الأحد، 21 يوليو 2019

لم اخترت أن أسمي الكتاب "تدليس ابن مالك"؟

في كتاب تدليس ابن مالك
نُشر في ملتقى أهل اللغة في 1/ 5/ 1435هـ أولَ طباعة الكتاب والإعلان عنه وقبل توزيعه
يسأل عدد من الإخوة: لِمَ سمّيتَ كتابك "تدليس ابن مالك في شواهد النحو"؟ وهلّا عدلتَ عنه إلى اسم آخر غير هذا الاسم؟ 
والجواب عن ذلك أن الكتاب ينطوي على أربع قضايا جوهرية، وهي عرْضُ جميع الأبيات التي تفرّد بها ابن مالك، والحكم عليه بأنه هو واضعها بأربعة براهين مفصلة، والحكم عليه بتدليسها بالبراهين أيضًا، وبيان أثرها عنده في أحكام النحو وعند من جاء بعده.
فإما أن يكون إنكارهم لهذا العنوان من جهة العلم، وإما أن يكون من جهة العاطفة.
فأما الأول فإما أن يقولوا: لأنه لم ينتظم هذه القضايا الأربع كلها، وإما أن يقولوا: لأنه وشى بالنتيجة وكشف عنها.
فإن قالوا بالأولى فيجاب عن ذلك بأنه ليس من واجب العنوان أن يدلّ على جميع ما في الكتاب. وهذا كتاب "العين" و"الحماسة" وغيرها لا تدلّ إلا على جزء يسير من الكتاب. ويلزم من ذلك أيضًا أن يكون العنوان دالًّا على هذه القضايا الأربع كلها. وهذا متعذر. وقولكم ببعضها تحكّم.
وإن قالوا بالثانية، وهي أنه دلّ على النتيجة، فيقال: أنتم بين أمرين: أن لا تأبوا النتائج التي انتهى إليها الكتاب أو أن تأبوها، فإن كنتم لا تأبون إلا العنوان لأنه وشى بالنتيجة فلا نسلّم لكم أن ذلك غير جائز. وعليكم الدليل. وإن كنتم تأبون نتائج الكتاب أيضًا، فتعلقكم بالعنوان تلبيس لأن خلافكم إنما هو في صلب النتيجة لا في العنوان.
وإن كان إنكارهم للعنوان من جهة العاطفة لا من جهة العلم. وذلك أن يقولوا: نحن نسلّم بالنتيجة أو نرى إمكانها على الأقلّ، ولكنا نرى في ذلك إساءة إلى مقام ابن مالك وحطًّا من قدره أو نرى أن في ذلك تجرئة للناس على العلماء وفتح باب في الطعن عليهم، فيُردّ عليهم بأنه متى انبنى على خطأ العالم فساد في العلم لم يجز السكوت عليه لأيّ وجه كان. ولذلك تكلّم أهل الحديث بالجرح والتعديل حرصًا على حفظ الحديث وتنقيته من شائبة الوضع والافتعال. وأبيات ابن مالك نحو من 700. وهذا عدد ضخم، فالسكوت عن بيان أمرها يوجب قبولها والاحتجاج بها. وفي هذا من الضرر على العلم ما لا يخفى. 
فإن قيلَ: هَب أنا سلّمنا لك بذلك كلِّه فلِم آثرتَ أن تسمِّيه بهذه القضيَّة، وهي قضيَّة التَّدليس، دونَ سائرِ القضايا الثلاثِ، فهلّا سمَّيتَه مثلًا (الشواهد النحويّة التي تفرَّد بها ابن مالك) أو (الأبيات الموضوعة في كتب ابن مالك) أو (وضع ابن مالكٍ للشواهد النّحوية)؟ 
فالجوابُ عن ذلك أنَّه ليس يجب على المؤلِّف أن يحتجَّ لعنوانِ كتابِه. ولهذا لم أذكرْه في صُلبِ البيانِ، وإنَّما اشتغلتُ بنقضِ الاعتراضاتِ عليه لأنها متى انتقضَت فللمؤلِّف بعدَها حقُّ التصرُّف في اختيارِ العُنوانِ كما يشاءُ. علَى أنَّه يَجوز أن تستويَ هذه القضايا الأربعُ في الأهميَّةِ والقَدرِ فلا يكون شيءٌ منها أولَى من شيءٍ. وإذن لا تثريبَ عليَّ أن أسمِّي الكتابَ بما أشاءُ منها ولو اعتباطًا. وإنَّما يصِحُّ هذا السُّؤالُ لو كانَ مقطوعًا بفضلِ إحداها، ولكنَّه غيرُ معيَّنٍ، غير أني معَ ذلكَ أبيِّن العِلّة تنزُّلًا فأقول: 
إنَّما سمَّيت الكتابَ بهذه القضيَّة دون غيرِها لأمورٍ، منها أنَّ التسمية بالوضعِ لا تستلزِم التدليس، فقد يكونُ وضعُ ابنِ مالكٍ لهذه الشواهدِ من بابِ التمثيلِ. أمَّا التدليسُ فيسلتزِم الوضعَ للملمِّ بصورةِ المسألةِ. فقد جمعَ هذا العنوانُ قضيَّتينِ في قضيَّةٍ، بل دلَّ أيضًا باللزومِ على القضيَّة الثالثةِ من قضايا الكِتابِ، وهي أن لهذه الأبياتِ، ولا بدَّ، أثرًا في كتبِ النحوِ التي أُلّفت بعدَه لأنَّ التدليسَ يُوهِم غيرَ الواقعِ. وهذا بلا ريبٍ داعٍ لانخداعِ من بعدَه من العلماء بها. وهذا ما جرَى حقًّا. وأمرٌ ثالثٌ، وهو أنَّ هذه القضيَّة هي التي ينفصِل بها هذا الكتابُ عن جميعِ من كتب في هذا الموضوعِ لأنَّ بعضهم رمى ابنَ مالكٍ بالكذب، وبعضهم رأى أنه وضعَها ابتغاءَ التمثيلِ غيرَ كاذبٍ في ذلك ولا مدلِّسٍ. 
وإذن فهذه القضيَّة هي أهمُّ قضايا الكتابِ وأخطرُها وأبعدُها أثرًاوأدلُّها على ما وراءَها. وهي التي يبايِن بها هذا الكِتابُ ما سبقَه. ولذلك سمَّيتُه بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق