السبت، 10 يونيو 2017

مسائل متفرقة يُلحّن فيها العامة ولها وجه

نُشر مفرّقًا في آسك وتويتر وفسبك في أوقات مختلفة.
- س: خطأ بعضهم أن يقال: (قرأت شرحَي المرزوقي والتبريزي)  وقال: الصواب أن يقال: (قرأت شرح المزوقي والتبريزي)، فما قولك؟
ج: قرأت هذه التخطئة قبل سنين، فما زلت أتتبع شواهدها من يومِ إذ حتى جمعت عشرة أو عشرين شاهدًا فصيحًا يقضي ببطلانها، منها:
دريد بن الصمة:
سليمَ بن منصور ألمّا تخبَّروا ** بما كان من حربَي كُليب وداحس
الفرزدق:
إلى الأبرش الكلبي أسندت حاجة ** تواكلها حيّا تميم ووائلِ
الكميت:
أطلال مُحلفة الرسو ** م بأَلوتي برّ وفاجرْ
مروان بن أبي حفصة:
تشابه يوما بأسه ونواله ** فما أحد يدري لأيهما الفضل

وأرجو أن أفصّل فيها القول في ما بعد.
- س: هل لقول الناس: (كالشمس في رابعة النهار) وجه من الصواب؟
ج: خطّأها بعضهم وزعموا أن الصواب (رائعة النهار). وكلتا العبارتين لم تُسمع عن العرب في ما أعلم، ولكن لـ(رابعة النهار) وجهًا سائغًا، وهو أن يكون المراد بـ(الرابعة) الساعة الرابعة من ساعات النهار لأن شعاع الشمس يكون فيها ساطعًا مبينًا. وقد وردتْ مع ذلك في عدد من كتب العلماء السابقين. وأما (رائعة النهار) فلم أجد لها معنى إلا أن بعض المعاجم المعاصرة زعمت أنها بمعنى (معظم النهار). وغالب ظني أنها مصحفة عن (رابعة) التي يخطّئونها.
- س: هل يصح أن يقال: (توفَّى الرجلُ) بالبناء للمعلوم بمعنى (مات)؟
ج: أصلُ (تُوُفّي) بالبناء للمجهول هو في ما أرى (توفَّى اللهُ الرجلَ مدَّتَه) أي استوفاها بإماتتِه، فـ(توفَّى الرجلُ مدَّتَه) أي استوفاها، يتعدّى إلى مفعولين وإلى مفعول واحد باللفظ نفسه، ثم بُني المتعدّي إلى اثنين للمجهول فصار (تُوُفّي الرجلُ مدَّتَه)، ثمّ حُذف المفعول استخفافًا فصار (تُوُفّي الرجلُ)، وشاعَ هذا في كلامهم.

فيجوز لك إن شئتَ أن تقول: (توفَّى الرجلُ) بالبناء للمعلوم على الأصل. وبه قرأ عليّ رضي الله عنه في ما حكى عنه أبو عبد الرحمن السّلميّ: ((والذين يَتوفّون منكم))، وعاصمٌ أيضًا في رواية المفضّل الضبيّ عنه.
ويجوز لك أن تقول: (تُوُفِّيَ الرجلُ) بالبناء للمجهول. وهو الكثير الجيّد.
- س: ما صحة تصدير الجملة بـ(ما دام) نحو (ما دام الإنسان كسولًا فلن يفلح)؟
ج: هذا الأسلوب عينُه بتقديم (ما دام) لا يُعرف في كلام من يحتجّ به، ولم يرد إلا في بيت من شواهد النحو، وهو:
ما دام حافظَ سرّي من وثقتُ به ** فهو الذي لست عنه راغبًا أبدا
غير أن هذا البيت من وضع ابن مالك، فلا تنهض به حجة من جهة السماع. على أن هذا الأسلوب صحيح قياسًا، وذلك على أن تكون (ما) مصدرية ظرفية أو شرطية ظرفية. وهو نظير قوله تعالى: ((فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم)). وقد أجازه مجمع القاهرة محتجًّا بهذه الآية. ومثله أيضًا قول أبي صخر الهذلي:
ولَما بقيتِ ليَبقينّ جوًى ** بين الجوانح مضرعٌ جسمي
كأنه قال: (ما دمتِ باقيةً ليبقينّ جوًى).
- س: ما رأيك في توسيط ضمير في الاستفهام نحو (من هو القادم؟)
ج: خطّأ ذلك عدد من المعاصرين. وأراه جائزًا على أن يكون ما بعد (هو) مبتدءًا، و(هو) وما قبلها خبرًا مقدّمًا، فإذا قلت: (من هو القادم؟) فحدّ الكلام (القادم مَن هو؟).
- س: هل يصحّ تكرار (بين) في نحو (جلست بين زيد وبين عمْر)؟
ج: الأصل في (بين) أن تقتضي شيئين أو أكثر، فإذا قلت: (جلست بين زيد وعَمْر) لم تحتج إلى تَكرارها فتقول: (جلست بين زيد وبين عمْر)، ولكن جاء في كثير من شعر العرب ونثرهم تكرارها على جهة التوكيد. وقد جمع بعضهم لذلك أكثر من مئة شاهد منها قول امرئ القيس:
قعدت له وصحبتي بين ضارج ** وبين العُذيب، بعد ما متأملِ!
وقول عنترة:
طال الثواء على رسوم المنزلِ ** بين اللّكيك وبين ذات الحرملِ
وقول ذي الرمّة:
بين النهار وبين اللّيل من عقدٍ ** على جوانبه الأسباط والهدبُ
فيجوز أن تكرّرها خلافًا للحريريِّ في "درّة الغواص" ومن تبِعه. ويستحسن هذا عند خوف اللبس نحو (أقمت مسابقة بين محمد وخالد وبين زيد وصالح).
- س: هل يصح أن يقال: (ثم أما بعد
ج: يجوز أن تقول: (ثم أما بعد) لأن (أما) قد تلي حروف العطف كالواو والفاء، قال سبحانه: ((فأما الذين شقوا)) و(((وأما الذين سُعدوا))، فلا يمتنع إذن أن تلي (ثم) لأنها حرف عطف أيضًا. وذلك أن (أما) حرف شرط، والقياس يجيز دخول حروف العطف على حروف الشرط كما تقول: (ثم إن تأتني آتك) ونحوه، غير أن هذا لا يخلو من خوَر وضعف من جهة البلاغة لا النحو. وذلك لإسهابك في غير موضع إسهاب، إذ كانت (أما) مُغنية في الدلالة على الانتقال إلى حديث آخر.
- ضمّ السين من (سراة) بمعنى (أشراف) لغة حكاها أبو علي الفارسي في "تذكرته". وهي ثابتة في "مختارها" لابن جني.
- أجاز ابن جني جمع (باسل) صفة للمذكّر على (بواسل) كما قالوا: (فوارس) لأن البسالة والفروسة من صفات الرجال، فلا تلتبس بالمؤنث. ولها شاهد من الشعر، وهو قول الحماسي:
وكتيبةٍ سفع الوجوه بواسل ** كالأسد حين تذبّ عن أشبالها
- زعم بعضهم أن (الفِراسة) بمعنى التوسُّم لا تصحّ إلا بكسر الفاء. والحقُّ أن فتح فائها لغةٌ صحيحةٌ حكاها ابن الأعرابي (ت231هـ) كما نقل عنه أبو منصور الأزهري (ت370هـ) في "التهذيب 12/ 406"، وابنُ السكّيت (ت244هـ) كما نقل عنه أبو سليمان السَّعدي (ت573هـ) في "شرح أدب الكُتاب ص112"، وحكاها أيضًا ابن درستويه (ت347هـ) في "تصحيح الفصيح ص218"، وأبو جعفر اللبلي (ت691هـ) في "لباب تحفة المجد الصريح 1/ 209".
- يجوز أن تقول: (الدولة الأُمويّة والأَمويّة) بضم الهمزة وفتحها، كلاهما مسموع. والأول هو القياس.
- أجاز أبو جعفر اللبلي (ت691) أن تقول: (غار على أهله غَيرة وغِيرة) بفتح الغين وكسرها. هكذا ضُبطت في "لباب التحفة". ولم يحكِ الكسرَ غيرُه. ولم يُذكر في "التاج" ولا "اللسان".
- قول بعض الناس في الأذان: (الله وَكبر) جائز على جهة الإبدال القياسي. ولا ينبغي إنكاره.
- قولهم: (معلول) في نحو (الحديث المعلول) صحيح، فقد حكى بعضهم أن قطربًا رواه في كتابه "فعلت وأفعلت". وهو مفقود.
- إذا سمعتَ أحدًا يقول أو يكتب: (يا إبني) أو (ما إسمك) بقطع الهمزة فلا تخطّئه، فقد حكى الأخفش عن الثقة أنه سمع من العرب من يقول ذلك.
- تقول: (همني الأمر فهو هامّ، وأهمني فهو مهمّ). ولا وجه لتخطئة الأول لأنه مسموع، انظر مثلًا "شرح القصائد للأنباري١٥٠". والقياس أيضًا يجيزه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق