فَقَالَ له الملك: ثِبْ. و "ثِبْ" بالحِميَريَّةِ: اجلِسْ. فَوَثَبَ الرجل فاندقَّت رِجْلاه فَضَحِك الملك وقَالَ: لَيست عندنَا عَرَبِيَّتْ، من دخلَ ظفارِ حَمَّرَ. هَذِه حِكَايَة ابن جني يرفع ذَلِك إِلَى الأصمَعِي. وأما ابن السّكيت فَإِنَّهُ قَالَ: فَوَثَبَ الرجل فتكسَّر، بدلَ قَوله: فاندقَّت رِجْلاه).
- وقال أبو زكرياء الفراء (ت207) في (المذكر والمؤنث):
("والمنجَنِيق" أنثى. وبعض العرب يسميها "منجنوق". وقال الفراء: حُكِيت لي ولم أسمعها من العرب).
فهذه الأخبار دالةٌ على مبلغِ تحرُّز بعض علماء العربيَّة في الرِّوايةِ وشِدَّة ضبطِهم وعنايتِهم وعِظَم أمانتهم في تأدية الألفاظ وإن كان تغييرها غير مخلّ بالمعنى.
لا تَزالُ تسمَع ناسًا كثيرًا يطعُنونَ على أهلِ الأدبِ في ما يروونه ويشكِّكون في صحةِ أخبارِهم وينسُبونهم إلى الكذبِ والتزريف [وهو التزيّد في الحديث]. ولسنا نَدفعُ أنَّ في أخبارِهم ما هو كذلكَ، ولكنَّا نزعم أنَّ الأخبارَ التي وقعت إلينا منهم على طبقاتٍ مختلفاتٍ تتفاوَتُ بحسَب تفاوُتِ رواتِها، فمنها الصحيح القائم، ومنها الموضوع الساقط، ومنها المزيد فيه والمُزال عن وجهِه. وسنسوقُ إليكَ بعض الشواهد الدالّة على أنَّ من اللُّغويِّين والأدباء مَن يُعنَى بما يَروي ويُقيمُ التثبُّتَ والضبطَ في ما ينقل.
- روَى أبو محمدٍ الأنباريُّ (ت304) في «شرح المفضليات» خبرَ إغارة تأبَّط شرًّا وصحبِه على بَجيلةَ وذكرَ منه: (فقال لهم تأبَّط شرًّا: إن بالماء رصَدًا، وإني لأسمَع وجيبَ قلوب القوم. قالوا: والله ما نسمع شيئًا، وما هو إلا قلبُك يجِبُ) حتى فرغَ من ذكرِ الخبرِ ثمَّ قالَ:
(وكذا روَى أحمد بن حسين الخبرَ في ما أخبرني عن أبي عَمْرٍ الشيبانيِّ، غيرَ أنه قال: وما هو إلا قلبُك. ولم يقل: يجِبُ. وقال في روايته: فوضعَ يدَه على فؤاده. ولم يقل: على قلبِه) إلى آخر ما فصَّل من الفروقِ الدقيقة بين الرِّوايات.
- روَى أبو عليٍّ القالي (ت356) في «أماليه» عن جَحظةَ البرمكيِّ وأبي بكرٍ الأنباريِّ بسندٍ متصلٍ خبرًا في آخِرِه : (ثمَّ قالَ: لله درُّ أبياتٍ تأتينا بها يا إسحاق! ما أتقن أصولَها وأحسنَ فصولَها! وزاد جحظةُ: وأقلَّ فضولَها!).
- في «أمالي أبي علي»: (وأنشدنا أبو بكر محمد بن السري السراج قال: أنشدني، أو أنشدنا وكيع -الشك من أبي عليّ-).
- وروَى أبو بكر الأنباري (ت328) في (شرح ديوان عامر بن الطفيل) كلامًا، قالَ:
(إن أبا عليٍّ بانَ من الناس بثَلاثٍ:
كانَ لا يعطَش حتى تعطَش الإبِل ولا يضِلّ حتى يضِلَّ النجم ولا يجبُن حتى يجبُن الليلُ ولا يقِف حتى يقفَ السيلُ. والحرف الرابع زيادة أبي العباس).
يريدُ أبا العباس ثعلبًا (ت291)، وكان قرأ ديوان عامرٍ عليه.
- وفي كتاب (الخيل) لأبي سعيد الأصمعي (ت216) تجِدُ الرجلَ الذي روَى هذا الكِتابَ عن أبي عليٍّ الفارسيِّ (ت377) قراءةً عليه شديدَ الاجتهادِ في صحَّةِ الضبطِ وأمانةِ النقلِ. وهذانِ مثالانِ لذلك:
أ- ورد في متنِ الكِتاب: (وله أربع أسنان).. قالَ في الحاشية: (قرأتُ على أبي عليٍّ "أربعة"، وهي "أربع").
ب- وردَ في المتن: (وقال ذو الرمة:
وقرَّبْنَ بالزُّرقِ الجمائلَ بعدما ** تقوَّبَ عن غِربان أوراكها الخَطْرُ).
قالَ الرواي في الحاشية: (أوَّل هذا البيت لم أقرأه على أبي عليٍّ: وقرَّبن بالزُّرقِ الجمائلَ بعدما).
- قال ابن سيدة (ت458) في (المحكم):
(وحَمَّرَ الرجل: تكلم بِكَلام حِمْيَرَ. وَمِنْه قَول الملك الحِمْيَرِيّ ملك ظفار وقد دخل عَلَيه رجل من العَرَب، فَقَالَ له الملك: ثِبْ. و "ثِبْ" بالحِميَريَّةِ: اجلِسْ. فَوَثَبَ الرجل فاندقَّت رِجْلاه فَضَحِك الملك وقَالَ: لَيست عندنَا عَرَبِيَّتْ، من دخلَ ظفارِ حَمَّرَ. هَذِه حِكَايَة ابن جني يرفع ذَلِك إِلَى الأصمَعِي. وأما ابن السّكيت فَإِنَّهُ قَالَ: فَوَثَبَ الرجل فتكسَّر، بدلَ قَوله: فاندقَّت رِجْلاه).
- وقال أبو زكرياء الفراء (ت207) في (المذكر والمؤنث):
("والمنجَنِيق" أنثى. وبعض العرب يسميها "منجنوق". وقال الفراء: حُكِيت لي ولم أسمعها من العرب).
فهذه الأخبار دالةٌ على مبلغِ تحرُّز بعض علماء العربيَّة في الرِّوايةِ وشِدَّة ضبطِهم وعنايتِهم وعِظَم أمانتهم في تأدية الألفاظ وإن كان تغييرها غير مخلّ بالمعنى.
فهذان الأخبار=فهذه الأخبار
ردحذفبورك جهدك، ووفقك الله