في ما تلحّن فيه العامة وله وجه
نشر في المجلة الثقافية في 2/ 5/ 1436هـ.
يشيع في كلام الكُتّاب تعديةُ الفعلِ (أثرَى) كقولِهم: (حفظُ الشِّعر يُثري اللُّغةَ) أي يجعلُها ثريَّةً. وقد صحَّح هذا الاستعمالَ الزعبلاويُّ في (معجم أخطاء الكُتّاب ص 79) من طريق القياس وذكرَ أنّه (لم يرد في المعجمات أو كلام الفصحاء أثرى متعدّيًا)، غيرَ أني وجدتُّ له شاهدًا صحيحًا يقضي بسماعه عن العربِ، فقد روى أبو بكرٍ الأنباريّ (ت328) في شرحه لديوان عامرِ بن الطّفيلِ (ص 10) عن شيخه أبي العباس ثعلبٍ (ت291) أنّ أبا براءٍ عامرَ بنَ مالك بن جعفر بن كلاب قال: (إنّ الله قد أثرَى عددَكم وكثّرَ أموالَكم). ونقلَه ابن حمدون (ت562) في (تذكرته 7/ 399) باللفظِ نفسِه.
نشر في المجلة الثقافية في 2/ 5/ 1436هـ.
يشيع في كلام الكُتّاب تعديةُ الفعلِ (أثرَى) كقولِهم: (حفظُ الشِّعر يُثري اللُّغةَ) أي يجعلُها ثريَّةً. وقد صحَّح هذا الاستعمالَ الزعبلاويُّ في (معجم أخطاء الكُتّاب ص 79) من طريق القياس وذكرَ أنّه (لم يرد في المعجمات أو كلام الفصحاء أثرى متعدّيًا)، غيرَ أني وجدتُّ له شاهدًا صحيحًا يقضي بسماعه عن العربِ، فقد روى أبو بكرٍ الأنباريّ (ت328) في شرحه لديوان عامرِ بن الطّفيلِ (ص 10) عن شيخه أبي العباس ثعلبٍ (ت291) أنّ أبا براءٍ عامرَ بنَ مالك بن جعفر بن كلاب قال: (إنّ الله قد أثرَى عددَكم وكثّرَ أموالَكم). ونقلَه ابن حمدون (ت562) في (تذكرته 7/ 399) باللفظِ نفسِه.
علَى أنَّه لو لم يُسمَع لكانَ القياس قابلًا له ومؤدِّيًا إليه. وذلك أنَّ العرب تقول: (ثرَى القومُ) إذا ازدادَ عددُهم، و(ثرى المالُ) بالمعنى نفسِه، فلا يمتنعُ في القياسِ أن يُعدَّى بالهمزةِ فيقالَ: (أثريتُ الشيءَ فأنا أُثريه) إذا كثَّرتَه ونمَّيتَه. وهو مُشتَقٌّ من (الثَّرى)، وهو اسمُ عينٍ جامدٌ، على معنى النِّسبةِ لمشابهتِه له في صفةٍ ظاهرةٍ من صفاتِه، وهي الكثرةُ، لأن الثرَى يُضرَب به المثلُ في ذلك كما قال عمر بن أبي ربيعةَ:
ثم قالوا: تحبّها؟ قلتُ: بهرًا ** عددَ الرّملِ والحصى والتّرابِ
وسُمع أيضًا (أثرى) لازمًا. وليس هو على التحقيق بمعنى (ثرَى)، وإنما هو بمعنَى كثُر ما هو موصولٌ به منسوبٌ إليه. وخصُّوه هنا بالمال، فقولهم: (أثرى القومُ) بمعنى كثُر مالُهم لا كثُروا هم. وقد تدخلُ الهمزةُ على الثلاثيِّ المجرّد لنسبةِ معناه إلى ما هو متّصلٌ بفاعلِه كما قالوا: (أبسَر النّخل) بمعنى صار تمرُه بُسرًا لا صار النخلُ نفسُه كذلك. والتّمر ليس هو الفاعل، وإنما هو متّصلٌ به غيرُ مذكورٍ. وقالوا أيضًا: (أعاهَ القومُ) إذا أصابت زرعَهم عاهةٌ لا أصابتهم هم. و(ماتَ الرجلُ) إذا كان هو الميّتَ، و(أماتَ) إذا كان الميّت أحدَ أبنائِه، و(حرَّ الرجلُ) إذا كان حرّانَ أي عطشانَ، و(أحرَّ) إذا كانَت إبلُه حِرًارًا أي عطاشًا.
فانظر في حسنِ موقِع هذه الهمزةِ وما أحدَثتْه في الفِعل حين لحِقتْه. وهي مسألة لطيفةٌ لها نظائرُ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق