الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

رأيي في طبعة دار عالم الأدب لـ(المعلقات العشر)

نُشر في فسبك وتويتر في 4/ 8/ 1437هـ.
سألني غير واحد عن نشرة للمعلّقات العشر صدرت حديثًا عن دار عالم الأدب.
وقد اطّلعتُ على هذه النشرة فلم أرَ فيها كبيرَ فضل على الطبعات التجارية الموجودة في الأسواق لأنها أغفلت أصلين مهمين جدًّا، وبُنيت على أصلين متوهَّمين.
فأما الأصلان المغفَلان فأحدهما إغفال تخليص القصائد من الأبيات المصنوعة والمنحولة والمكررة. 
والآخر إغفال إعادة النظر في ترتيب الأبيات. وتركُ مثل هذا مخلّ بفهم المعنى في مواضع كثيرة ومفسدٌ لتسلسل الأبيات وتحدّرِها وإفضاءِ بعضها إلى بعض ومصعّبٌ لحفظها. 
وأما الأصلان المتوهّمان اللذان قامت عليهما فأحدهما توهّمُ أن نسخة الشنتمري هي عين رواية الأصمعي، وذلك في جواهر الألفاظ وفي صور ضبطها وفي ترتيب الأبيات أيضًا. وهذا غير صحيح، فكثيرًا ما نجد روايات عاليةً مسندةً في كتب المتقدمين تحكي عن الأصمعي من روايات المعلقات خلافَ ما نجده في نسخة الشنتمري. فالذي ينبغي أن نسلّم به هو أن القصائد التي أوردها الشنتمري كان الأصمعي يثبتها ويرويها وحسبُ، فأما ادّعاء هذا في الألفاظ نفسها وفي وجوه ضبطها وفي ترتيب الأبيات فلا يصحّ. 
والأصل الآخر المتوهّم هو أن كل رواية للأصمعي خالفتْ غيرها من الروايات فروايته أجود منها وأصحّ. وهذا ليس صوابًا كما يظهر لمن وازن الروايات بعضها ببعض وعرضها على المعهود من أسلوب الشاعر وامتحنها من جهة البلاغة، بل ربما وجدنا رواية الأصمعي في بعض الأبيات ظاهرة الرداءة! 
والذي أكاد أجزم به أن رواية متقدمي الكوفيين كحماد والمفضل وأبي عمْر الشيباني أصحّ في الجملة من رواية الأصمعي وغيره من البصريين إذ كانوا أعلم برواية الشعر وأجمع له منهم. وهم أساتذة البصريين في هذا الضرب، فحماد الكوفي شيخ خلف والأصمعي البصريين، والمفضل الكوفي شيخ أبي زيد البصري، وقد روى عنه في "نوادره". 
وبحسبك أن تعلم أن رواية المعلقات لأبي بكر الأنباري تنتهي إلى أبي عمْر الشيباني ونظرائه من الكوفيين، بل المشهور أن جامع المعلقات أصلًا هو حمّاد الكوفي. 
وبحسبك أن تعلم أيضًا أن "المفضليات"، وهي من أصحّ مجاميع الشعر وأسناها، تنتهي إلى المفضّل الكوفي، وأن تعلم أيضًا أن (كل شيء في أيدينا من شعر امرئ القيس فهو عن حماد الرواية إلا نتَفًا) كما يقول الأصمعي نفسه. 
ومع ذلك لا أرى اعتماد رواية هذا ولا ذاك، وإنما يُختار عند كل موضع اختلافٍ في الرواية أجودُها وأصحُّها وَفقًا لمعايير دقيقة تحدّد الروايات المقبولة مصدرًا وزمنًا وتصطفي أجودها وأشبهها بأسلوب الشاعر وبلغة الشّعر وأليقَها بغرض القصيدة وأكثرَها مناسبةً للمعنى. 
فأما هذه النشرة فهي منقولة بالنصّ من نسخة الشنتمري والتبريزي وغيرهما مع تغيير في بعض المواضع، وليس فيها شيء من التحقيق. 
هذا إلى عدد من أخطاء الضبط فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق