في العروض
نُشر أصله في ملتقى أهل اللغة في 5/ 8/ 1429هـ.
نُشر أصله في ملتقى أهل اللغة في 5/ 8/ 1429هـ.
س: هل يجوز لمنشد الشعر أن يُشبع بعض حركاته مجاراة للنغَم؟
ج: قد ثبت أن العرب تشبع بعض الحركات في الشعر، وذلك كقول الشاعر:
وأنني حيثما يَثني الهوى بصري ** من حيثُ ما سلكوا أدنو فأنظورُ
وقوله:
* أعوذ بالله من العقرابِ *
وقوله:
* قلتُ وقد خرَّت على الكلكالِ *
أي الكلكل.
وقوله:
* لو أنَّ عَمْرًا همَّ أن يرقُودا *
أي يرقد.
وقوله:
* لا عهدَ لي بنيضالْ *
أي بنضال.
وهو كثير لا سبيل إلى حصره.
وما إخالهم فعلوا ذلك إلا لأنهم ربما نظموا الأبيات مغنّاة، ومعلوم أن من خصائص التغنّي المدّ والإشباع، فسهّل لهم ذلك إشباع الحركات أحيانًا جريًا على عادتِهم في التغنّي.
وكما أشبعوا في نحو هذا من ما لو أنشدناه من غير إشباع لاختلّ وزنه فليس بمستبعَد أن يكون من عوائدهم أحيانًا أن يبنوا بعض الكلم على إشباع حركاتها في ما لو لم ننشده بهذا الإشباع لوقع فيه زحاف. وذلك كبيت امرئ القيس:
ترَى بعَر الأرامِ في عرصاتِها ** وقيعانِها كأنَّه حبُّ فلفلِ
فإن هذا الجزء (نها كأنْ) قد دخلَه زِحاف القبضِ.
ومن الجائز أن يكون امرؤ القيس قد قاله متغنّيًا بالإشباع:
(نِها كاْأَنْ) على (مفاعيلن).
وهذا وإن كان القياس دالًّا عليه ومسوّغًا له فإنا لا نستطيع أن نقطع به خلافًا للضرب الأول إذ لولا القول بإشباعه لاختلّ وزنه.
ولعلَّ هذا يفسِّر لنا كثرة الزحافاتِ في شعرِهم مع ما عُرِفوا به من ذوقٍ مرهَفٍ وإحساسٍ فارع.
وقد كانَ إنشاد الشعر من عوائدهم، قال طرفةُ:
إذا نحن قلنا: أسمعينا، انبرت لنا ** على رِسلِها مطروقةً لم تَشدَّدِ
وقال المسيَّب بن عَلَس:
ترِد المياهَ فما تزال غريبةً ** في القوم بين تمثّل وسماعِ
والسماع : الغِناء .
وقال حسان:
تغنَّ في كلِّ شِعرٍ أنت قائلُه ** إن الغناءَ لهذا الشعر مضمارُ
وإذن لا أرى بأسًا في أن يشبع المنشد بعض الحركات حتى تستحيل حروف مدٍّ التماسًا لاتساق اللحن، من غير إيغال في ذلك يحجُب المعنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق