الثلاثاء، 24 يوليو 2018

كلمة افتتاح ملتقى أهل اللغة

نُشرت في ملتقى أهل اللغة في يوم افتتاحه الموافق 23/ 5/ 1429هـ.
نهدي هذا الملتقَى إلى لغتنا العربيةِ سيِّدةِ اللُّغاتِ وأشرفِها.
نهديهِ إلى اللغةِ الصامدةِ التي تواطأ على حربِها أعداؤها وأولياؤُها، فهي كما قالَ عروة بن الورد العبسيّ:
تجاوِبُ أحجارَ الكِناسِ وتشتكي ** إلى كلِّ معروفٍ تراهُ ومنكَرِ
أو كحالِ الحماسيِّ الذي يقولُ:
رأيتُ مواليَّ الأُلى يخذُلونني ** على حدَثانِ الدهرِ إذ يتقلَّبُ
فأما أعداؤُها فهم يسارعونَ في نقضِها وإفسادِها وإدخالِ الضيمِ عليها، يركبونَ إلى ذلكَ الصعْبَ والذلولَ، ويُنضُون في سبيل ذلكَ النجائبَ، ويشنّونَ الغاراتِ تتبعُها الغاراتُ، ولكنهم يعودونَ إلى رِحالِهم خائبينَ لم يصنعوا شيئًا:
كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهنَها ** فلم يضِرْها، وأوهى قرنَه الوعِلُ
ولسانُ حالِ العربيةِ يقولُ لهم:
فاضرب بِّكفِّكَ إن أردتَّ بناءَنا ** ثهلانَ ذا الهضَباتِ، هل يتحلحلُ؟!
وما أحسنَ ما قالَ أبو الطيِّبِ المتنبي:
وفي تعَبٍ من يحسُد الشمسَ ضوءَها ** ويجهَدُ أن يَّأتيْ لها بضريبِ
غيرَ أنَّ أمرَ هؤلاءِ لمَمٌ لمكانِ القِدَم والتصريحِ من دعواهمِ، ولكنَّ الشأنَ كلَّ الشأنِ في ألئكَ الذينَ يقولون: (إنا أولياءُ العربيةِ  والساعونَ في مراشدها)، فإذا خلوا إلى محارمِها انتهكوها، وإذا وُكِّلوا بالنظرِ في شئونِها ضيَّعوها، وإذا استؤمنوا عليها لم يحفظوها وفعلوا بها ما لا يفعلُ الأعداءُ. هذا معَ تلكَ الأوصافِ التي يصفونَ بها أنفسَهم ومعَ تلكَ الراياتِ البرَّاقةِ التي يعملونَ تحتَها وينسبونها إلى العربيةِ، والعربيةُ تقولُ لهم:
عَرينٌ من عُرينةَ ليسَ منَّا ** برئتُ إلى عُرينةَ من عَرينِ
فهألاءِ القومُ الذينَ يُظهرونَ خلافَ ما يُضمرون ويقولونَ غيرَ ما يُكنّون خطرُهم ظاهرٌ وضرُرهم بالغٌ والفتنةُ بهم أشدُّ والاغترارُ بهم أسرعُ، فما هم بالمصلحينَ، إنما هم مفسِدونَ مفسِدونَ! ((ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم)). وأيُّ صلاحٍ في تتبعِ الشواذِّ والأخذِ بالنوادرِ والإعراضِ عن الأصولِ والعللِ وقوانينِ الاحتجاجِ ؟ وأيُّ خيرٍ يُبتغَى من وراءِ من لا يحسِنُ من العربيةِ إلا ما يحسِنه عامَّة الناظرينَ فيها، لا يفضُل عنهم شيئًا!
وإنَّ من الظلمِ المبينِ للعربيةِ والتضييعِ لها وخيانتِها أن نُسلِمَ لهم زِمامَ القضاءِ فيها والحكمِ في مسائلِها! معَ أنَّ كثيرًا منهم لم يُعرفوا بعلمٍ ولا شُهِدَ لهم بفهمٍ. وأحسنُهم حالاً مَن همُّه أن يترجمَ إلينا ما كتبَ الأعاجمُ ثم يزعمُ من بعدُ أنَّ هذا الكلامَ الذي ترجمَه عِلمٌ من علومِ العربيةِ حقٌّ على أهلِها أن يَدرسوه ويتعلموا ما فيهِ. وما أمرُ هذا العلمِ الملصَقِ بالعربيةِ إلا كما قالَ حسانُ بنُ ثابتٍ:
وأنتَ دعيٌّ نيطَ في آلِ هاشم ** كما نِيطَ خلفَ الراكبِ القدَحُ الفَرْدُ
ونقولُ في أمثالِ هألاءِ ما قالَ عبْدةُ بن الطبيبِ:
إنَّ الذينَ ترونَهم إخوانَكم ** يشفي غليلَ صدورِهم أن تُصرَعوا
ومن أجلِ ذلكَ أنشأنا هذا الملتقَى آملينَ أن يكونَ دِرعًا حصينة يحمي العربيةَ من سهامِ المبطِلينَ ورماحِهم ويكونَ مولًى لها ونصيرًا في زمنٍ قلَّ فيه المولى والنصيرُ.
وقد حاولنا ما وسِعنا أن نصلِح ما وقفنا عليه من ألفاظٍ وجُملٍ ملحونةٍ أو ركيكةٍ. ونحنُ نسألُكم أيها الكرامُ أن تخبرونا متى ما لقيتم شيئًا من ذلكَ لنصلحَه.
* إنَّ القليلَ بالقليلِ يكثُرُ *
* إنَّ الصفاءَ بالقَذى ليَكدُرُ *
وبالله نستعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق