الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

أتقول: هذا أمر محتمِل بكسر الميم أم محتمَل بفتحها؟

في ما تلحن فيه العامة
نُشر في ملتقى أهل اللغة في 28/ 3/ 1435هـ.
(احتمَلَ) فِعلٌ متعدٍّ أبدًا. وهو بمعنى (حملَ) إلا أن فيه زيادةَ مبالغة. ومنه قوله تعالى: ((فاحتمل السيل زبدًا رابيًا)) ثم قول النابغة:
إنا احتملنا خطّتينا بيننا ** فحملتُ برة واحتملتَ فَجارِ
وزعم الفيومي في "المصباحِ المنيرِ" أنه يكون لازمًا بمعنى (الوهم والجواز). ولعل ما ذكرَه عن رأي منه لا عن سماع.
وإذن فالصحيحُ في قولهم: (هذه المسألة تحتمل وجوهًا كثيرة) أنَّك إذا أسندتَّ الفِعلَ إلَى المسألةِ، أو نحوِها من مَّا يتضمَّن وجهًا أو وجوهًا صحيحةً أو باطلةً فإنَّك تبنِيه للمعلومِ لأنَّ المسألة هي التي وقعَ منها الاحتِمالُ أي حملُ الوجوهِ. وإذا أسندتَّه إلى الوجوهِ الممكنةِ فإنَّك تبنِيه للمجهولِ لأنها في الأصلِ مفعولٌ بها لأنَّ المسألةَ احتملتْها.
 وعلَى ذلك تقولُ: (هذا الأمرُ غيرُ جائزٍ ولا محتمَلٍ) بفتح الميمِ لأنَّه اسمُ مفعولٍ. وذلك لإسنادِه إلَى الوجهِ الممكنِ وليس إلى المسألةِ، ألا ترَى أن نائبَ الفاعلِ منه ضميرٌ مستترٌ تقديرُه (ولا محتمَلٍ هو). وهو يعودُ على (الأمر)، و(الأمرُ) هو هنا بمعنَى (الوجه) أو (التخريج) أو (الجوازِ) الذي قد تتضمَّنُه المسألةُ.
وتقولُ: (لا يُحتمَلُ أن يأتيَ محمدٌ)، فتبني الفِعلَ للمجهولِ لأنَّه مسنَدٌ إلى (أن يأتي محمدٌ). وذلك مئوَّلٌ بـ(إتيانِ محمَّد)، و(إتيانُ محمَّد) وجهٌ من الوجوهِ الممكنةِ. وأصلُ الجملةِ قبلَ حذف الفاعلِ (لا يحتمِل الحال أو الأمر أن يأتيَ محمَّدٌ). ولو قلتَ: (لا يحتمِل أن يأتي محمدٌ) فبنيتَه للمعلومِ فإن (إتيان محمدٍ) يكون هو الفاعلَ الذي يحمِلُ وجوهًا ممكنةً، وتبقى الجملةُ بلا مفعولٍ. والحقُّ أنَّ (إتيانَ محمّدٍ) هو الوجهُ الممكنُ الذي نُفِيَ.
وتقولُ: (الغلطُ محتمَلٌ) لأنَّ (الغلطَ) وجهٌ من الوجوهِ أو أمرٌ من الأمورِ التي تحتمِلها المسألة أو الكلامُ، أي تحمِلها.
وتقول: (رسمُ اللفظ في المخطوطة محتمِلٌ كذا) بكسر الميمِ، اسم فاعلٍ لأنه مسنَد إلى ضميرٍ يعودُ على (رسم اللفظ)، و(رسمُ اللفظ) يحمل أو يتضمَّن وجوهًا.
وإذا أجرَينا هذا التأصيلَ على بيتِ صاحبِ "الموطَّأة":
وكلُّها تقولُ فيه: يفعُلُ ** بالضمِّ، لكنْ في الصَّبا يحتملُ
وجدنا أنه يجوز بناء الفعل للمعلومِ (يحتمِل) وبناؤه للمجهول (يُحتمَل) لأنك إن أردتَّ إسناده إلى (الفعل) فإنك تقول: (يحتمِل) لأنَّ (الفِعلَ) مسألة تتضمَّن وجوهًا ممكنةً، أي لكن الفِعل في (الصَّبا) يحتمِل الضمَّ وغيرَه. وإن أردتَّ إسنادَه إلى (الضمِّ) قلتَ: (يُحتمَل) لأن (الضمّ) وجهٌ من الوجوهِ الممكنةِ في الأصلِ، أي لكن الضمَّ في (الصَّبا) يُحتمَل، أي يحتمِلُه الفعلُ وقد يجيزُ غيرَه، فيُبنى للمجهولِ لأن الأصلَ (يحتمِلُ الفعلُ الضمَّ)، فلما حُذِف (الفِعل) نابَ منابَه المفعول وبُني (يحتمِل) للمجهول فصار (يُحتمَلُ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق