في ما تلحَّن فيه العامة وله وجه
نُشر أصله في ملتقى أهل اللغة في 30/ 7/ 1432هـ.
س: ما حكم التلفيق بين أكثر من لغة في الكلام الواحد؟
ج: الصحيح أن هذا جائز. وقد وقع في القرآن كثيرٌ من أمثاله، منه ما هو متقارب، ومنه ما هو متباعد، وذلك كقوله تعالى: ((ومن يشاقِقِ الله ورسوله)) في سورة الأنفال. وفي سورةِ الحشر: ((ومن يشاقِّ الله)). والفكُّ لغة أهل الحجاز، والإدغام لغة أهل نجدٍ. وقوله: ((فمهِّلِ الكافرينَ أمهلهم رويدًا))، فجمعَ بين (مهِّل) و(أمهِلْ). وقال: ((نكِرهم وأوجس منهم خيفة)) وقال: ((إنكم قوم منكرون))، والأول من (نكرَه) والثاني من (أنكره).
هذا مع أن القراءات قامت على الاختيار والتلفيق بين المَرْويّ، ولذلك جاء في رواية حفص: ((باسم الله مجراها ومرساها)) بإمالة (مجرى) دون (مرسى). وقال أيضًا: ((ويخلد فيهِ مهانًا)) بإشباع الهاء في هذا الموضع دون سائر المواضع. وكذلك فعل في ضمّ الهاء في ((أنسانيهُ)) و((عليهُ الله)) دون غيرهما. والضمّ لغة قريش. ومنه في الشعر قولُ النابغة الذبياني في روايةٍ:
أسرت عليه من الجوزاءِ ساريةٌ ** تزجِي الشَّمالُ عليه جامدَ البرَدِ
فجمعَ بينَ (أسرى) و(سرَى).
وقول لبيد بن ربيعة:
سقَى قومي بني مجدٍ وأسقَى ** نُميرًا والقبائلَ من هِلالِ
فجمعَ بين (سقَى) و(أسقَى).
وقال الآخَر:
ألا لا باركَ الله في سُهيلٍ ** إذا ما الله باركَ في الرجالِ
فحذف ألف (الله) الأولَى ولم يحذف الثانية.
وهو أكثر من أحصيه لك.
وقد عقَد المعافَى بن زكريا (ت390) فصلاً في ذلك في كتابِه "الجليس الصالح الكافي" وابنُ جنِّي (ت392) في "الخصائص" والسيوطيُّ (ت911) في "المزهر".
على أن الأجود للمحدَث أن يلتزم لغة واحدة في كلامه.
فأما العرب الذين يُحتجّ بهم فقد يجمع الرجل منهم بين لغتين في كلام واحد إذا لم يكن لهما قانون مطّرد، وذلك كالشواهد التي سقتها آنفًا، فأما إذا كان لكلّ لغة قانون مطّرد ينتظم جملة من الأفراد فلا يقع في كلامهم الجمع بينهما، ولذلك حكم بعضهم على قول الراجزِ:
* أعرف منها الجيدَ والعينانا *
* ومنخِرين أشبها ظبيانا *
بالوضع، على أن الرِّواية الصحيحة عندَ أبي زيدٍ (ت215) في "نوادره": (ومنخران).
وذلك أن العربي يتكلّم بسليقتِه، وليس من عمل السليقة أن تراعي قانونينِ مطّردين في المسألة الواحدة لأن اتفاقَهما في النوع يُحوج إلى فضلِ تعمّل ونظر، ومتى وُجد ذلك كان فيه انتقاض السليقة وبطلانها.
فأما ما ليس له قياس ينتظمه كـ(سقى) و(أسقى) وكـ(سرى) و(أسرى) فقد يقع الجمع بين مثله في كلامهم لأنه ليس له قياس مستمرّ يولِّده. وهذا تفصيل مهِمّ لم أرَ من ذكرَه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق