الجمعة، 13 أبريل 2018

الرأي في تغيير بعض اصطلاحات النحو بحجة التأدب مع الله تعالى

في بنية النحو
نُشر أصله في ملتقى أهل اللغة في 1/ 9/ 1429هـ.
وضع الناس ألفاظ كلامهم وقوانينه بالنظر إلى ما يعرفونه ويقع عليه إدراكهم من المخلوقات. فمتى شئنا أن نخبر عن الله تعالى أو نصفه بشيء منها حملناه على الأشرف منها ثم لم يمنعنا هذا من أن نعرِّفها بما لا يُوصف به الله تعالى لأنّ الشيء إنما يعتبر بمعظمه ويُوسم بأكثره. ومن التكلّف أن نغيّر اصطلاحاتها أو تعاريفها حذرًا من ذلك. 
ومن أمثلة هذا: 
1- المفعول به في نحو (اتق الله). 
2- صيغ المبالغة في نحو (الله غفور رحيم) لأن المبالغة توهم تجاوز القصد. 
3- صيغ التعجّب في نحو (ما أعظمَ الله) لأن (ما) عند البصريين اسمٌ نكرةٌ بمعنى (شيء)، فمقتضى هذا أن يكون المعنى (شيءٌ أعظمَ اللهَ). وبهذا احتجَّ الكوفيون على البصريين. 
4- تخصيص (مَن) بأنها للمذكّر العاقل مع أنها تُطلق على الله تعالى وهو لا يوصف بتذكير ولا عقل. 
5- إذا قال الإنسان: (عسى) فمعناها الترجي. وقد وقعت في القرآن في مواضع كثيرة، والله تعالى لا يجوز عليه الترجّي. 
6- فعل الأمر في نحو ((ربّ اغفر لي))، والله تعالى لا يؤمر. 
7- أصل معنى (على) الاستعلاء مع أنه قال: ((فأجره على الله)) و((توكلت على الله)). 
وفي ذلك يقول أبو سعيد السيرافيّ في (شرح كتاب سيبويه) يحتجّ لكلمة (ما أعظمَ اللهَ): 
(وفيه وجه رابع . وهو أن الألفاظ الجارية منَّا على معانٍ لا تجوز على الله. فإذا رأينا تلك الألفاظ مُجراة عليه حملناها على ما يجوز في صفاته ويليق به، ألا ترى أن الامتحان منا والاختبار إنما هو بمنزلة التجربة، وإنما يَمتحِن ويختبِر منا من يريد أن يقفَ على ما يكون وهو غير عالم به، والله يمتحن ويختبر ويبلو بمعنى الأمر لا بمعنى التجربة وهو عالم بما يكون. 
ومن ذلك أن (لعلّ) يستعمله المستعمل منا عند الشكِّ، وإذا جرى في كلام الله فإنما هو بمعنى (كي). و(كي) يقع بعدها الفعل الذي هو غرضُ ما قبلَه، كقوله: ((وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون))، معناه: كي تفلحوا. فالفلاح هو الغرض الذي من أجله أمرَهم بالتوبة. ومثل هذا كثير).
قلت:
وإذا أبينا إلا تغيير بعض هذه المصطلحات كقول بعضهم: ("إن مَن" للعالم لا للعاقل و"اغفر لي" فعل دعاء لا أمر و"دعوت الله" منصوب على التعظيم) فإنه يلزمنا أن نطرُد هذا فنمتنع من تسمية (غفور) صيغة مبالغة، و(عسى) في كلام الله فعلَ ترجّ، و(على) في نحو ((فأجره على الله)) حرف استعلاء، ونمتنع من تسمية الأسماء المذكرة مذكرةً لأنها تُطلق على الله تعالى، وهكذا. وفي هذا مع التكلف المذموم تغييرٌ لحقائق الأشياء، وذلك أنك إذا قلت مثلًا في: (رب اغفر لي): اغفر: فعل أمر. فمرادك أن الأصل فيه أنه يؤمر به، وليس يجب أن يجري هذا المعنى في هذا الموضع وفي كل موضع. وإذا قلت: الرحمن: لفظ مذكّر. فإنك تريد أنه على قياس الأسماء المذكرة لا المؤنثة. ولا تريد أن مسمّاه، وهو الله تعالى، مذكّر. وقد ذكرتُ أنّ الله تعالى يُستعمل في وصفه والإخبار عنه من الصيغ أشرفُها وإن لم يكن موصوفًا بها.
والمكر معروف، والاستهزاء معروف، والسخرية معروفة، فهل نغير ما استقرّت عليه معانيها لأن الله تعالى وصف بها نفسه في القرآن؟

هناك تعليقان (2):

  1. من باب المدارسة أقول: تسمية الفعل (اغفر) دعاء قد لا يكون من باب تغيير المصطلحات؛ إذ هو استعمال أصيل، استعمله سيبويه في كتابه، والله أعلم.
    وجزاك الله خيرا.

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا يا شيخنا

    ردحذف