الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

ضبطُ (اشتهر) و(كمل). أثرُ محاذرة سناد التوجيه في الاستدلال على الضبط

نُشر في المجلة الثقافية في 24/ 3/ 1438هـ ونُشر أصله في الفسبك في 7/ 8/ 1437هـ.
من الشُّعراء من ينظم القصيدةَ الطويلةَ ويبني رويّها على التقييد ثم تراه مع ذلك يحاذر أن يُلمّ بها سنادُ التوجيه، وهو اختلافُ حركة ما قبل الرّويِّ المقيَّد، فيلتزم في جميع أبياتها حركةً واحدةً لا تختلف.
وقد دلَّنا هذا الالتزامُ على ضبط بعض الألفاظِ ذاتِ الوجوهِ المحتمَلة فعرَفنا بذلك محلّها من الفصاحة وموضعها من الجودة.
فمن ذلك قصيدةُ العجّاجِ المعروفة التي مطلعُها:
* قد جبرَ الدينَ الإلهُ فجبَرْ *
فإن عدتها 180 بيتٍ. وقد أقامها كلَّها على فتح ما قبل الرويِّ. وجاء فيها هذا البيت(1):
* فقد تكبّدتَّ المُناخَ المشتهَرْ *
فينبغي أن تكون كلمة (المشتهَر) هذه مفتوحةَ الهاء لا مكسورتَها لأن كسرَها يُحدِث سناد التوجيه، وهو ما تجانفَ عنه الشاعرُ في جميع أبيات القصيدةِ، فمن البعيد جدًّا أن يهوِي فيه في بيتٍ واحدٍ فقط وقد نجا منه في 179 بيتٍ.
وقد روتِ المعاجمُ فتح الهاء وكسرَها إذْ يقال: (اشتهَرَه الناسُ فهم مشتهرِون له وهو مشتهَرٌ)(2). ومنه قولُ أبي النجم العجلي(3):
* كلا الفريقَينِ المنيماتِ اشتهَرْ *
أي استلَّ السيوفَ المنيماتِ.
ويقال أيضًا: (اشتهرَ هو)(4). وهي صيغة مستقلّة غير متفرّعة عن الأولَى.
وثبوت هذا اللفظ في بيت العجّاج بالفتح شاهدٌ صريحٌ من حيث السماع على جودةِ الفتح دون الكسر وإن كان الكسر فصيحًا صحيحًا. وذكر أبو العلاء المعرّي (ت449هـ) أنه أيضًا أقيس(5).
على أنّه لولم يبلغنا قولُهم: (اُشتُهِر فهو مشتهَر) بالفتح لكان قولهم: (اشتهرَه) وقد سُمِع، ناطقًا بها ومجوّزًا لها لأنّه يصحّ بِاطّرادٍ تحويلُ كلّ فعل متعدٍّ مبنيٍّ للمعلوم إلى بناء المجهول. وفي هذا ردٌّ على من غضَّ من هذا الضبط ونفاه من الفصاحة(6).
وإذن تقول: (اُشتُهر هذا الأمر فهو مشتَهَرٌ). وهو الأفصح. ويجوز أن تقول: (اِشتَهَر هذا الأمر فهو مشتهِرٌ). وهو جيّد فصيح.
ومن ذلك أيضًا قصيدةُ لبيد بن ربيعة التي مطلعُها:
إنّ تقوى ربّنا خيرُ نفَلْ ** وبإذن الله ريثي وعجَلْ
فعِدّتها 85 بيتًا. وقد التزم فيها فتح ما قبل الرّويّ. وجاء فيها هذا البيت(7):
طاميَ العَرْمَض لا عهدَ له ** بأنيسٍ بعد حولٍ قد كمَلْ
فينبغي أن يكون الفعل الماضي (كمَل) مفتوح الميم، ويكون من باب (نصرَ). وقد ذكر اللُّغويّون مجيء هذا الفعل من باب (فرِح) وباب (عظُم) أيضًا، فيكون في ثبوتِ ضبط ميمه بالفتح في هذا البيت شاهدٌ جليّ من السّماع يُضاف إلى شاهد القياس لأن اسم الفاعل المشهورَ منه هو (كامِل). و(فاعلٌ) إنما ينقاس بناؤه من الفعل اللازم إذا كان على (فعَلَ) دون (فعِلَ) و(فعُلَ). وقد نصّ المطرّزي (ت610هـ) على فضلِ الفتح على الضمّ والكسر(8).
وإذن فالأفصح أن تقول: (قد كمَل الشيء يكمُل فهو كاملٌ). ويجوز (كمُل الشيء يكمُل فهو كميلٌ) كما هو الفاشي على ألسنة الناس. ويجوز أيضًا (كمَل الشيء يكمِل)، و(كمِل الشيء يكمَل).


(1) ديوانه 97.
(2) نصّ عليه الأصمعي في شرحه لديوان العجّاج 97. وانظر أيضًا ديوان الأدب للفارابي 2/ 402.
(3) المعاني الكبير لابن قتيبة 2/ 1082.
(4) الصحاح (ش هـ ر).
(5) شرح ديوان أبي تمام للتبريزي 2/ 9.
(6) أشار إليه العدناني في معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة 357 وأحمد مختار عمر في معجم الصواب اللغوي 1/ 120.
(7) ديوانه 184.
(8) المُغرب ( ك م ل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق