نُشر في ملتقى أهل اللغة في 2/ 6/ 1435هـ وفسبك في 24/ 4/ 1437هـ.
يحتاج طالب علم العربيّة إلى أن يعرف طبقات علمائها وأزمانَهم وسِنيْ وفيَاتهم ويفصِلَ بين السابقِ واللاحقِ والمتقدِّم والمتأخِّر والشيخ والتلميذِ ويحترسَ من الاغترار باتفاقِ الأسماء والألقابِ، وما يُلحَق أحيانًا بالكتاب من الحواشِي. وما أكثرَ ما يدخل عليه الخلَل من جهة التقصير في درك هذا البابِ!
أ- وأبينُ مثالٍ على ذلك هو ما لا أنفكّ أراه في كثير من كتب العربية المطبوعة، وذلك قولُهم: (وروى أبو عبيدة عن الأصمعيّ كذا). وهذا تصحيفٌ فاشٍ جدًّا. والصواب (أبو عبيد). وهو القاسم بن سلّام المتوفَّى سنة 224هـ. أما أبو عبيدة معْمر بن المثنّى المتوفَّى سنة 209هـ فقد كان قِرنَ الأصمعيِّ ونديدَه، وكان بينهما من المنافرة والمشاحنة ما لا يخفَى. ولم يجلسْ أحدُهما إلى الآخرِ قطُّ يتعلّم منه ويأخذ عنه.
ب- ونحوه أيضًا ما جاءَ في (أخلاق الوزيرين ص55) لأبي حيان التوحيديِّ، قال: (وأخبرنا المرزبانيُّ عن الصّوليِّ)، فترجمَ المحقق لإبراهيم بن العباسِ الصوليِّ المتوفّى سنة 243هـ. وليس هو المرادَ، بل هو ابنُ أخيه أبو بكرٍ محمد بن يحيَا الصّولي صاحب التصانيفِ الكثيرةِ المتوفّى سنة 335هـ. وهو الذي يَروي عنه أبو عبيدِ الله المرزُبانيُّ (ت 384هـ). أما الأوَّل فقد توفّي قبل أن يولَد المرزبانيُّ بدهرٍ.
ج- ومنه أيضًا ما وردَ في كتاب (في اللغة والأدب 2/ 515) للدكتور محمود الطناحيّ إذ يقول: (فهذا أبو زيدٍ الأنصاريُّ –وهو أحد شيوخ سيبويه- يأتي في كلامه ما يدُلّ على أن النّحاة كانوا يغيّرون الرّوايةَ أحيانًا ليثبتوا قواعدَهم...، فقال أبو زيدٍ: وأنشدَ هذا البيتَ أبو العباسِ محمدُ بنُ يزيدَ عن عمارةَ... ).
وهذا من العجَب! فكيفَ يروِي أبو زيدٍ شيخُ سيبويه المتوفَّى سنة 215هـ عن المبرّد المتوفّى عامَ 285هـ وهو في طبقةِ تلاميذِ تلاميذِ تلاميذِ تلاميذِه، وقد كانَت سِنُّ المبرّد حينَ ماتَ دون عشرة أعوامٍ؟
وإنما استزلَّه ما أُلحِق بنوادرِ أبي زيدٍ من حواشي رواتِه. وهذه الزِّيادة من كلامِ أبي الحسنِ الأخفشِ عليِّ بن سليمان (ت 315هـ) ألحقَها بالنوادر.
د- ومنه أيضًا ما جاء في كتاب (تحفة المجد الصريح ص192) للّبليّ إذ قال: (حكى ثعلبٌ في كتاب أَيمان العرب والدواهي له فقال:... فقال أبو الحسن الأخفش راويةُ الكتاب:...)، فترجم المحقّق للأخفش الأوسط أبي الحسن سعيد بن مسعدة المتوفى سنة 215هـ. والصواب أنه الأخفش الأصغر أبو الحسن علي بن سليمان المتوفّى سنة 315هـ. وهو تلميذ ثعلبٍ المتوفى سنة 291هـ.
فليتحفَّظ من هذا وأشباهِه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق